حول تشبيه السلفيين بأهل الحديث في مقابل أهل الرأي.

حول تشبيه السلفيين بأهل الحديث في مقابل أهل الرأي.
الأستاذ فهمي هويدي في مقال بعنوان "السلفيون بين الخائفين منهم والخائفين عليهم" سوى بين سلفيي هذا الزمان بأهل الحديث السابقين في مقابل أهل الرأي السابقين وأرجع تخلف السلفيين المعاصرين وجهلهم المعروف عند جميع الناس - عدا أنصار هم فقط - إلى كونهم من أهل الحديث السابقين، والمقصود بأهل الحديث - في هذا المقام - هم الأئمة الثلاثة كمالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأهل الرأي هم أبو حنيفة وأتباعه.
أقول : من أعظم الظلم أن نأخذ هؤلاء الأئمة بذنب المتخلفين المقلدين من أتباعهم المعاصرين كما أن في أتباعهم السابقين من كان متخلفا يظن أنه يتبعهم وهو في الحقيقة لا يتبعهم إنما هو جاهل مقلد ، وهؤلاء هم الذين واجههم الأئمة المجددون فيما سبق من زمان كابن تيمية وابن دقيق العيد وأمثالهم ، كيف إذن نسوي بين هؤلاء الأئمة العظام وبين السلفيين الجهال ( أقصد من الظاهرين على الساحة كلَّهم وأقصد من المختفين كثيرا منهم لا كلهم وتبقى قلة قليلة من المختفين هم سلفيون حقا وأهل علم ) كيف ذلك وقد أجمع علماء الأمة - بخلاف غلاة أهل البدعة - على فضل الأئمة الثلاثة في الإسلام حتى أن بعض العلماء يقول إننا نقطع لهم بالجنة لإجماع أهل الإسلام على الثناء عليهم وعلى أنهم من أئمة الهدى كما يدل عليه الحديث الصحيح أن الناس مروا بجنازة على رسول اللهِ فأثنوا عليها خيرا فقال : وجبت, ثم مروا بجنازة فأثنوا عليها شرا فقال : وجبت , وقال : إن بعضكم على بعض شهداء!"، وكيف وأن أتباع هؤلاء الأئمة هم أعاظم المفكرين المجددين في تاريخ الإسلام كأبي حامد الغزالي والشاطبي وابن تيمية وأمثالهم! وإن كانت بعض الآثار المروية عن الأئمة بعد هؤلاء الثلاثة تفيد أن الإمام أحمد منع الرأي من الأصل وإن لم يعارض النص بخلاف الثلاثة ؛ فلابد من أن نفهم مدلول مفهوم " الرأي" في هذا الزمان في إطار سياقه الاجتماعي والفكري حتى لا نزن أحدا بمعايير وهمية زائفة، وقد سألت الدكتور حاتم العوني عن تلك الآثار فقال لي المقصود منها " لا فرق بين الأئمة في مصادر التلقي الأصلية ، ومنها الرأي ( القياس) ، وأهم فرق بين الإمام أحمد والثلاثة أنه أقل منهم في فهم النص بناء على علله ومقاصده ، ولا يخلو من ذلك ، لكنه أقل ." ، أما القول المشهور بأن أبا حنيفة لم يكن من أهل الرأي والثلاثة من أهل الحديث فمعناه أن الظروف الاجتماعية والجغرافية في بيئة أبي حنيفة حالت بينه وبين الوصول إلى صحيح الحديث فكان يقول برأيه بحسب ما يصله من حديث - وكان يكثر في العراق وضع الأحاديث واختلاقها - هذا هو المقصود، وإلا فإن أبا حنيفة نفسه شأنه شأن كل الأئمة له كلمات صحيحة السند إليه يوصي فيها أتباعه ممن بعده أن يضربوا بقوله عرض الحائط إذا ثبت لهم أنه يعارض صحيح الحديث، لأنه لا يسع