حول أهل ما بعد العجز



تحدث الدكتور محمد حبيب (النائب الأول للمرشد العام للاخوان سابقًا) عن احتراف مهدي عاكف مرشد الإخوان الأسبق الكذب بل وعدم استحيائه منه أو التخفي به! وهذه ملاحظة دقيقة من الدكتور، ويتسائل متعجبًا: أى عجينة هذه، وأى تركيبة نفسية تلك؟

وقد رأينا من أمثال عاكف من الإسلاميين بمختلف أشكالهم أنماطًا سلوكية وصورًا فكرية لا يصح أن يصدر مثلُها من (صالح/تقي) كما يزعمون لأنفسهم بصريح العبارة أو بمقتضى دورهم الاجتماعي، من تلك السلوكيات ما شاع خبرها في الآفاق كما يعلم كلنا من سرقة عائض القرني لكتاب سلوى العضيدان، ومن كذب وغش الشيخ عبد العزيز الطريفي على الأئمة في السعودية، ومن غير ذلك مما شاع عن قيادات الإسلاميين ، وغير ذلك مما يعرفه (بالتحليل) أهل العلم القريبين منهم كشيخنا العلامة حاتم العوني، ولا يمكن تخريج هذه الظاهرات كعيوب لا يسلم منها الأتقياء الصالحين أو من في بداية طريق الهداية لأن هؤلاء منتهين لا مبتدين، كما تحدثت في هذه المواضيع http://elmorsykhalid.blogspot.com.eg/2016/04/blog-post.html

