بين الأمة وزعيمها.

بين الأمة وزعيمها.
"وإذا صح أن يقال إن الأمم تخلق زعماءها، فمن الحق أيضا –
وبالطريق الأحرى – أن الزعماء تخلق أممها. والأمة تلد زعيمها ولادة طبيعية، وتهيئ له وسائل تلك الزعامة؛ والزعيم يلدها بعد ذلك ولادة أخرى: روحية، أو سياسية، أو عسكرية ، أو فنية، أو غير ذلك. الأمة تمثل خصوبة التربة، وسلامة الأداة؛ والزعيم يضع البذر ويسقيه، ويتعهده وينميه. والزعيم يحرك الأداة ويوجهها، ويرسم طريقها، ويقف بها عند أهدافها. بل كثيرا ما يُضيء لها هو تلك الأهداف ويحددها؛ وذلك حيث تكون حاجات الأمة غامضة مشتبكة الطرق، غير واضحة المعالم في العقل الجمعي، فتبقى متلهفة إلى رجل الساعة الموهوب، الذي يتركز فيه وعيها، وتتحدد في نفسه حاجاتها، ويكون له من الحدس أو الإلهام أو الوحي ما ينشر به وسائل تحقيقها ويملك من العزم والحزم ما يحكم به قيادتها، ويبلغها إلى أهدافها، فإذا ظفرت به وألقت إليه بالمقاليد فقد أصابت رشدها، وفتحت لنفسها صفحة جديدة من القوة والمجد، أما إذا تشعبت عليها الطرق، واختلف الزعماء، ولم يستبن لها وجه الاختيار، أو أنها أساءت الاختيار فأهملت داعيها الرشيد او أنكرته وقضت عليه بالإخفاق أو الموت –لا لأن دعوته تتانفر وطبيعتها، بل لأنها جهلت حقيقة نفسها، وطاشت أحلامها – فإنها تكون حينئذ قد سلكت طريق شقائها، وآثرت الانتحار على الحياة من حيث لا تشعر" كتاب الدين ص163

تعليقات

المشاركات الشائعة