ردود على برنامج إسلام بحيري (الخريطة)



(1) ردود على برنامج إسلام بحيري (الخريطة)
أولا: أنا ولا علماؤنا المستنيرين يختلف مع إسلام في ضرورة تجديد الدين بل وفي محاربة شيوخه المعاصرين المقلدين، وهذا ما فعله كل إمام مجدد حتى آخرهم الدكتور حاتم العوني "حفظه الله" وهو يعاني غاية المعاناة من جراء ذلك في السعودية، ولكن أختلف معه حين يدخل في التفاصيل فهو يقول كلامًا يخالف قطعيات الدين المجمع عليها بل وقطعيات العلوم العقلية الحديثة والقديمة كما سيأتي في أثناء الردود، فهو في الحقيقة لا يلتزم بأصول الشرع والعقل في كلامه، وأنبه إلى أن الإسلام الذي أدافع عنه هو الإسلام حين يشرحه علماء حقيقيين، ولا أعلم في العصر الحديث غير شيوخي وكتبت في ذلك مقال بعنوان "نظرات حول شيوخي (1)"
وأرجو أن يوصل أحد زملاء إسلام له هذا الرد ليتناقش كتابيا معي بصفتي مثقفا تفاعلت مع كلامه وصار قضيتي كما نصحنا في حلقته وهذا بريدي elmorsykhalid@gmail.com

