تعليق على اﻷطروحة المعرفية عند الدكتور رائق النقري.

تعليق على اﻷطروحة المعرفية عند الدكتور رائق النقري.
الدكتور الفاضل رائق النقري: قرأت دراسة الدكتور عمار عياش ﻷطروحتك في نظرية المعرفة، وأطروحة حضرتك مفيدة جدا وصادقة في نظري، لأنها تشرح الواقع كما هو، وأذكر هنا ما قاله علماء الإسلام حين تحدثوا عن مبحث حكم الأشياء قبل نزول الشرع، ومبحث تعبد نبينا قبل بعثته على أي طريقة كان يتعبد؟ فردوا على من أجاب عن هذين السؤالين بأن العقل يتكفل بإنجازهما، قالوا إن العقل لا يعرف شيئا! هذا يتشابه مع ما توصلت إليه، فهي نظرات تلائم الواقع الكائن حقا، شرحته بمناهج معتبرة محترمة، فهي كنظرية دارون وأمثالها مثلا، لكن خلافي (وهو خلاف ناشئ عن تبصُّري بقارتي الذهنية لا خلافا ناشئا عن تبصري بخلل نظريتك وقارتك الذهنية) فلا أرى خللا في نظرياتكم إطلاقا، بمعنى أنه ليس بإمكانكم أحسن مما فعلتم حين مددتم نظريتكم في مناطق لا تطالها في الحقيقة (إلا لو قلتُ أنه كان لديكم خيار آخر وهو معرفة أن هذه المناطق  مستغلقة عن الفهم) ولا أعلم حظ هذا الخيار من لفت انتباهكم إليه حين أنتم منغمسون في شرح معرفتكم، وحقيقة خلافي هو أني بمقتضى الطريق المعرفي الذي قطعت فيه شوطا، أرى ان المناطق الفكرية المتعلقة بالدين ( وهو في اعتقادي الإسلام الحق) ومشتملاته الفكرية، أنتم مددتم إليها يد نظريتكم لتشرحها، وهذا خطأ، نعم هناك تشابه بين (قارتكم) وبين تلك المناطق، تشابها يسمح بالتفاعل الايجابي الشارح بينهما من السطوح حيث تتلامس سطحهما بالتشابه ونحوه من عمليات التفاعل، أما أن تمتد يد نظريتكم إلى داخل تلك المناطق لتفككها وتشرح طبيعة الحركات والديناميكيات الجارية داخلها عبر تفكيكها ذريا إلى كل ذراها حتى الذرة الأولى، فهذا غير ممكن لأن هذا المطلب الداخلي يحتاج إلى جهاز بصري مختلف عن الجهاز البصري في نظرياتكم، فالطريق الذي أسير فيه هو وحده الذي فيه ذلك الجهاز البصري، وهو يتفاعل معكم عن طريق السطح الخارجي جدا لقارتنا وقارتكم، وعن طريق السطوح الداخلية لقارتي وقارتكم، للتشابهات المعتبرة كونا وشرعا {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} فمثلا أنا أرى تلك الفقرة لإميل دوركهايم هي رادة على نظرية دارون وأمثالها من نظريات حاولت مد سلطانها في قارات وفجوات لتبصرها من الداخل بلا طائل"نحن نكاد نجهل، حاليا، جهلا تاما، لا أقول الأسباب التاريخية وحدها لنظمنا الأخلاقية، بل إننا لنجهل كذلك أكثر العلل الغائية التي تبرر وجود أغلب هذه النظم في الوقت الحاضر أيضا، وقد يكون الاعتراف بالجهل في هذه الحال، أفضل عونا لتلاميذنا، من التستر على ذلك، خلف تلك الشروح الصبيانية الساذجة، التي طالما استهوت فضول أولئك الشباب وخدعتهم عن أمرهم خداعا سخيفا" وطبعا طريقي لا يسفه طريقكم، بل يتعاونان والعلاقة بينهما (من حيث اختلاف قارتي وقارتكم) أعبر عنها بقول حضرتك :"إن القول بوجود معرفة صحيحة وأخرى أصح يعني الدعوة لإزالة التعصب الفكري الذي يؤدي إلى ..."
أما العلاقة بينهما (من حيث قارتي وحدها) فهي كما سبق تُضاد مد يد النظرية إلى مناطق ليس لها أن تطالها، لكن ذلك التضاد جانبي لكم فلن يضايقكم إذ لا يطلب منكم الاعتراف بسفه فكركم أو خرافيته مثلا كما يطلب "تضادي" من اكابر الفلاسفة والاجتماعيين والسياسيين في بلادنا، لو كان تضادي يستلزم منكم هذا المطلب، لكان من بأب أولى استلزمه حين اتفاعل مع فلاسفة الاجتماع الأوروبيين كإميل دوركهايم، إذ علمهم لا يمد يده فقط في مناطق لا تطالها وفقًا لخلقة تلك اليد، بل إنهم خلقوا هذه اليد ابتداء وخصيصا لتتركز في تلك المناطق، لأن طريقي الإسلامي يضاد غيره (لو كان ذلك الغير يسير في طريقه عملا بأفضل الامكانيات المتاحة إليه كحالكم وحال فلاسفة الاجتماع الأوربيين الكلاسيكيين) تضاده على مستوى المركبات لا على مستوى مقومات وأفراد المركب، فهو تضاد يُبقي على الأفراد والمقومات لكن يغيرها كيفيًا ليُحدث بهذا التغير تضادا على مستوى المركب، فهو تضاد لطيف هين لين في وسيلته وطريقه الذي يتحقق من خلاله، لا يشق على كاهل  الطرف الآخر فينفره من الاستفادة والإفادة والاقتناع (وهو ذو أثر هائل خطير فورَ تحقُّقه من حيث أثره في مسار الفكر والعمل) وليس كالتضاد بمعناه الشائع البشع المقزز المنفر عن التعاون الايجابي الفعال يقول الدكتور محمد دراز :"هذا الطابع الذي تتسم به العقيدة الإسلامية، وهو طابع الانصاف والتبصر الذي يتقاضى كل مسلم ألا يقبل جزافا ولا ينكر جزافا، وأن يصدر دائما عن بصيرة وبينة في قبوله ورده، ليس خاصا بموقفها من الديانات السماوية، بل هو شأنها أمام كل رأي وعقيدة، وكل شريعة وملة، حتى الديانات الوثنية نرى القرآن يحللها ويفصلها، فيستبقي ما فيها من عناصر الخير والحق والسنة الصالحة، وينحي ما فيها من عناصر الباطل والشر والبدعة"
خالد المرسي

تعليقات

المشاركات الشائعة