تعليق د. محمد دراز على كلام "مالك بن نبي" بخصوص الفكر الديكارتي.



هذا كلام مقتطف من تعليق الشيخ محمد دراز على كتاب "الظاهرة القرآنية" لمالك بن نبي" وقد نُشر بعضُه في مقدمة الكتاب المطبوع، ولكني رأيتها كاملة في كتاب " أوراق د. محمد دراز" التي جمعها الشيخ أحمد مصطفى فضلية من مكتبة الشيخ بعد وفاته بخمسين سنة.
يقول الشيخ:" " فالقرآن لم يعلن فحسب بأن الإيمان، لا يُفرض من الخارج، ولكنه أدان بقوة كل إتباع أعمى يلقي بزمامه إلى سلطة لا تستند إلى العقل. وقد دعا دائمًا باستمرار إلى التأمل الفردي المنسحب من تأثير الوسط الخارجي والأفكار المسبقة، ومن كل فكرة مستقاة بعفوية دون تمحيص. إن ( ديكارت) لم يفعل غير ذلك، حينما رفض أسلوب الهيمنة، مطالبا بحق العقل، مؤكدا واجب كل امرئ بألا يأخذ بغير الثابت والبديهي الذي لا مراء فيه. أكثر من هذا؛ ففي هذا الإطار يبدو لنا المذهب الديكارتي من هذه الناحية، أقل تشددا وتمسكا من القرآن.
فمن المعروف بأية عناية أوضح الفيلسوف الفرنسي تأملاته، وهو يضع تلك القاعدة المنهجية التي لا تقبل غير الأفكار الواضحة والمحددة، فهو لم يشأ بذلك التكلم عن الأمور التي تنظر إلى الإيمان والمثل، ولكن عن الحقائق المجردة التي لا يمكن معرفتها إلا بالضوء الطبيعي وحده.
فإن كان ديكارت قد اضطر إلى مثل هذا التحفظ، لأنه يُعد الإيمان المسيحي تكتنفه أمور غامضة بوصفه موضوعا، فمن ذا الذي لا يرى أن هذا التحفظ لا محل له في العقيدة القرآنية؟ مهما يكن من أمر فإنني لا أرى جيدا السبب الذي يستطيع أن يسوغ التقليل من شأن الفكر الديكارتي، فهناك انطباع بأنك تضعف بطريقة منهجية من شأن هذا الفكر، كما لو أن ديكارت ذلك الوجه الكبير في الفلسفة الحديثة، المطلقة تجاه كل تحسس خارجي، مستمد من الطبيعة أو مما هو فوق الطبيعة ، ولهذا أتمنى أن تحمل الطبعات القادمة ما يبدد بعناية هذا الالتباس". انتهى النقل.

ولي شرح بسيط لأحد كلمات الشيخ دراز ليفهم المثقفون الحقيقة كاملة – وانا أنشر هذا الموضوع كمقدمة للدعوة إلى تطبيق منهج ديكارت – وهو منهج القرآن الكريم أصلا كما سبق من كلام الشيخ – في عقول رواد الثقافة العرب الذين ظهروا في العصر الحديث.
كلمة الشيخ التي أود التعليق عليها هي:" ديكارت قد اضطر إلى مثل هذا التحفظ، لأنه يُعد الإيمان المسيحي تكتنفه أمور غامضة بوصفه موضوعا" أفهم من هذه الجملة أن ديكارت وضع هذا التحفظ لأنه لم يصل به الحال إلى اليقين بخرافة الإيمان المسيحي! ولكنه رآه تكتنفه أمور غامضة بوصفه موضوعا – أي محتوى ومضمون كمضمون الفكر السياسي أو التنموي أو الإسلامي الذي ندرسه لا خيال -  وهذا الغموض لا يُعد دليلا على خرافية العقيدة لأن هناك احتمال أن يكون الغموض من عدم قدرة ديكارت على حل الغموض وإيضاحه أو لعدم وجود علماء دين يحلون هذه المشاكل – كالمتشابهات في ديننا – ويظهرون عدم تناقضها . أما العالمانيون العرب الذي قرأت لهم يقولون إن ديكارت كان يعتقد بخرافية العقيدة المسيحية ولكنه كان يداري الكنيسة فقط خوفا من سطوتهم! وهذا كلام خرافي منهم – وهو من ضمن الأدلة الكثيرة التي جعلتني أقتنع وأدعو إلى الشك في عقول رواد الثقافة العرب كما سأضمن هذه الدعوى في مقال قادم – لأن النيات لا يعلمها إلا رب العباد! من أين علمتم المضمر في نية ديكارت؟!
وأخيرا هذا نص واضح من نصوص ومنهج ديكارت يبين انه لم يتيقن بخرافية العقيدة المسيحية يقول ديكارت:" ينبغي قبل كل شيء أن نتمسك بقاعدة تعصمنا من الزلل وهي أن ما أوحاه الله هو اليقين الذي لا يعدله يقين أي شيء آخر. فإذا بدا أن ومضة من ومضات العقل تشير إلينا بشيء يخالف ذلك وجب أن نخضع حكمنا لما يجيء من عند الله"
Principes de la philosophie, Regle 76P.610
الترجمة العربية ص : 180.

تعليقات

المشاركات الشائعة