نبدأ الرد من الحلقة الأولى لبرنامجه على مختلف كلامه لا سيما أصوله الثلاثة التي قال إن كل فكره مبني عليها
1- ذكر إسلام أن علماء الدين ظهروا منذ ألف وأربعمائة عام فقط، وهذا باطل، والعجيب أنه يتناقض مع نفسه لأنه بعد دقائق فقط يذكر حديث نبينا عليه الصلاة والسلام "استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك" ويقول إن معناه صحيح في القرآن، لأنه طبعا لا يأخذ بالسنة، وانا أسأله أين مكانه في القرآن؟ ولماذا لا يذكر هذا المكان ويستدل به لو كان يعرفه؟ أليس ذلك دليلاً على أنه انتقائي لا يهمه حتى التناسق بينه وبين نفسه، فهو يريد أن "يكلفت" أو "ياخد سامعه في دوكة" كما يقول عوام المصريين، ويمرر عليه استدلاله بحديث نبوي لا يأخذ به زاعمًا أن معناه في القرآن، ولم يذكره، وفي كلامه تناقض آخر متعلق بصلب جزئيتنا هذه، وهو ما دام أن ظهور علماء الدين بدعة حدثت بعد موت نبينا بعشرات السنوات، فلماذا قال النبي هذا الحديث؟ الذي لا يعني إلا أن نبينا يقر بوجود مفتين في الدين وعلى أساس هذا الوجود فرّع نبينا تفريعة في الحديث، ولو كان وجود العلماء بدعة لا يقرها النبي لكان نص على حرمة وجود علماء دين من باب أولى! وها هي بعض الأدلة من القرآن الكريم الذي يزعم إسلام تعظيمه والتي تدل على أن الدين علم وأن نبينا كان معلما له قال الله تعالى {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } "النساء:83" الآية قصرت عملية الاستنباط على قوم من الصحابة ولم تعممه على كل المسلمين، وقال الله حاكيا دعاء سيدنا ابراهيم لأن يبعث نبينا محمدا يعلم الناس الكتاب والحكمة {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } "البقرة:129" وقال الله {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ }"آل عمران:164" وقال {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ }"الجمعة:2" وكذلك ثبتت السنن قال النبي "إنما بُعثت معلما" ومعلومة اجتهادات الصحابة في  زمان نبينا وتعليقه عليهم، كبعض الصحابة الذين أفتوا رجلا بوجوب الغسل في الشتاء وكان الرجل مريضا فاغتسل فمات، فلما بلغ النبي ما حدث قال"قتلوه قتلهم الله، إنما شفاء العي السؤال" والحقيقة أن المقصد الوحيد من إنزال الله الإسلام هو تقرير العلم في الأرض حيث يستحيل إقامة علم (إنساني اجتماعي عقلي) برهاني صادق نافع من غير الإسلام، وفي يوم ما لو كتبت استدلالات متكاملة تربهن على صدق كلامي هذا ما فهمها المتخصصون في علوم الدين أنفسهم! ولذلك لا أريد حتى مجرد الإشارة الى تلك البراهين الآن.
2- ذكر إسلام أن دين الإسلام هو الوحيد الذي في نصوص علماءه حض على القتل والعنف، وأنه لا يوجد ذلك في الأديان الأخرى كالبوذية والمسيحية، وهذا باطل فيوجد في اليهودية والنصرانية نصوصا تنسب إلى الكتاب المقدس ذاته تحض على القتل والكتاب المقدس طبعا برئ منها، انظر إلى بعض هذه النصوص مُحالة إلى مصدرها المزعوم في كتاب "الاستغلال الظالم للنصوص المقدسة لدى الإرهابيين (الكتاب المقدس نموذجا)" للدكتور حاتم العوني، متوفر في موقعه الشخصي، ص 7 وما بعده
وكذلك التاريخ القديم مليء بعنف وشناعة أهل الأديان، كما دللت على ذلك الكتب الكثيرة التي وثقت جرائم محاكم التفتيش الرسمية وحروب النصارى مع بعضهم حروبا دينية، وكذلك حروبهم مع المسلمين حروبا دينية مصورة فظاعة التعصب الكاثوليكي وبشاعة رجال الدين وكيفية رسم ضورة "للآخر" تبرر هذه الشناعة وتناسبها ككتاب "الكفار تأليف أندرو هويتكروفت" من ترجمات المركز القومي للترجمة بوزارة الثقافة المصرية، لكن يبدو حقا أن زماننا الحديث أكثر الإرهابيين فيه مسلمون، كما نقل د "معتز عبد الفتاح" ذلك عن دراسة إحصائية غربية، أما زعم إسلام بتحديده هذا فهو باطل كما رأيتم.
3- هو يزعم ان التفكير البشري ليس مقدسًا، وهذا باطل، فهو أولاً لا يقصد بتعبير المقدس الدين بالتحديد، ولكن يقصد به الإلزام وما يترتب عليه من نقص ظاهر في شخصية المتفصي من هذا الإلزام والسلطان، كمن يترك الصلاة مثلا، فهذا فيه نقص ظاهر أمام المجتمع، حيث ترك ما لا يصح أن يترك بإلزام الله له، وأيضا يقصد بالقداسة نفي الظنية وإثبات القطعية، فكل ظني عنده ليس مقدسًا، اليقينيات فقط هي المقدسة، والحق أن التفكير البشري مُلزِم وإن كان كله ظنيًا و قليل منه قطعيًا، وهذا معنى متعارف عليه للقداسة، ألم يسمع إسلام عن إلزام الضمير، وعن قهر وسلطان البراهين، وعن تقديس العقل وعن تقيدس المعرفة العلمية عند كل من يحترم عقله (وإن كان ينفي وجود الله)؟ لماذا ضحى علماء الاستنارة في فجر النهضة الأوروبية بحياتهم وماتوا حرقا أو قتلا وضحى غيرهم براحة البال وتعرضوا للاضطهاد؟ أليس تقديسا واستشهادا في سبيل الحقيقة والمعرفة المقدسة؟ بلى إنه كذلك، لماذا يتمسك علماء العلوم الطبيعية والإنسانية في الغرب باجتهاداتهم وفكرهم ويجادلون عنه ولا يفرطون فيه إلا إذا ظهر دليل معارض، رغم أن كل هذه العلوم طنية لا قطعية إلا في بعض أصولها الكبرى ( ولا يعني الغرب بقطعيتها ويقينيتها أو نفي الشك عنها ما نعنيه نحن المسلمون بالقطعي واليقيني، فهم يعنون بتلك القطعيات ما نسميه نحن وهم وخرافة ويسمونه هم كذلك أحيانا في لحظات الصفو! ويسمونه أحيانا مجازفة) ورغم أن العقيدة التي تمخض عنها العلم الغربي من سنوات طويلة هي "اللأدرية العلمية" إذ كل بحوثه تمخضت بجلاء عن هذه العقيدة، وبالرغم من ذلك سيظل تمسك العالم بفكره وجداله عنه وعمله بمقتضاه والتضحية في سبيله هو من أكبر الفضائل الأخلاقية والاستقامة العلمية التي لا يتصور الحيدة عنها في "التفكير العلمي" هذه هي أصول التفكير العقلي المحض المستقر عليه علماء الجنس البشري منذ القدم للآن، وبالطبع دين الإسلام، لا يخرج عن هذه القاعدة البشرية مع إضافة الشرع الى العقل إذ أغلب الشريعة ثبتت بظنيات كما قال علماء أصول الفقه، لأن الإسلام دين الله والعقل البشري ومنتجاته من خلق الله، ويستحيل تعارض دينه وخلقه ما داما منه صدرا، فوجب قبل أو بالموازاة مع دراسة الإسلام، إحكام التفكير  العقلي المحض، وطبعا هذه مسئولية علماء الدين المعاصرين، ولما قصروا فيها شوهوا الدين فأضلوا إسلام وأمثاله، وأرجو من القراء قراءة كتاب "السنة والبدعة" للدكتور محمد دراز فيه كلام هام جدا عن الظنيات واليقينيات شرعا وعقلا.

