" الكافر لا عقل له ( الله أصل المعارف)".




أحد الإخوة طرح سؤالا في أحد المنتديات عن صيغة دينية ابتكرها نيوتن فأجبته أنها تفتقد أهم عناصر التدين المستنبطة من الوحدة المعنوية السارية في الأديان التي لم يخلو منها مجتمع إنساني – سواء كان دينا صحيحا أو محرفا او وضعيا -  وأن صيغة نيوتن علمانية لا دينية/ وهي أحد المحاولات المتعددة لابتكار صيغة تجمع بين الدينية والعقلانية بعد ما اكتشف الغرب منذ القرن الثامن عشر بطلان اعتقادهم المسيحي كدين موضوعي بفعل اكتشافات علوم الطبيعة والاجتماع.

قلت بعد ذلك : ولما كان الأمر كما وصفت لك من تشعب مذاهب فلاسفة القرن الثامن عشر وما بعده في البحث عن صيغة يستمدون منها أصول المعرفة " الثقافة اللامادية" التي هي أصل " الثقافة المادية أي العلوم الطبيعية وما شابهها" لما كان هذا تشعبهم باختلاف نزعاتهم النفسية والاجتماعية وأهدافهم العامة ، وأيضا لما كانت المعرفة المعاصرة تتضخم يوما بعد يوم بشكل لم نعرف له نظير في تاريخ الجنس البشري المدون، حتى أن المتخصصين المتمحضين لتخصصهم لا يستطيعون متابعة شيء قليل مما يُكتب في تخصصهم - في الحين الذي ثبت فيه أن تمحضهم للتخصص يتسبب في أخطار تحدق بهم وبموضوع علومهم من جنس الانغلاق وما يجره من مخاطر كمخاطر التكنوقراطية! ، وإذا انفكوا من التخصص المتمحض للتوسع في غيره من مجالات المعرفة ثبت أن هناك أخطارا ستحيط بهم وبموضوع علومهم لأنهم لن يحيطوا بالقدر الكاف من تخصصهم الذي لا يتقدم إلا بالتركيز فيه. لما كان كل ذلك ثابتا قال علماء الاجتماع إنه لعل السبيل الوحيد للنجاة وسط هذا التيه الكبير الناجم عن ازدياد درجة التخصص يوما بعد يوم هو التوصل إلى قضايا كبرى، التي سوف يتوصل إليها الأخصائيون في نهاية الأمر.

 والشيخ دراز نتاجه كله زاخرا بالقضايا الكبرى وبالتحديد والتقنين - أي القوانين العامة الكلية - .

 وأنا أحاول دوما التعرف عليها. وعلى ذلك فسأعطيك قوانين كلية أو شيئا منها يجعلك تسير على بينة في هذه التفاصيل المتشعبة المتناقضة .

" الكافر لا عقل له ( الله أصل المعارف)".

يقول الله تعالى {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ } ويروى عن نبينا صلى الله عليه وسلم " الكافر لا عقل له"

هذا مقال مختصر أثبت فيه استحالة اليقين بشيء ومعرفة شيء من غير الإيمان بموضوع " فكر وعقيدة وشريعة" موحى من الله لم ينله يد التحريف وهو في زماننا " دين الإسلام" ذلك هو " النواة الصلبة" التي بدونها لا يُعرف شيء ، وتكون نتيجة التفكير في أمر العالم تلخصها هذه المقولة التي هي سمة لعالمنا المعاصر " عدم اليقين، والوتر الدائم، والكوارث الكبرى"، وتلك النواة الصلبة هي التي بها يخضع كل شيء للفهم والمعرفة حتى أن الله وهو " غيب" كان العلم به هو أجل العلوم وأصدقها بل هو أصل المعارف وهذا معنى اعتقادنا " الله أصل المعارف" فبهذه النواة الصلبة يُعرف ويفهم كل شيء حتى الغيبيات وكل الدوائر المجهولة نخضع لفهمنا ومعرفتنا " مع بقاءها مجهولة وغيبيات" ذلك هو الجهل العلمي فجهل أهل الإسلام علمي وحياتهم كلها علم في علم، وهذا الجهل العلمي يتشوف له الغرب المعاصر ويتمنون لو عرفوا نظريات علمية تجعل " جهلهم علميا" .

