{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} 1



{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}
فسر العلامة "محمد دراز" رحمه الله، هذه الوصية القرآنية {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} ومما قال فيها :"أما بعد: فما كنه تلك الثياب التي أمرنا بتطهيرها؟ أما الحرفيون الماديون، فإنهم يفهمون منها أدنى معانيها إلى حسهم، ذلك اللباس الذي تواري به أبداننا، وأما المتفقهون في أسرار اللغة والدين، فإنهم يفهمون منها شمائل الأخلاق التي قال الله في شأنها {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ}. والقول الجامع في هذا المعنى: هو أن النفس يحيط بها أربع طبقات، كل واحدة منها تعد ثوبا لها. أدناها إلى جوهرها طبقة الصفات والأحوال النفسية؛ وهذا هو ثوب الشعار.. ثم يلي ذلك ثلاث طبقات من الدثار؛ طبقة السير والأعمال، ثم طبقة البنية والجثمان، ثم طبقة الملبس الذي يكسو ذلك الجثمان... والقرآن في آياته المفصلة يناشدنا أن نحرص على طهارة الطبقات الأربع جميعا، بل على طهارة كل ما نلامسه ونباشره من مكان ومصلى ومسكن؛ وعلى التحلي بكل حسن جميل، والتخلي عن كل دنس ذميم، حسيا كان أو معنويا:{ وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ } {وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ } {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ } {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} غير انه لما كانت عناية القرآن دائما بالجوهر والمخبر أشد منها بالصورة والمظهر، كان الهدف الأول الذي تتجه إليه الوصية ها هنا، هو الجانب الروحي الخلقي، جانب السيرة والسريرة. وهذا هو الذي فهمه الصحابة والسلف  رضوان الله عليهم أجمعين، فليكن هو محور أحاديثنا التلاية إن شاء الله تعالى"
 إذن محل الاهتمام الأول قبل الأخير هو "السيرة والسريرة" السيرة تعني معاملة المسلم لمن حوله والسريرة تعني ما يكنه في عقله من أفكار وتكوين معرفي، ودرجة تفاعله العاطفي معه، وللأسف المسلم اليوم لو بحث عن هذين الركنين (السيرة والسريرة) ليتعلمهما ما وجد في شيوخ الإسلام أحدا، فها هي الجماعات الاسلامية أول ما اهتمت به ودعت الناس إليه هو المظاهر كاللحية والثياب كالنقاب، والعبادات كالصلاة والسفر للحج وبناء المساجد وبناء الدولة والسياسة! ونجدهم في تقصير فاضح في معاملاتهم مع غيرهم ممن ليسوا من جماعتهم ولا يقتنعون بفكرهم، وإذا بحث المسلم عن مفكرين وعلماء إسلاميين ليحصل من فكرهم تكوينا معرفيا يرضي الله عنه، لما وجد غير سيل هائل من الكتب والصوتيات المسماة (إسلامية) وهي كلها عبارة عن مظاهر، وكلام فارغ من معنى، غير متحققة فيه دعوى (الإسلامية) حيث لا نسب حقيقي بينه وبين نصوص الوحي الأصلية ومنهجها الإلهي في الفهم الذي لم يرتض رسول الله غيره حين قال فيه "مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي"  كلها مظاهر وترقيع بقال الله وقال الرسول وقال علماؤهما على غير بصيرة وبينة.
 كل من (السيرة والسريرة) متلازمان، فالسيرة هي عمل الصالحات والسريرة هي الإيمان، ودائما كانا مقترنان في كتاب الله ومتلازمان {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } يستحيل أن يقع استثناء أو انقطاع في هذا التلازم، وهناك حالات غريبة مشوهة، توحي بانقطاع، ولا انقطاع فيها عند التدقيق.
هذا الذي يجعلني دائم الالحاح على ذكر شيوخي، وهذا مقتضى النصيحة الواجبة عليّ للناس، وإن انزعج بعض من لا يهمهم أمر الإسلام إلا إذا كانوا هم في الواجهة بشكل بارز وليسوا مستعدين لخسارة شيء قليل من هذا البروز لنصرة لإعلاء شأن الإسلام والمسلمين!
خالد المرسي

تعليقات

المشاركات الشائعة