 (2) ردود على برنامج إسلام بحيري (الخريطة)
في حلقته الثانية، يزعم إسلام أن من الانحراف المنهجي البناءي في التراث الإسلامي هو تأخر كل من علمي أصول الحديث وأصول الفقه زمنيًا عن علمي الحديث والفقه، ويزعم أن البديهي أن تتقدم أصول العلم أولا قبل الخوض في تفاصيل العلم! فمن أين أتى إسلام بهذه البديهية؟! يبدو أن إسلام رأى البيوت في الشارع تُبنى بوضع أصولها أولاً فظن أن العلوم العقلية والشرعية كذلك! والواقع أن أي علم عقلي أو شرعي او طبيعي تتأخر بلورة أصوله وعلمها وتدوينها ولا تظهر إلا بعد أن يقطع العلم شوطا كبيرا في تقدمه، لأن الأصول عبارة عن مبدأ عام يشمل تحته طائفة واسعة من التفاصيل، ولا يمكن علم الأصل إلا بعد أن يتم تفحص جزيئات كثيرة تفحصا دقيقًا يؤذن بخضوع هذه الطائفة من الجزئيات تحت مبدأ عام لا ناقض لهيمنته على هذه الجزئيات جزئياتٌ أخرى من خارج هذه الطائفة، أليس يحق لي بعد هذا الإهمال العلمي من إسلام أن أشك في نزاهة قصده؟!
2- رسم إسلام خريطة التراث، ووضع القرآن الكريم في مكان لا شك فيه ووضع بقية العلوم بما فيها الحديث النبوي مكانا يشك فيه بحجة أنه سبب التكفير والتعصب والجهل الصادر من شيوخ الدين، فلو إسلام تناسق مع نفسه لرد القرآن  وشكك فيه أيضا لأن القرآن أيضا سبب في ذلك الجهل والضلال كما نص الله على ذلك في قوله {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ } يضل به أي بالقرآن كما ذكر المفسرون، وفي الحديث النبوي "هلاك أمتي في الكتاب واللبن" فسأل الصحابة رسول الله عن مراده ب "الكتاب" فقال نبنيا "يتعلمون كتاب الله فيتأولونه على غير مراد الله!" ثم هل مشكلة الضالين اليوم هي في ثبوت سند الحديث أو عدم ثبوته؟! لا، ولو كانت هذه مشكلتهم ما لجئوا إلى إسلام يعرفهم بالصحة والضعف، وللجئوا إلى متخصصين الحديث، فلماذا يتعب إسلام نفسه في نفي الوحي عن الأحاديث النبوية الصحيحة؟ هو شخّص الداء خطأ فوضع دواء خطأ كغيره ممن يُقال لهم مفكرين وعلماء! الداء حقيقة هو في عقول ونفوس الضالين أساسًا أولاً، وما استدلالاتهم بالقرآن والحديث وكلام العلماء إلا أساس تابع للأساس الأول، الأول هو الذي استلفت انتباههم وجذبها إلى أوساخ الفهوم من القرآن والسنة وكلام علمائهما، ثم وجود هؤلاء الضالين نشأ بسبب وجود ثغرة في المجتمع بغياب المفكرين الحقيقيين، مما يعني أن الداء الأساسي الأول هو غياب مفكرين نهضويين، فالدواء الجذري هو إيجاد مفكرين نهضويين، ولا علاقة لنفي القداسة عن السنة أو إنكار النسخ في القرآن وغير ذلك من المسائل التي طرحها قوم (سفهاء يُقال عنهم مفكرين إسلاميين وعلماء!) بظاهرة جهلاء الدين والارهابيين.

خالد المرسي.

تعليقات

المشاركات الشائعة