لا يرد على مقالي هذا أن وجود الله وكونه رقيبا حسيبا مدبرا مصورا خالقا الخ، مما يعرفه البشر بعقولهم العادية ومما هو مغروز في فطرهم، فإن أغلب الجنس البشري منذ قديم الأزل يثبتون وجود الله كما هو في التراث الفلسفي الشرقي والغربي حتى انتشر الإلحاد في الغرب المعاصر في عصر النهضة وما بعدها وكان منشؤه من جهة ردة الفعل العنيفة على الانحلال الخلقي لقساوسة الكنيسة كما يقول أكثر المحللين، أقول ذلك لا يرد على مقالي  لأن هذا الوجود الإلهي وتلك المبادئ العامة كرقابته ونحوه، لا يقوم بها مصالح المجتمعات البشرية لأنها عامة كل العمومية غير محددة بموضوع " فكر وشريعة وعقيدة " ومقالي هذا يتعلق بالموضوع لا بالمبادئ العامة تلك، ولذلك كانت مشكلة رسل الله مع أقوامهم ليست في هذه المبادئ العامة" لتسمها الربوبية" وإنما كانت في "  الأولوهية" أي " الموضوع"، بل، كانت هذه الربوبية " نواة صلبة" مستقرة عند الأغلبية الساحقة فكان الله يلزمهم بها ويستدل بها عليهم ليزلمهم بوجوب توحيد الأولوهية " الموضوع" {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ، قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ، قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ}.

 وأيضا لا يرد على مقالي هذا المعرفةُ الشائعة في البشر عبر أنواع الهداية التي وضعها الله في كونه بالإضافة إلى هداية الإسلام كالعقل المحض وكالمشاهدات والتجارب المنظمة التي هي من النور المجعول في الأرض كما قال الله { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ } لأن كل تلك لا تزرع اليقين بها ولا بوجودها أصلا! كما سيأتي شرحه، ومن جهة أخرى إنها ستؤدي إلى نفس النتيجة " عدم اليقين، والتوتر الدائم، والكوارث الكبرى" بسبب فقدانها البناء العام والنواة الصلبة الكبرى الأم التي هي " الموضوع" " الأولوهية" موضوع مقالي.

أنبه أيضا إلى أن محل مقالي ومناطه هو في المقام الأول في المفكرين والفلاسفة من الدرجة الأولى وما دونهم بقليل الذين يرسمون منهج المعرفة وأصولها فتفاصيلها لمن دونهم في المجتمعات كمفكري الغرب المعروفين وكمفكري الشرق ومفكرينا المعروفين كالأئمة الأربعة وابن تيمية وأمثالهم في عصرنا الحديث، فهؤلاء هم الذين بفسادهم يفسد المفكرون ممن دونهم وبصلاحهم يصلحون وبعدم وجودهم في زمن ما يتجمدون أو يفسدون، هؤلاء هم الذين يسيطر عليهم التفكير في هذه النواة الصلبة " ما مبدأها وما منتهاها" ويشغلهم التفكير فيها لكي يشاهدوا صروحهم المعرفية التي شيدوها في ضوئها – من حين يشرعوا في تشييدها وبالمصاحبة أبدا إلى أن ينتهوا من تشييدها فاختبارها ومراجعتها  الدائمة -  ليتيقنوا من تناسق بناءهم في أصوله وأسسه التي تنعكس على البناء كله، بينما من هم دون هؤلاء المفكرين وعادة يكونون في طبقة المدرسين في المدارس والجامعات فقد يلتقطون الصروح المعرفية التي شيدها المفكرون أهل الدرجة الأولى ومن دونهم بقليل، ويدرسونها ويعملون عليها طيلة حياتهم دون أن يسيطر على عقلهم التفكير في النواة الصلبة كما تسيطر على المفكرين رقم (1).

الآن أدخل في صلب للموضوع.