وكذلك تحدثت عن هؤلاء في هذا المقال المهم
http://elmorsykhalid.blogspot.com.eg/2016/03/blog-post_7.html
كثيرون من المحللين والناس العاديين يفسرون  وضعية هؤلاء بأنهم تجار دين، ولو كان هذا التفسير صادقًا عليهم كلهم "كسمة عامة" لما كانت هناك حاجة لتحليلي هذا، ولكن المشكلة أننا نرى من هؤلاء الإسلاميين أنماطا سلوكية وصورًا فكرية أخرى تدل على أن لديهم مبادئ يدافعون عنها كما عند بعض قيادات الاخوان كالبلتاجي ومحمد بديع الذين فقدوا ولدا (أتحدث عن القادة الكبار لا الأتباع) وكذلك عبد العزيز الطريفي حيث اعتقل منذ أيام لنقده الحكومة السعودية، مما يدل على أن هؤلاء لا يزال لديهم مبادئ يناضلون من أجلها، وذلك يعني أن التفسير البسيط لانحرافاتهم بأنهم تجار دين لا يستقيم، لأن تاجر الدين لا مبدأ عنده فهل كان لأحمد عز وشلة مبارك مبادئ حين سرقوا وأفسدوا؟ وهل لدى الدجال الذي يزعم القدرة على العلاج الديني ليحصد الأموال ويقيم العلاقات الجنسية المحرمة أي مبادئ؟ لا يمكن أن يكون لديه مبدأ من نشاطه هذا، مما يعني أنه وإن اشترك قادةُ العمل الإسلامي مع هؤلاء المفسدين في النتيجة (بمعنى أنهم يفسدون في المجتمع ويزيدون مشاكله ويزيدونه خبالا ويعنتونه) إلا أنه يجب أن يفترقا كل منهما، في (الدافع/المبرر/المسوغ/النية) مما يعني أن تلك الأنماط السلوكية لم تصدر من الإسلاميين بنفس المبرر المكتمل الذي اشتهرت به من حيث صدورها من الفاعل الإنساني، ولكنها صدرت بمبرر دون ذلك يمكن أن يجتمع مع استصحابهم اعتقادَ بمبدأ ما نضالي يصدُقون فيه، والفرقُ بين شكل المبرِّرَين أوضحه بمثال من أمثلة المزاح في مصر: لدينا اثنان سرقا مالاً لكن الأول سارق حقيقي والثاني هو صاحبك كان يجلس معك فأراد أن يداعبك بالاستيلاء على أحد متعلقاتك ثم لما سألته قال لك هي التصقت في يدي كمزاح ثم يردها عليك، فالثاني ليست لديه نية الأول، ومبرره، مما يحدث اختلافًا عظيمًا بينهما، فكذلك هؤلاء القادة التصقت في أنفسهم تلك الأنماط السلوكية بفعل مسارات الفكر التي تعمل في غفلة منهم؛ تبعًا للآليات الفكرية النفسية الاجتماعية الشرعية التي يقتضيها ذلك العالم الذي يتفاعلون داخله وهو (عالم محل فرض الكفاية/انتاج العلم الشرعي/الإصلاح الاجتماعي الإسلامي) مما يجعل تلك الأنماط تلتصق بهم كلصوق الطوق الحديدي بفع فاعل على اليد فينغلق عليها ويكلبشها، فهم لا يذوقون ولا يدركون ذات الطعم الذي يذوقه ويدركه تاجر الدين (مثال: عز والدجال) حين يرتكب نفس تلك الأنماط، وهذا الخلاف في الذوق والإدراك يستدعي أحكامًا وصورًا (استدعاءً عقليًا وشرعيًا) من الفاعل الإنساني ذاته، وممن يحيط به من فواعل (كالقضاء والمجتمع) ومما فوقه (الفاعل الإلهي سبحانه وتعالى) وتجدون هذا الاختلاف الذوقي في النية في مباحث شرعية كثيرة كمبحث خوارم المروءة، ما يخرم مروءة الإمام كالإمام احمد على ملأ من الناس (من نمط سلوك وصور فكر) لا يخرم مروءة إنسان مثلي، وكذلك هو قد يستحي في خلوته من سلوكيات ما أو تحركات ما (عقلية وقلبية) قد يستحي من الله أو الملائكة فلا يرتكبها ، ببينما أنا لا أستحي وذلك للخلاف بيننا في الذوق  والإدراك، ذلك الاختلاف يحدث اختلافًا في (المبرر/المسوغ/ النية) وذلك الاختلاف كما يقع بين الفضلاء فيرتب في منازلهم ترتيبًا تصاعديًا، يقع كذلك بين الفضلاء وبين الخبثاء، وذلك الاختلاف إما يرجع إلى الاختلاف البيولوجي الوهبي، أو قد يرجع إلى الاختلاف المكتسب بالتعبُّد والرياضة، مثاله: الإمام أحمد في سن العشرين عنه في سن الستين تبعًا لتفاوته في العلم ورسوخ الطبع بمقتضاه، أما هؤلاء القادة فتركيبهم البيولوجي الوهبي أو المكتسب (بطول الغفلة وطول العجز عن تحديد أهل العلم الحقيقيين  للتعلم منهم) صار تركيبًا متخلفًا عمّا يتطلبه (عالمُ فرض الكفاية) ذلك العالم الذي من أهم خصائصه ومميزاته عن (عالم فرض العين) هو تعقد مساراته الفكرية (كمًا ونوعًا) التي تقتضيها  معرفةُ الحق والصحيح فيه والتحرك باللازم حيالها تصحيحًا وتخطيئًا، فنظرًا لعدم ملائمة تركيبهم