الدكتور محمد دراز وبقية شيوخي فلاسفة أم علماء اجتماع أم علماء شرع؟



الدكتور محمد دراز وبقية شيوخي فلاسفة أم علماء اجتماع أم علماء شرع؟

أحد الإخوة طلب مني توضيح أكثر لموقف الدكتور محمد دراز من الفلسفة بعد ما كتبت مقالا بعنوان (لماذا صار التخصص في الفلسفة موضة قديمة زائفة؟) 

وهذا رابطه

http://elmorsykhalid.blogspot.com.eg/2016/04/blog-post_26.html
طلب توضيحا بخصوص الدكتور محمد دراز وبالأخص كتابه الدين.
فأقول نحن اتفقنا على أن الميتافيزيقا (فقط) شيء لم يعد له جدوى، ولذلك قلت في المقال إن علماء الاجتماع قد يستدعون أشياء من الفلسفة القديمة لو احتاجوها بشرطها، وكذلك هم ينظرون في كتب الفلاسفة لأغراض اجتماعية لأن هذه الكتب تناولت بالنظر الظواهر الاجتماعية والسياسية، يبحثون فيها كتاريخ للعلم أو كمعمل يقتبسون منه بتفكيرهم المُنشء قواعد علمية اجتماعية لا أنها علم! فالعلم هو قوانين ونظريات العلوم الاجتماعية المبتكرة في العصر الحديث، و على ذلك الأساس نظرالدكتور محمد دراز في هذه الفلسفات، ولذلك لا تجدون للدكتور دراز أي حديث عن الفلسفة والميتافيزيقا، ولكن كتبه تناولت مواضيع جوهرية في العلوم الاجتماعية المعاصرة، فاضطر حينها إلى معرفة ما دار حولها من أحاديث في الفلسفات القديمة والمعاصرة (أي العلوم الاجتماعية) فمثلا كتابه الدين، كتبه د دراز لا من جهة التناول الفلسفي ولكن من جهة العلوم الاجتماعية، لأن المعتقدات الدينية نالت اهتمامًا بالغًا من قبِل علماء الاجتماع الغربيين الكلاسيكيين المسيطرين على عالمنا المعاصر كماكس فيبرMax Weber  ودوركهايم Emile Durkheim والكسي دي توكفيل Alexis de Tocqueville
، اهتموا بدراستها لا من حيث صحة معتقد وزيف آخر، ولا من حيث ما يرتبط بالدين (كميتافيزيقا/ في السماء) ولكن من حيث ما يتربط بالدين (كظاهرة اجتماعية/في الأرض) فيفسرون نشأتها في الأرض وما يرتبط بها (وطبعا أغلبها تحاليل غير صحيحة وضالة) فالدكتور دراز عرف ما أثير حول (الدين) في الفلسفات القديمة والمعاصرة (علم الاجتماع) وتناوله بالتحليل في كتابه من حيث هي ظواهر اجتماعية  وزاد عليها العنصر التحليلي الذي يقتضيه كون المؤلف (متدين) لا كعلماء الاجتماع هؤلاء فهم حين يبحثون هذه الظاهرة ينحون معتقداتهم الشخصية الخاصة لضمان الحياد والموضوعية في البحث، أما د دراز فمتدين ، وهذا عندنا لا يعارض الموضوعية بل هو وحده الذي يضمن حيازتها وتحصيلها وخلقها من العدم، ، ولذلك أيضا نجد الدكتور دراز لم يتحدث في كتاب الدين عن الإسلام ولكنه جرّد (الدين) كموضوع مستقل، وانتزعه من مخطط فكري واسع (بسعة الإسلام) كما جرده الإسلامُ في قول الله تعالى {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} وتناول ذلك الذي جرده بالتحليل لأغراض تحليلية فرضتها عليه المجادلات التي أثيرت حول الدين من قبل علماء الاجتماع الغربيين، ولذلك –أظن- أن أحد الناشرين كتاب الدين لما نشر الكتاب لم يفهم