لماذا لا يتوب التابعون عن تصدير القردة والحمير توبة نصوحًا؟



كثيرون في عصرنا ممن اعتادوا على اتباع من يسمون (دعاة أو علماء أو مفكرين إسلاميين) اطلعوا على انحرافات متبوعيهم التي طارت بها الآفاق كالانحرافات الخلقية (السرقة والكذب العلميين ونحوها من انحرافات أخرى يعلمها القريبون منهم) وكالانحرافات الفكرية بمعنى أنهم ليسوا أهل علم كما كان يعتقد أتباعهم، أو بالشكل العالي الذي كان يعتقدونه فيهم كما تحدثت عن ذلك في هذه المواضيع
وهنا
http://elmorsykhalid.blogspot.com.eg/2016/04/blog-post.html
 ولكن مع ذلك يعظمونهم (وإن قلت درجة التعظيم) ولا يزالون مقعدين إياهم مقاعد القيادة والعلو في المجتمع بنشر كتبهم ومقالاتهم والتتلمذ عليهم وترك غيرهم يفعلون ذلك معهم، والحق أنه يجب إنزال هؤلاء من مقاعد القيادة والعلو وتعريف من لا يعرف (من متبوعيهم) بحقيقتهم، ودلِّهم على البديل (وهم العلماء والمفكرين الحقيقيين كشيخنا حاتم العوني وأمثاله) من المفكرين المنضبطين، لأن الواجب في أي مجتمع يبغي النهضة أن يصدِّر من يستحق التصدير ويحجب من يستحق الحجب، ولو عكس الوضع لسار مسار "الانتخاب الاجتماعي" مسارا يؤكد التخلف ويغذيه، فحين يتصدر القردة والحمير في المجتمع يعني ضياعا للأمانة وللموارد البشرية إذ موقعهم الريادي سيمكنهم من جمع بعض موارد المجتمع ومن هذه الموارد (مورد الجذب والانتباه والثقة) فتجد الشبيبة تحلم بأن تكون مثله ويقتدي به غيرهم، بل ويعينهم هو (بموارده التي امتلكها من المجتمع) على ذلك، وبذلك يكون هذا المتصدِّرُ المتخلف عنصرًا أساسيًا في انتخاب من سيكون مثله إذا كبر، فيتكاثر ويتوالد القردة والحمير في المجتمع، وسيحدث العكس ليسير "الانتخاب الاجتماعي" في مجراه الذي يريده الله شرعًا وعقلاً ليتكاثر الأسود وبهم ينهض المجتمع.
 فلماذا لا يجرؤ التابعون على حجب متبوعيهم بعد أن طارت في الآفاق أخبار تؤكد أن المتبوعين مضروبون زائفون؟
سوف نجد السبب عند "نيتشه" في تحليله لسبب تمرد العمال على جشع أصحاب العمل في حين أنهم كعادة الجماهير يخضعون لظالمين آخرين يقول:" ومما يسترعي الانتباه أن الخضوع لأشخاص أقوياء يثيرون الخوف والرعب، أي الخضوع لطغاة أو قواد جيوش لا يكون إلا بقدر الخضوع لأشخاص غير معروفين ولا أهمية لهم كالحال في كل رجال الصناعة الكبار: فالعامل لا يرى في صاحب العمل عادة إلا شخصًا تافهًا يتصف بالخديعة والجشع. ومن الجائز أن كل رجال الصناعة وكبار رجال الأعمال في التجارة يفتقرون تماما حتى الآن إلى كل صفات "العنصر الرفيع" وسماته، التي بدونها لا تكون للشخصية قيمة، ولو كان لهم ذلك السمو الذي تضفيه عراقةُ الأصل على نظراتهم ومحياهم، فربما لم تكن تقوم لاشتراكية الدهماء قائمة، وذلك لأن الدهماء يمكنهم أن يتحملوا كل أنواع العبودية بشرط أن يُثبتَ من يعلو عليهم أنه أرفع منهم بحق وأنه "وُلد" لكي يأمر وذلك عن طريق صورته الرفيعة"
