تعليقاتي على كتاب "روح الدين" للدكتور طه عبد الرحمن (4)



تعليقاتي على كتاب "روح الدين" للدكتور طه عبد الرحمن (4)
هذه فقرة كاملة من فقرات الدكتور تدل على مدى رسوخه في التعالم والفكر الخرافي.
يقول ص 83:"الحكم القصدي: المراد ب "الحكم القصدي" الحكم الذي يؤلف، بفضل وحدة القصد، بين أشياء تبدو مختلفة فيما بينها، متمكنًا من استيعابها كلها؛ وبيّن أنه لا قول يضاهي القول الديني في التزام القصدية بموجب صدوره عن قائل تقدَّس عن السهو والنسيان؛ فالإشباع القصدي يبلغ في القول الديني نهايته، بحيث يكون أقدر تأليفا وأكثر اتساعا (وفي الهامش يحيل إلى كتاب النية لأبي حامد الغزالي)؛ لذلك، فإن البتّ في دلالات الأقوال الدينية لا يقوم على المعاني الموضوعة لألفاظها في الأصل بقدر ما يقوم على القصود التي جُعلت لها في سياق ورودها، والتي قد توافق هذه المعاني الأصلية، وقد تاخلفها، إن قليلا أو كثيرا؛ وإذا خالفتها، فإن الحكم يكون لهذه القصود دون سواها؛ وهكذا، يجوز أن تكون الأشياء، أفعالاً ووقائع، متفرِّقة في الظاهر، لكن الدين، بحكم اتحاد القصد الإلهي فيها، يصرفها عن هذا التفرق الظاهر، جامعًا بين حقائقها أو لوازمها؛ وعندئذ، ندرك أن يكون عماد الأعمال التي يأتيها الإنسان هو النيات التي تبعث عليها، فيكون الحكم عليها بحسب هذه النيات؛ فإن كانت خيرا، فخير، وإن كانت شرًا، فشر؛ وقد يبلغ أثر القصد في العمل إلى حد أن ينقلب إلى ضده كما إذا كان العمل في ظاهره طاعة، لكن متى قُصد به الرياء، انقلب إلى معصية؛ أو إذا كان العمل في ظاهره مباحًا، لكن متى قُصد به التقرب، تغيّر وترقى إلى رتبة الطاعة؛ وهكذا، فإن القصد عنصر جامع للأقوال والأفعال، إلهية كانت أو إنسانية"
أقول: أنا قرأت كتاب النية للغزالي قراءة تحليليلة ولا أدري ما علاقته بكلامه! أي صفحة منه يريد؟
·       يقول الدكتور في فقرته " فإن البت في دلالات الأقوال الدينية..." وفجأة بعد خمسة سطور يقول (وعندئذ، ندرك أن يكون عماد الأعمال التي يأتيها الإنسان هو النيات التي تبعث عليها) هو خلط بين دلالات الأقوال وبين الأعمال! فالدلالات هي معاني، والأعمال وقائع وأفعال! ولكنه تحدث وكأنهما واحد، لأن المتشبعين بالفكر الخرافي لا يعون كلامهم وعيا تاما صحيحا لأن تعبيراتهم ولغتهم هي دوال ( يعني ألفاظ أو تعبيرات) تعبيرات عن مداليل ( يعني معاني) خرافية قامت في عقولهم، ولذلك تكون العلاقة بين دوالهم وبين مداليلهم تتردد بين الاضطراب والتناقض واللامفهوم.
·       ثم يقول الدكتور (فإن الحكم يكون لهذه القصود دون سواها) ثم في آخر الفقرة يضرب المثل على ذلك بقصدين أحدهما خير والآخر شر، أما كلامه عن الشر فصحيح في الجملة إلا فيما سأبينه بعد قليل، وأما كلامه عن الخير فباطل ومن ثم يبطل قاعدته المجردة التي يدعي فيها اضطراد تبعيه الحكم للقصد، ولكن الدكتور نجح في إقناع نفسه أنه فيلسوف ثم أقنعها أنه إسلامي، ثم ركب منهما أنه فيلسوف إسلامي! فإذن يجب أن يكون كلامه تجريديًا كما هي عادة الفلاسفة، ولكن لأن الدكتور يجهل أبجديات وأصول العلم الإسلامي وقعت (قواعده التجريدية) بشكل جهول يأسف له أهل المعرفة! إذ لا يصل العالم إلى مرتبة وضع القواعد