هل نحتاج إلى الاجتماع بأهل الخرافة والفكر المنحرف لكي ننهض؟



هل نحتاج إلى الاجتماع بأهل الخرافة والفكر المنحرف لكي ننهض؟
قد يقول لي قائل: إن ردك القاسي على من تسميهم "أهل خرافة" ينافي الوحدة والاجتماع اللتين تحتاجهما أمتنا ونحن أذل أمة في الأرض بسبب تفرقنا، والأعداء تتكالب علينا من كل مكان.
أقول: لا، لا ينافي الوحدة الضرورية وبيان ذلك أن نفهم معنى "الاجتماع الضروري".
ذلك "الاجتماع الضروري" له ظرفان 1- ظرف الحرب 2- ظرف النهضة.
1- ظرف الحرب: يكون فيه "الاجتماع الضروري" بالمعنى الذي تفهمه أنت، فيجب أن نجتمع ببعض ونتوحد بجملة من فينا من الفجار والخرافيين ، لأن ظرف الحرب يحتاج لجهود كل إنسان مهما كان فاجرا أو خرافيا (ومثاله الأيام الأولى من ثورة 25 يناير) وبلادنا حاليا لا تعاني من ظرف ثورة داخلية أو حرب خارجية.
2- ظرف النهضة: هذا الظرف يحتاج منا النهوض من التخلف، وهذا الظرف لا ينفع فيه إلا جهود أهل النفع، فيكون "الاجتماع الضروري" فيه هو اجتماع مع من كان نافعًا، أو ليس بنافع لكنه يقبل تعلم أي شيء نافع، كأن يكون صاحب حرفة تنفع أمته ولو "عامل نظافة" أو صاحب أموال تفيدنا في الاقتصاد، أو صاحب علم، هؤلاء هم من نحتاج إليهم في الاجتماع الضروري في ظرف النهضة، لأنه ظرف يحتاج إلى جهد تراكمي ونفس طويل ممتد زمنيا بخلاف ظرف الحرب، ومتطلبات ظرف النهضة تلك تناقضها وتعاكسها جهود من يسير في طريق الخرافة حتى فقد قابلية تعلم العلم النافع، فالاجتماع مع أهل هذه الجهود ينافي "الاجتماع الضروري" الذي قصدته عقول المفكرين وأكدت على ضروريته وأجمعت عليه الأديان، لأنه ليس فيهم نفع ولا هم قابلين لتصحيح خرافاتهم لتقدم أعمارهم في الخرافة، أما كونهم يمتلكون مفاتيح خيرات نافعة كاعتلاءهم مناصب علمية في الجامعات ومراكز البحوث، قد تيسر التوظيف لطلاب العلم ونحو ذلك، فامتلاكهم تلك المفاتيح لا يبرر "الاجتماع معهم" بل يؤكد ويلح على ضرورة مواجهتهم واضطرارهم إلى الانزواء في جحور المجتمع (عدلا) وفقًا لما تؤهلهم إليه قدراتهم العقلية والعلمية، وبدون ذلك سيألوننا خبالا وسيهدرون جهودنا النافعة، لأنهم يسيرون عكس ما تتطلبه النهضة من نور، فهناك تناقض جوهري بين جهودهم وبين الجهود الضرورية للنهضة، أما لو كان فيهم نفع لأحد الطلاب لحاجته إلى مساعدة ضرورية ونحو ذلك فهذه حالات فردية يحاول أن يتقي ويسايس بحسب الضرورة، لكن  لا يصح أبدا تصور نفع عام منهم، لأن امتلاكهم لتلك المفاتيح يؤكد على ضرورة مواجهتهم كما سبق لا لتبرير "الاجتماع معهم" والرضوخ للأمر الواقع، وهذا ما فعلته كل أئمة النهضات سواء النهضة الأوروبية المعاصرة، أو النهضة الإسلامية الأولى، لم يقبلوا بأي حال التصالح والاجتماع مع من يسيرون بجهودهم عكس متطلبات النهضة النورانية.
لكن يبدو أن سبب من يخالفي في ذلك أخطر مما نظن، وهو أنه لا يستطيع أن يفرق بين الجهود التي تتطلبها النهضة وبين الجهود التي تعاكسها وتناقضها، وهذا يحتاج إلى بيان درجات التدين ونوعيات الخطابات الدينية وبيان الفواصل التي تفرق بين ما هو صالح منها للنهضة وبين ما هو فاسد معاكس رغم اشتراك الجميع في الانتساب إلى دين الإسلام وإلى كثير من عقائده المجمع عليها أو كلها كعقائد تقليدية.
خالد المرسي

تعليقات

المشاركات الشائعة