بدون موضوع " فكر وعقيدة وتشريع" يعتقد فيه الإنسان ( والعقيدة من الجزم وربط القلب أي اليقين) بأن مصدرها يستحيل أن يكون من داخل العالم البشري أو القدرة البشرية الإنسانية، فإذا اعتقد ذلك لزم الاعتقاد بأن مصدر هذا الموضوع هو الله تعالى ولا ثالث. ويكون هذا الموضوع محفوظا لم تناله يد التحريف هو في زماننا " دين الإسلام"  بدون تلك " النواة الصلبة" لن يتفق مفكرو الدرجة الأولى على شيء بل سيناقض بعضهم بعضا ويشككون بعضا، و ذلك لأسباب منها أن العالم البشري فيه عوالم مخبوءة عنا كثيرة نجهلها وتلك العوالم المخبوءة تشكك هؤلاء المفكرين في كل شيء يكتشفوه لأنهم لا يستطيعون اليقين ببعد خطأه في الآن وفي المستقبل" فلا تجعلهم يتفقون على شيء صلب يحتكم اليه بل يظلون يجربون ويتشككون وكأن المجتمعات البشرية حقل تجارب كالفئران بلا أي فرق بين الإنسان والحيوانات، وهذه قاعدة عامة في العلوم الفكرية والطبيعية التجريبية التي نصل إليها ونلمسها بحواسنا، ولا يعصم هؤلاء المفكرين من هذا الشك الشائع بينهم وهذا التشكيك في المقررات الذي يظهر لهم كلما فكروا أو اخترعوا إلا بنواة صلبة آتية من خارج هذا العالم البشري كله يتيقنون معها بإنزواء أي أثر للعوالم المخبوءة في عالمنا البشري على الحقائق الصلبة الواردة في الموضوع الألهي وعلى ما دونها المخولة ببيانه لأن هذا الموضوع الله أنزل فيه تبيانا لكل شيء إما بالنص أو بالمعنى او بالدلالة، وهذا من معان قول {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}، وكمثال على ذلك انظر قول سقراط وهو من الفلاسفة القدماء "كل ما أعرفه هو أني لا أعرف شيئا" وتعليق أحد الفلاسفة المحدثين على قوله يقول "كارل بوبر""إننا لن نتمكن من تبرير نظرياتنا تبريرا عقليا" وتلك بعض نصوص من كلام كارل بوبر وهو من ألد أعداء المذاهب النسبية! التي سادت في العصر الحديث ويراها أكبر جريمة اقترفها المثقفون " خيانة المثقفين" يقول " نحن لا نبحث عن اليقين، الخطأ صفة بشرية، المعرفة البشرية كلها ليست معصومة من الخطأ، هي إذن محل شك، ومن ثم فلا بد أن نميز بوضوح بين الحقيقة واليقين، إن كون الخطأ صفة بشرية لا يعني فقط أن علينا أن نكافح دوما ضد الخطأ، وإنما يعني أيضا أننا لا يمكن أن نتأكد تماما من أننا لم نخطئ، حتى لو كنا قد اتخذنا أقصى قدر من الحذر" ويقول :" إذا ما أدركنا أن المعرفة البشرية ليست معصومة من الخطأ، أدركنا أيضا أننا أبدا لن نتيقن تماما من أننا لم نقع في خطأ" ويقول :"أنا لست ممن يشايعون النزعة التعالمية بالرغم من اعجابي بالمعرفة العلمية، ذلك لأن هذه النزعة تؤكد دوجماطيا سلطةَ المعرفة العلمية، وأنا لا أؤمن بأية سلطة، ولقد قاومت الدوجماطية دائما، ولاازال – لا سيما في العلم -. إنني أعارض الدعوى بأن العالِم لا بد أن يؤمن بنظريته. إنني " لا أؤمن بأي اعتقاد" كما قال إ. م. فورستر، وأنا لا أؤمن خاصة بأي اعتقاد في العلم" ويقول :" مع كل خطوة إلى الأمام، مع كل مشكلة نحلها، فإنا نكتشف ليس فقط مشكلات جديدة بلا حل، وإنما نكتشف أيضا أننا حين اعتقدنا أننا نقف على أرض صلبة آمنة ، كان كل شيء في الواقع متقلقلا ومزعوعا" ويقول :" إنني أعتقد أن ما يجمع بين الفن والأساطير والعلم، بل وحتى العلم الكاذب، هو أنها جميعا تنتمي إلى طور مبدع أو ما أشبه يسمح لنا أن نرى الأشياء في ضوء جديد، وينشد تفسير عالمنا اليومي المألوف بالإحالة إلى عوالم مخبوءة" هنا أشار إلى أحد الأسباب وهو الإحالة إلى العوالم المخبوءة التي  يعتقدون أن