الكلية وتجريدها إلا بعد أن يُحكِم النظر في التفاصيل والدقائق التي  بعد إتقانها ومنها (يجرد قواعدها الكلية المستوعبة داخلها) كما فعل مجددو الإسلام في كل عصر. ووجه الخرافة في قاعدته أن دلاله نص الوحي بالإجماع تقوم على المعنى الموضوع للفظ، والله سمى كتابه مبينا { تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} وذلك هو اللائق بأي متكلم عاقل فكيف بالله تعالى! فالعلاقة بين الدال والمدلول حقيقية لا تتغير إلا وفقًا "للمنهج العلمي المنضبط" المقرر في كتب الأئمة، ولم يخالف في ذلك إلا أهل الخرافة القدامى من زنادقة الصوفية والغنوصية وأمثالهم كالمخرفين الجدد، فمثلا لو مخرف اعتقد أن أدلة الإسلام في عدد الصلوات المفروضة تدل على انها أربعة لا خمسة لبقيت الأدلة محفوظة بدلالاتها الحقيقية على أن الصلوات خمسة، تتضح لمن نظر فيها واطلع عليها، ولا يمكن أن تتغير تلك الدلالة تبعًا لقصد المخرف! فلو أنا نظرت في أدلة الإسلام لأعرف عدد الصلوات لن تخاطبني تلك الأدلة وتقول لي "أنا تغيرت دلالتي وعدد الصلوات أربعة لأن معنى لفظي تغير تبعا لقصد المخرف الذي أخطأ واعتقد أن الصلوات أربعة!!!" ثم بعد أن شطح الدكتور من (الدلالة إلى العمل) شطحة خرافية، قال في تبدل العمل مثلما قال في تبدل الدلالة! وهذا نص كلامه أعيد نقله (وقد يبلغ أثر القصد في العمل إلى حد أن ينقلب إلى ضده كما إذا كان العمل في ظاهره طاعة، لكن متى قُصد به الرياء، انقلب إلى معصية؛ أو إذا كان العمل في ظاهره مباحًا، لكن متى قُصد به التقرب، تغيّر وترقى إلى رتبة الطاعة)
 هذا باطل فالعمل بحد ذاته لا يتغير في ذاته أبداً! إنما الذي يتغير وصف العامل فيكون متعودًا غير مأجور، لو فعل المباح (كالترفيه مثلا) على سبيل العادة، ويكون متعبدًا مأجورًا لو فعل المباح (كالترفيه) على سبيل العبادة، كما أن العمل الطاعة (كالصلاة) لا يمكن أن ينقلب إلى معصية وإنما الانقلاب كذلك في وصف المصلي لو قصد بصلاته غير وجه الله! ولذلك جاء في الحديث الشريف { وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر} وصورته الوارد فيها رجل قاتل مع جيش المسلمين ثم انتحر وكان يقاتل حمية لا لله، وأبو حامد الغزالي يضرب مثلا آخر لهذا الحديث بعالم السوء الفاجر الذي قد ينفع الله بعلمه لو كان علمه صادقًا أي (مدرسيًا منضبطًا) كأن يكون دكتور جامعي في كلية الشريعة، فرغم أنه قد يكون فاجرًا ويقصد بعلمه العادة لا العبادة، ويكون ممن ينتهك حرمات الله إذا غاب عن أنظار الناس، إلا أنه قد يسمعه من لا يعلم فجورَه فيتأثر بكلامه ويتوجه بسببه وجهة ينصر الله بها الإسلام ويكون سبب توجهه تلك الوجهة هو ذلك العالم الفاجر! وللحديث صور أخرى، ولو كان عمل الفاجر ينقلب إلى معصية في ذاته، لما صح تصور أن ينصر الله به الدين، لأن الله يريد عدم وجود المعصة، يريد عدمها، ونصرة الإسلام بها تنافي إرادتَه عدمها ونفيَ وجودها وظهورها في الكون.
·       أما بخصوص قادعته المجردة سابقة الذكر فهي باطلة لا يصح تعميمها على كل من قصد خيرا بعمله أو بفكره الباطل، والأدلة على بطلانها من أبجديات الإسلام سأبينه في الرد القادم إن شاء الله.

تعليقات

المشاركات الشائعة