البيولوجي، ينحرفون ولا تلائم حركتُهم (الفكرية والعملية) متطلبات تلك المسارات في ذلك العالم وفقًا لما طبعه الله عليها (عقلاً وشرعًا) فإذا انحرفوا كلبشتهم تلك المساراتُ والتصقت بهم في أشكال منحرفة فوقعوا فيما نراهم عليه الآن من أنماط سلوك منحرفة، مثال كلبشة المسارات تلك وأثرها الخطير في فقه العلماء  أن قالوا إن المعصية الصغيرة تصير كبيرة بالاصرار عليها، وما الإصرار إلا سلسلة ومسار، وتحريم الخلوة بالأجنبية رغم أنها ليست محرمة في ذاتها ولكن لما تسببه من مسار  وسلسلة تحدث في الأخير كلبشة، وكذلك العاشق ومدمن المخدرات قد يصل إلى مرحلة يعجز فيها عجزًا حقيقيًا (فسيولوجيًا وعصبيًا) عن ترك تلك المحرمات، ولا يرتفع عنه التكليف لأنه وصل إلى ذلك العجز بكلبشة السلسلة وسيطرة المسار التسلسلي الذي ابتدأه هو بأفعال اختيارية، وعالمُنا الإنساني يتميز بتعقد مساراته الفكرية وذلك ما يميز الإنسان (كحيوان ثقافي) عن غيره من الحيوانات (الثقافة)
وفي عالم (أداء فرض الكفاية) تتعقد تلك المسارات فنجد ما يُطلق عليه في العلوم الاجتماعية  بالقوانين الشرطية والمسارات التعاقبية والمسارات ذات الدينامية الخارجية، والمسارات التسلسلية والمسارات الدائرية ومسارات ردود الفعل المتوالدة.
 الذي حدث في هؤلاء القادة هو أنه لعجز تركيبهم البيولوجي لم يستطيعو إدراك وتذوق ما يجب إدراكه من أحكام ومعاني الحق (الشرعي والعقلي) التي يتطلبها (عالم فرض الكفاية) إما لطول المسار الفكري وتعقده الواجب قطعه للوصول إلى الحكم والمعنى تعقدًا (كميًا أو نوعيًا) في ذاته، وإما أنه سهلٌ إدراكُه (ولذلك يهاجمهم بعنف الناس العاديون بسبب انحرافهم عنه) ولم يدركوه لأنهم تناولوا ذلك (الحكم المعنى؛ فالسوك) من الشباك لا من الباب، مثالُه في علم الكلام نجد صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) اعتقدوا بصفات الله (تعالى) بكل سهولة يفهمها أغبياؤهم وأذكياؤهم، بينما أهل علم الكلام لم يفهموا بعضها، وتعسروا في إدراكها تعسرًا كبيرًا لأنهم تناولها من الشبابيك (من الجدالات الكلامية المعقدة جدا) بينما الصحابة تناولوها من الباب(رسول الله صلى الله عليه وسلم) في سهولة الاستدلال وعذوبته وبساطته، وهذه قاعدة عامة في العقائد والحقائق (أي العلاقة بين مجملها وتفصيلها) كما تحدثت في مقال (القدرة والعجز...).
فالمسافة التي بين الباب والشباك كانت طويلة ذات أهوال، عجز هؤلاء القادة عن التعامل أثناء هذه المسافة، فذهلت عقولهم وانحرفت عن أبسط المعاني حين وصلوا إلى الشباك وتناولوها منه (تلك المسافة الطويلة الشائع وجودها في عالم فرض الكفاية) ولذلك يستغرب الناس العاديون جدًا من سلوكيات وأفكار هؤلاء القادة ويجزمون بصحة التفسير البسيط (تجار دين) فيزداد الإلحاد لذلك بين الناس، ولو أدرك الناسُ تحليلي هذا لزالت الغرابة عنهم ولزالت الصدمة بارتباطاتها النفسية والعقلية التي تؤدي إلى الإلحاد أو إلى سوء الظن بالله وشرعه وقلة تعظيم دينه والعمل له ونصرته.
 هنا ياتي سؤال وهو ما الميكانزمات والآليات التي اعتملت في المجتمع حتى صارت عملية (الانتخاب الاجتماعي) وهي عملية يشترك فيها الفاعل الإنساني مع الفاعل الإلهي (سبحانه وتعالى) حتى انتُخِبت تلك الوجوه والأشكال، فصارت قادة المجتمع والمهيمنة عليه بلا أي منافس؟! الإجابة هي أن الله لم ينعم على امتنا في عصرنا الحديث بمجددين وعلماء متقنين أسوياء ينشر ذكرهم وفكرهم بالشكل المناسب، فوكل البشرية إلى أنفسها فأنتجت هؤلاء القادة والعلماء الشرعيين والمفكرين الاسلاميين الذين تمت بهم (عملية الانتخاب الاجتماعي) حتى وصلنا إلى هذا الوضع المؤسف! ولو كان شيوخي الستة انتشروا في المجتمع لكانت سارت عملية الانتخابُ الاجتماعي مسارًا مختلفًا يتم فيه انجذاب وانتباه من يحمل الاستعداد البيولوجي والعلمي لأن يحصِّل مثلما حصله شيوخي من صور فكرية وانفعالات نفسية فأنماط سلوكية، وبذلك الانتخاب ينهض المجتمع من كبوته نهضة على وفق مراد الله في شرعه وكونه.

تعليقات

المشاركات الشائعة