فيها ما يؤيد فكرهم واكتشافاتهم أو يعتقدون أن ليس فيها ما ينقضه رغم أنها مخبوءة عنهم أصلا! وهذا فيلسوف من ألد اعداء النسبية ودائما ما ينفي عن نفسه التصنيف الذي يُرمى به من البعض أنه " ارتيابي" ، وإليك مثالا آخر، "ديكارت" الذي عاش في فترة ما قبل تقويض علوم الطبيعة والاجتماع موضوعَ العقيدة الكاثوليكية المسيحية، فقد اتضح له أن غموضا يحيط بموضوع العقيدة المسيحية وظل طيلة حياته يبحث عن اليقين عن النواة الصلبة وكان كثيرا في كتاباته يقدم حججا إثبات افتقار المعرفة المبنية على الإدراك الحسي إلى اليقين، وكان يستعشر قلقا عظيما من افتقار المعرفة كلها إلى اليقين، وقد نذر للعذراء أن يحج إلى لوريتو Loretto لو أنارت عقله وساعدته على الإهتداء إلى اليقين المطلق، ولذلك كانوا يصنفه كثير من الفلاسفة على أنه كان كاثوليكيا مخلصا. بل انظر إلى ما تظنه اليقين الأكبر الأشد يقينا من علوم الطبيعة وهو وجود ذاتي وذاتك الآن فقد استدل ديكارت على وجود ذاته بقوله " أنا أشك، ولكن عندما أشك أفكر، وعندما أفكر لا بد أن أكون موجودا" ولكن هذا اليقين هو الآخر يفتقد صفة اليقينية وينقضه أهل المذهب التجريبي الحديث من جملة ما ينقضون به الفلسفة التأملية العقلية السائدة في الغرب، ومن جملة الأدلة التي ينقضون بها هذه الفلسفة هي أننا لا نستطيع التمييز الواضح بين الحلم والواقع، وأنه بقليل من التحليل يتبين لنا أن ثقتنا في الفصل بينهما لا ترقى إلى مرتبة اليقين، وذلك لأننا عندما نحلم لا نعلم أننا نحلم، وإنما نعرف أن حلمنا كان حلما فيم بعد، أي عندما نستيقظ فقط، فكيف ندعي أن تجاربنا الحالية كحياتي وككتابتب لك هذا الكلام يمكن الاعتماد عليها أكثر من الحلم؟ وكون هذه التجارب مقترنة بشعور من الواقعية لا يجعلها أكثر قابلية للاعتماد عليها، إذ أن هذا الشعور ذاته يكون لدينا في الحلم، فليس في وسعنا أن نستبعد تماما احتمال أن التجارب التالية ستثبت أننا نحلم الآن!. فإذا قيل لهم أن مذهبكم لا يُتوصل إليه إلا بالفكر العقلي ولا يُدرك إلا به أصالة قالوا نحن نعلم بتناقض مذهبنا ولكنه أقل من تناقض  الفلسفة التأملية العقلية، وليس بإمكاننا أحسن مما نحن عليه – وهي الفلسفة العلمية السائدة الآن في الغرب منذ القرن التاسع عشر -. . فإذا كان هذا هو حال ما نظنه يقينيات ومسلمات لا يختلف حولها أحد فما ظنك بكل الصروح المعرفية ( اللامادية فالمادية) التي ستنبني عليها؟  اقرأ نتاجهم المعرفي لتعرف أثر ذلك على كل شيء حين يتكلمون في تنظيم المجتمعات البشرية ( فردا وأسرة وجماعة ودولة) وفي علاقاتهم مع ما حولهم من بأب أولى من أصولها الكبرى وهذه كلمة جامعة للشيخ محمد دراز قد فصلها تفصيلا واسعا في كتاب الميزان بين السنة والبدعة أرجو قرائته :" لو بحث الإنسان في طريق وصول المعلومات إلى العقل لوجدها على ثلاثة أنواع: نوع يدركه العقل بنفسه، ونوع يدركه بواسطة من نفسه، ونوع لا يدركه بنفسه ولا بواسطة من نفسه، وإنما يدركه بواسطة من خارج وهي الأخبار ممن يعلمه، فالأول هو ما يُسمى بالضروريات والثاني ما يُسمى بالنظريات، والثالث المغيبات. إنه لو لم يكن هناك برهان على قصور العقل البشري وتحديد مجال تصرفه سوى وجود هذا النوع الثالث لكفى به برهانا مبينا. ومن عجب أن الإنسان كلما تبحر في العلوم والمعارف تبينت له هذه الحقيقة المدهشة، وهي أن هذا النوع الثالث هو أوسع الأنواع الثلاثة وأن فيه تنطوي أكثر حقائق الكون وعوالمه، ويليه النوع الثاني وهو النظريات، ثم الضروريات فهي أقل القليل"

