لماذا صار التخصص في الفلسفة موضة قديمة زائفة؟

كتبت هذه الخاطرة على الفيس بوك :“ الدين والفلسفة أم الدين والعلوم الاجتماعية؟ ما بين الديني والفكري هو موضوع العصر وله أبعاد وزوايا متعددة لا يمكن لجيل حصرها كلها. الفكر الآن بالأخص هو (الاجتماعي والسياسي والنفسي) أما الفلسفي فصار موضة قديمة كالجاهل الذي كان يعيش في بادية (هذا مثال التخصص في الفلسفة) ثم تحضر هذا الجاهل وخرج من البادية للمطار (وهذه العتبة) ليغادرها إلى المدينة (وهو ما بعد العتبة) فالعتبة وما بعدها هو (الاجتماع والسياسة والنفس وما اندرج منهم) وإن كان البعض في عالمنا العربي لعدم فهمه الدقيق يعتقد المعتقدات القديمة من جنس الفلسفة العلم الأعلى والتخصص فيها هو قمة الرقي التفكيري ونحو ذلك، كنا زمان نحتاج إلى الكلام عن ما بين الديني والفلسفي، الآن ما بين الديني والفكري الاجتماعي والسياسي النفسي“
فعلق أحد الاخوة قائلا: ”أعتقد أن الفلسفة ليست محصورة في الميتافيزيقيات فقط، لكنها أخذ مسارا آخر منذ عهد سقراط، حين نزلت إلى الأرض ليدرس النفس البشري( اعرف نفسك بنفسك). فليس الفيلسوف من يعيش في برج عجي منبت الصلة عن محيطه الاجتماعي والسياسي...، لكنه شخص يمتلك آليات التشخيص، والقراءة الواعية للحياة البشرية بكل أبعادها، ويقترح السبيل الأمثل للسعادة. ففي الفلسفة جوانب اجتماعية وسياسية ونفسية، فدراسة العلاقة بين الديني والفكري والسياسي النفسي في رأيي المتواضع دراسة أيضا عما بين الدين والفلسفة.“
فرديت عليه وكتبت: هذه الخريطة التي وصفتها أنت، كانت قديما تسمى الفلسفة كتخصص أعلى وأرقى تخصص عقلي فكري، وكان الحديث عن الإنسان كفرد ومجتمع وقائد سياسي يندرج تحت ذلك التخصص،
لكن في العصر الحديث ومنذ بداية عصر النهضة الأوروبية بدأت تتشكل وتستقل العلوم الاجتماعية والسياسية لتنفصل بذاتها عن الفلسفة، لكن ليس كانفصال الابن البار عن أبيه، ولكنه انفصال العاق، تشكلت قناعات بأن الفلسفة كتخصص هو غير موجود وزائف، لأن المساحة التي كان يفكر فيها الفلاسفة مساحة مظلمة، أثبت التراكم العلمي البشري أن التخصص في هذه المساحة لا ينتج فهما لشيء ولا إثباتا لشيء موجود، فاقتنعوا أن هذه المساحة ثبت بالتجربة أنها كالميت لا يُعقل أن يقصده أحد بكلام أو بإقامة علاقة معه، ولكنه ميت موجود كمشكلة عالقة، لا ندري من هو ولا من أماته ولماذا مات لا ندري أي شيء فيه وحوله وفيما وراءه حتى لا نستطيع دفنه وطي صفحته بشكل تام، وكل من حاول البحث فيه من كافة جوانبه أثبتوا(باعترافات بعضهم الواعية أو بواسطة تحليل في الأعمال الفلسفية لغيرهم ممن لم يعترفوا كاعترافهم) أنه بحث عديم الجدوى لا يوصل إلى أي شيء ويضيع العمر والوقت هباء، كما أن علماء الاجتماع والسياسة حين يحللون مثلا الفعل الاجتماعي يرون فيه وفي فاعليه (أطرافه من البشر) عناصرَ (دينية وأخلاقية ومبادئ وقيم كاعتقاد في حقوق إنسان مثلا) كل هذه عناصر ومعطيات موجودة يرونها حين يشرحون الفعل الاجتماعي، لكنها عناصر لا تُفهم في ذاتها ولا تُعقل، فهم فقط يعتبرونها على الحواف، على حواف (العمود الفقري أو النظام العلمي أو المخطط الفكري أو نظريات وقوانين العلوم الاجتماعية والسياسية) فهذا هو العلم الذي يفهمونه في ذاته وبه يستطيعون عقل وفهم الحياة الاجتماعية والسياسية، أما ما على حوافه فهم ينظرون له على أنه حواف ومعطيات موجودة ومشاكل عالقة، هذه لا تُفهم ولا تعقل في ذاتها فضلاً عن أن تُتخذ كموضوع رئيس أو نظريات وقوانين تُشكِّل علما معقولا يُستخدم في عقل وفهم ظواهر تنشأ في الواقع!
فكذلك الفلسفة هي عندهم معطى موجود لو احتاجوا إلى شيء منها يأخذوه من الحواف، ويتفاهمون مع ذلك الذي أخذوه ويتفقون هم وإياه؛ على أن مكانه الهامش لا أكثر ولا يحق له أن يطالب بمكان رئيس ليكون معقولا في ذاته فضلا عن أن يُستعمل في فهم وتفسير غيره!
من لا يزال من مفكرينا العرب معتقدا الاعتقاد القديم في الفلسفة أوتي من جهة عدم فهمه الدقيق لجذور الأراء والنظم وعلاقاتها بتفاصيلها وتتابعاتها وتطوراتها، وذلك لتقصير منه في فهم العلم الاسلامي الذي عرفه نبينا وعلماء صحابته ومن اتبعهم بإحسان من العلماء المجددين، ولذلك لم يستطيعوا فهم كتابات مجددينا الإسلاميين الذي حذروا من الفسلفة كالغزالي والرازي وأمثالهم بل بعضهم تجرأ ووصفهم بقلة الفهم ومحاربة التفكير العقلي.
وفي الغرب المعاصر يزداد عدد من يعتقدون بما وصفت لك، ومن لا يزال من أكابر مفكريهم يعتقد الاعتقاد القديم في الفلسفة لم يؤتى من عدم دقة فهمه (بالشكل الذي وقع فيه مفكرونا) بحيث يقدح فيه كما يقدح في مفكرينا، ولكن أوتي من علل أخرى تلائم قارته الذهنية التي يعيش فيها (ولا مجال هنا لذكر هذه العلل)

تعليقات

المشاركات الشائعة