مسلما أن يعارض حديث نبينا - صلى الله عليه وسلم - وإلا كان مرتدا كفرا بإجماع العلماء، فلا يصح إرجاع جهل السلفيين المعاصرين إلى إتباعهم الحديث في مقابل أهل الرأي، ولكن السبب الصحيح وراء جهل السلفيين هو أنهم حين وجدوا الساحة خالية من دعاة الدين بفعل الحكومات العلمانية أرادوا ان يسدوا ذلك الثغر ويقوموا بفرض الله الذي افترضه على كل قادر وهو حماية الدين والدعوة إليه، ولكنهم لم يستفيدوا من العلماء المجددين الذين جددوا الدين في العصر الحديث كالمشايخ محمد عبده ورشيد رضا ومحمد دراز وابن باديس ومحب الدين الخطيب وأمثالهم، ولكنهم حصروا أنفسهم في نطاق علماء آخرين أفاضل لهم خصوصية جغرافية وبيئية شديدة الخصوصية كابن باز والألباني وأمثالهم، تلك الخصوصية التي لا تفي بمتطلبات أغلب شعوب المسلمين ذات الخصوصية المختلفة كخصوصية الشعب المصري والأردني والبحريني والكويتي رغم اشتراك العالم الإسلامي كله في الهوية الإسلامية العربية لكن يبقى لكل شعب خصوصية ثقافية في إطار الهوية المشتركة العامة، فهؤلاء السلفيون المعاصرين حين بدأوا الدعوة لم يعرفوا ولم يستفيدوا إلا من علماء أفاضل لهم خصوصية نفسية وجغرافية شديدة ومختلفة كثيرا عن خصوصيات باقي الشعوب الإسلامية فتعلموا منهم واقتصروا على كتبهم فنشأت لديهم ثغرات وفجوات فكرية كثيرة ومع مرور الوقت الطويل تسببت تلك الثغرات الفكرية المتراكمة في حدوث خلل عظيم في البنية العقلية والسلوكية لديهم ويستحيل إصلاح هذا الخلل عند من شابوا عليه، كما أن أصل الخلل عند بعضهم هو افتقادهم الشروط الفسيولوجية والبيولوجية التي اشترط أئمة السلف الصالح أن تتوفر عند من يقومون بذلك الفرض الكفائي - وهو الدعوة العلمية إلى الإسلام -، فصاروا مأساة فكرية حقيقية وصاروا عبئا ثقيلا على مجتمعاتهم يضيق بهم الناس من مختلف شرائح المجتمع - عوام ومثقفين وطلاب علم شرعي - بصيحات الإستهجان او الإشمئزاز،وهؤلاء في الحقيقة هم أمثال الإسلاميين الذين وُجدوا في عصر أهل الحديث المجددين وكان يصفهم ابن تيمية بالحُمُر التي تحمل أسفارا فهم قرؤوا كثيرا وحفظوا كثيرا لكن لا يفهمون كفهم أهل العلم، وكان يصفهم "الشوكاني" بأنهم بهائم فهم في مسلاخ إنسان.
ونحن نرجو من أنصارهم أن يستفيدوا من كلامي هذا ويبدأوا في التفقه من كتب المجددين المعاصرين الذين جددوا الدين في بيئة كبيئتنا المصرية ويدرسوا تراثهم ليعرفوا المنهج الذي ساروا عليه الذي يفي بمتطلبات العصر الفكرية والروحية، وأنا لا أعلم أحدا من أئمة السلفيين المعاصرين ينبه على ما نبهت عليه وإن مع اختلاف العبارة غير أقل القليل ويحضرني الآن من أسمائهم الدكتور أحمد بن عبد الرحمن القاضي وهو من أكابر شيوخ السلفية - لكن في السعودية لا في مصر -، وكذلك الدكتورالشريف حاتم عارف العوني وهو من أكابر علماء الحديث في المملكة السعودية، فليتهم يستفيدوا منهما

تعليقات

المشاركات الشائعة