نقلت تحليلَه إلى سياقنا وسأجري عليه بعض التعديلات المطلوبة، هؤلاء الأتباع (بلا وعي) يخضعون لمتبوعيهم (كأشخاص غير معروفين في الحقيقة) ولكنهم يخضعون لصورتهم الرفيعة، لا يخضعون لحقيقة، إنما لوهم، لصورة رفيعة يظهر بها هذا المتبوع، فما هذه الصورة في سياقنا؟ إنها ليست العرق ولا الجنس ولا الدم ولا الطبقة، هذه الصورة هي "الله تعالى" "الإسلام" "القرآن الكريم والسنة النبوية" "بيوت الله" "الصلوات المفروضة" "الأذكار اليومية"!
 ومن هذا التحليل الصادق نستنتج أن دين الإسلام ذاته هو السبب الحقيقي في تخلف مجتمعاتنا! أليس هذا ما يقوله كثيرون اليوم ويعتقدونه (علنًا أو سرًا)! ليرد عليهم علماءُ الإسلام ويقولوا لهم إن السبب الحقيقي هو سوء فهم دعاة الإسلام لا الإسلام ذاته!
 والواقع أن تفسير علماء الإسلام هو الصادق الحقيقي قطعا لكن مشكلتهم أنهم لم يحسنوا فهم العلمانيين وأمثالهم، ولم يحسنوا تشخيص المرض بدقة، ولو أحسنوا التشخيص لوصلوا إلى أن كلام العلمانيين قائم على عناصر موضوعية تستحق الاعتبار، وأن تصدُّرَ القردة والحمير ما هو إلا رابط يشد "الإسلام" ذاته ليرديه أسفل سافلين في نظر طائفة "لا يستهان بها" وفقًا لسنن الله (تعالى) في أرضه وقدره الحتمي في كونه، وهذا التشخيص لو أدركه علماء الإسلام لوجدوا الدافعَ القوي يؤزهم إلى اتخاذ خطوات فعلية جدية تهدف إلى حجب القردة والحمير وتصدير الأسود، لا أن يظلوا واقفين بين بين، لا يفعلون شيئا إلا تصريحات مجملة غير واضحة وكلمات لا يعقبها بيان ناصع وفعل مؤثر.
 وسأوضح  الكلام أكثر بهذا المثال: لدينا اثنان سرقا، فنظرنا في السارق الأول وجدناه غنيًا بالحلال ولكنه يطمع في رفاهية عيش الملياردرات ولذلك يسرق، ونظرنا في السارق الثاني وجدناه لا يجد كفايته، ولذلك يختلف سلوكُنا باختلاف الحالين نظرا لاختلاف "الظروف الموضوعية" وهي عدم وجود الكفاف، إدراكُنا لوجود تلك الظروف الموضوعية لا يعني أننا نحلل السرقة له، فهي حرام عليه ولكنه يعني اثبات لعلاقة ارتباطية موجود بحق وحقيق في الواقع؛ وفقًا لسنن الله في خلقه، وهذه العلاقة الارتباطية إذا توافرت ظروفها في الكون ألجأت كثيرين إلى السرقة، فهذا الإدراك منّا يؤزنا على مساعدة الفقراء وتعهدهم بالرعاية الاجتماعية والتنمية المستدامة باتخاذ إجراءات فعلية، أما الأول فلا نملك له إلا أن نقول له "اتق الله" وفقط!
 فكذلك في علاقتنا مع العلمانيين وأمثالهم لو أدركنا وجود الظروف الموضوعية للعلاقة الارتباطية لألزمنا هذا الإدراكُ  بإجراءات فعلية تتمثل في شطب وحجب تلك الظروف الموضوعية المتسببة في نشوء تلك العلاقة الارتباطية.
هذه هي  وظيفة المفكر الحق (طبيب العقول وطبيب القلوب) لأن أي انحراف هو تصرف لا شعوري (غالبا) لذلك لو وجد أحدنا انحراف في بطنه فشعر بمغص يضطر إلى أن يذهب إلى الطبيب لاعترافه بعدم الشعور بسبب ذلك الانحراف، بينما الانحراف الفكري والقلبي لا يشعر صاحبه بحاجته إلى طبيب فكري  لأنه تصرف لا شعوري (هو بجهله يظن نفسه على الحق!) ومهمة المفكر الحق هو الوصول إلى تحليل ما هو (خفي/لاشعوري/قبلي/مُسبَق) لينجح في التشخيص والعلاج الدقيقين.
 وهذا المطلب تلح عليه مدارس ونظريات عدة في العلوم الانسانية المعاصرة

تعليقات

المشاركات الشائعة