أما قولك أي قول الأخ  :" هل تريد القول إن العلم التجريبي ليس

 قاعدة صلبة؟ وأن المسيحية فيها تناقضات وأخطاء والإسلام بريء

 من ذلك؟



 حتى لو افترضنا بأن مصادر الإسلام بريئة تماماً، فإن تحويل هذه

 النصوص إلى واقع حياتي لابد أن يمر بعقول البشر، والبشر كما

 تقول لهم نقطة نهاية، فقد عدنا إلى نفس المشكلة"

فأقول موضوعنا الإلهي المتيقن به سيحدد لنا كل شيء { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ }فمثلا نتاج هذا العقل وهو الظنون لا تكون لها سلطة أبدا إلا بالسلطة التي اكتسبتها من النواة الصلبة، وبعض أنواع الظن تفقد سلطتها لأن النواة الصلبة هي التي أفقدتها هذه السلطة وهذا كلام للشيخ دراز يفصل لك الفرق بين مواضع الظن تلك من الشرع ثم العقل :" فإننا باستقراء النصوص التي نهى الله فيها عن اتباع الظن نرى أنه إنما نهى عن اتباع الظن في موضعين: موضع أمرنا بالبحث عن حقيقته ويسهل الوصول إلى الحق واليقين فيه، لقيام براهينه الواضحة، وانتصاب أعلامه اللائحة، كأخذ الجهلاء بظنونهم في العقائد بعد نزول الشريعة، وكاجتهاد المقيم بمكة في تعيين القبلة مع قدرته على الوصول  إلى عينها بالمشاهدة، وشاهد هذا الموضع مقابلته الظن بالحق في قوله تعالى { إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا}فلم يقل " إن الظن لا يغني شيئا بإطلاق" وموضع لم نؤمر بالبحث عنه ويتعذر الوصول إلى اليقين فيه كالأمور المغيبة التي كثر فيها الحزر والتخمين وكبواطن الناس ودخائلهم التي لا تقوم عليها بينة سوى الريب والهواجس التي يكثر اتهام الأبرياء بسببها وهذا وذلك مما يشير إيه قوله تعالى {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا } وقوله {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ } وما سوى ذلك من الأمور التي طالبنا الشارع بالبحث عنها وقامت الأمارات الشرعية عليها وتعذر الوصول إلى اليقين فيها فلا جناح على من يأخذ فيها بغالب الظن، بل قواعد الشريعة متظاهرة على وجوب الأخذ، فقد أوجبت العمل بشهادات العدول وأخبارهم من جواز كذبهم..... إلى غير ذلك، على ان هذه كلها وإن كانت ظنونا في جزئية من الوسائل فهي في الحقيقة راجعة إلى اتباع اليقين في مقاصدها الكلية القطعية من العبادات والمعاملات بقدر الطاقة {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}. وأما العقل فأروني عاقلا واحدا لا يقدم على عمل قط حتى يأتيه اليقين فلا يركب البحر حتى يوقن بأنه قد كتبت له السلامة منه، ولا يتزوج لطلب الولد إلا إذا أيقن أنه سيولد له ..... إلى أن يقول الشيخ :فعلى أي شيء يبنى هذا الاختيار كلما دعاه داعي الإقدام أو داعي الإحجام، أيتلبث في كل مرة حتى يجيئه اليقين الكامل بصحة هذا الداعي؟ إذًا لتعطلت مصالح ووقعت مفاسد لا تُحصى، لأنه قليلا ما يجد برهان هذا اليقين، فلا مناص له إذا من الترجيح في كل موضع بما في وسعه من يقين إن وجده أو ظن قوي أو ضعيف إن فقده، وبدون ذلك لا يستقيم نظام هذه الحياة. فكذلك يجب على من فقد النص الشرعي من طريق قطعي الثبوت أن يلتمسه من طريق يغلب على ظنه  ثبوته. فمتى ظفر به وجب عليه حتما أن يعمل به مع كونه ظنيا غير يقين، لأن العمل كما علمت يكفي فيه الترجيح بأدنى مرجح". ولذلك اتفق علماء الإسلام على وجوب الأخذ بأحاديث الآحاد في العمل واختلفوا في الأخذ بها في الاعتقاد وإن كان ابن تيمية يقول إنه لا خلاف بين السلف في الأخذ بها في الاعتقاد أيضا إنما هذا الخلاف حادث وهو بدعة ليس من الدين ( وإن كان يحترم الخلاف حولها لوقوعه بين علماء أهل السنة الكبار) وكل ما سيجد لك من أحوال تلك الظنون ستجد بيانه في النواة الصلبة اليقينية.
كتبه / خالد المرسي

تعليقات

المشاركات الشائعة