أن الدكتور دراز جرد هذه الظاهرة الدين، وتناولها مفصولة عن الإسلام لأغراض تحليلية لا لأن هذا الفصل يفيد في الواقع ويغني عن من لا يؤمن بالإسلام شيئا لو عرفه ثم لم يدخل فيه ويؤمن به، هذا الناشر لم يفهم ذلك وانتابه خوف من التباس المفاهيم فألحق بكتاب الدين بحثًا من عشر صفحات كان أعده الدكتور دراز وألقاه في احدى مؤتمرات حوار الأديان يقرر فيه العلاقة الصحيحة بين الإسلام وبين بقية الأديان، بينما الدكتور دراز ذاته لم يلحق هذا البحث بكتاب الدين رغم أنه نشر في حياته، ولذلك هذا الكتاب وحده (الدين) يثبت أن د دراز هو وبقية شيوخي محمد عبده ورشيد رضا وعبد الحميد ابن باديس وحاتم العوني والطاهر بن عاشور هم وحدهم علماء الاجتماع (بالمعنى الحقيقي) في هذا العصر، فكيف ببقية كتب د. دراز وكلها تبحث مواضيع جوهرية في العلوم الاجتماعية المعاصرة (وإن لم يفهم نتاجه الأغلبية الساحقة من مفكرينا وفلاسفتنا العقلانيين وعلماءنا الشرعيين) وزد على ذلك أن الدكتور دراز فيما يتعلق بالعلوم الاجتماعية له وضع خاص يختلف فيه عن بقية شيوخي المذكورين لأنه تعمق ودرس أكاديميًا وتناول الأحاديث العصرية بالتحليل ونظر إليها في ضوء نظريات كلية ابتكرها ووضعها في كتبه.
 يؤسفني أن أقول إن العرب المتخصصين في الفلسفة يتخصصون فيها  عن تقليد لا عن فهم واستقلال، لأنهم نشأوا في بدايات تحصيلهم العلمي وقد سمعوا المأثورات المشهور عن الفلسفة ( أكليشيهات محفوظة) من نحو الفلسفة تنوير وتثوير للعقول وأمثال هذه المأثورات، فتخصصوا فيها تقليدا، ولذلك نجدهم كلهم بعد أن يفنوا أعمارهم في الدراسة لا يبدعون، إلا في نقل الفكر الغربي، وأقصى إبداعهم في هذا النقل لن يكون أقصى من إبداع الرسام الذي يحاول نقل وتقليد منظر طبيعي بالرسم، هؤلاء عوام في الحقيقة! لأن الفلسفة كما سبق كلام فارغ هو نتاج عقول محضة ليس فيها موضوع محدد حقيقي بين مفصل، ومما نقله د راز في كتاب الدين عن سقراط "لست على يقين من شيء إلا أني لا أعرف شيئا" وهو قول ينقله أيضا كثير من فلاسفة الغرب المعاصرين كنتيجة قديمة حديثة!
ومن نجدهم من هؤلاء المتخصصين العرب مؤمنا بالإسلام ناصرا له لن نجد في كتاباته إلا كلامًا سطحيًا وعظيًا ينصر به الإسلام! وهذا أقصى ما يستطيعه لأنه انشغل بالفلسفة متخصصًا فيها ومعتقدًا (عن تقليد) انها تستحق التخصص الذي يصرف أغلب وقته فيه، ولو كان الله ألهمه الحق منذ بدايات مشواره العلمي لرأى الفلسفة والعلوم الاجتماعية والعلوم الشرعية في نظرة كلية جامعة تضم أطرافها، وبمقتضى هذه الرؤية الكلية يقطع مشوار حياته العلمي لتتحدد هويته (كطالب علم شرعي مجتهد أو كعالم شرعي) كما هي هوية الدكتور محمد دراز المعروفة عنه في كل مكان لا أن تكون هويته (فيلسوف) يعني عامي! ولو ذهبنا في تحليل عقليته أكثر من ذلك لاكتشفنا أنه مشبع بأقوى أنماط الفكر الخرافي الذي يتسم به المفكرون المتخلفون في المجتمعات المتخلفة في كل عصر!

تعليقات

المشاركات الشائعة