حكم السلام على الكفار والفساق للدكتور " محمد دراز"

 حكم السلام على الكفار والفساق للدكتور " محمد دراز"
منقول من كتاب " المختار من كنوز السنة شرح أربعين حديثا في أصول الدين".
رجل سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - :" أي الإسلام خير" فقال " تطعم الطعام وتقرأالسلام على من عرفت ومن لم تعرف"

قوله عليه السلام :" على من عرفت ومن لم تعرف" بيان لتمام السنة في السلام وأنه لا يخص به المعارف والأصحاب دون غيرهم، فإن حق السلام تستوي فيه المعارف والنكرات بل السلام على من لا تعرف أدل على التواضع وأقرب إلى إخلاص العمل لله من السلام على من تعرف هذا إلى ما فيه من إدخال السرور عليه بافتتاحه بالمخاطبة والتأنيس، وما في تركه من شُبه الصدود والهجران المنهي عنه.
وظاهر هذا التعميم في الحديث أن السلام يقرأ على المؤمن والكافر والصالح والفاسق سواء. وإلى هذا ذهب بعض السلف، فقال " ابن وهب" و ابن عيينة ومحمد بن كعب:" يجوز ابتداء السلام على كل أحد ولو كان كافرا، لقوله تعالى {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً}، وقوله { لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} وقوله حكاية عن إبراهيم لأبيه {سَلَامٌ عَلَيْكَ ۖ} وقوله { فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ} وروى البيهقي في شعب الإيمان عن أبي أمامة - رضي الله عنه - أنه كان يسلم على كل من لقيه فسُئل عن ذلك، فقال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- :" إن الله جعل السلام تحية لأمتنا وأمانًا لأهل ذمتنا"، وجمهور الأئمة على أنه لا يُبتدأ الكافرُ بالسلام، ولا العاصي، تأديبا له حتى تظهر توبته. والأصل في ترك السلام على المؤمن الذي اقترف ذنبا، ما صنعه النبي - صلى الله عليه وسلم - " بكعب بن مالك" وصاحبيه حين تخلفوا عن غزوة " تبوك"، فقاطعهم الرسول المؤمنون خمسين يوما حتى { ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ
وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ}(1)، وأما عدم السلام على الكافر فالأصل فيه قوله - صلى الله عليه وسلم- :" لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام" رواه مسلم، قالوا:" فهذا نص خاص تُقيد به العمومات المخالفة له كما هي القاعدة الأصولية، وأجابوا عن سلام إبراهيم بأنه ليس سلام تحية بل سلام إعراض ومتاركة، وكذلك يُقال في قوله تعالى : {{ فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَام } وأشباهه.
ويؤخذ من كلام بعضهم التفرقة بين المحاربين وأهل الذمة، وخص " الطبري" النهي بما إذا لم يكن هناك ما يدعو إلى البدء بالسلام من حق صحبة أو جوار او مكافأة أو نحو ذلك، ولثبوت الخلاف في هذا الشأن عن السلف. قال " الإمام الأوزاعي":" إن سلمت فقد سلَم الصالحون وإن تركت فقد ترك الصالحون".
هذا كله إذا كان السلام بصيغة " السلام عليكم" أما إذا كان بغير الخطاب نحو: ( السلام على من اتبع الهدى) أو :" السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين" فلا خلاف في جوازه لثبوته عنه - صلى الله عليه وسلم - في دعوته الملوك إلى الإسلام. ويبقى النظر في حكم تحيتهم بغير السلام، نحو:" عِم صباحا أو مساء" والظاهر أنه يلتحق بالدعاء الجائز، ولا سيما إذا قُصِد به تأليفهم لا إعزازهم، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يتألف المشركين وأهل الكتاب بالصلات المالية والمجاملات الفعلية بعيادة المرضى ونحوها فكيف بطيب الكلام ولين القول، وهو الذي كان يوصي بالرفق في الأمر كله وكان إذا عطس اليهود شمّتهم فقال لهم: " يهديكم الله ويصلح بالكم" رواه أصحاب السنن وصححه الترمذي.
أما الرد عليهم إذا بدؤونا بالسلام فالجمهور على مشروعيته، سأل " محمد بن كعب" عمر بن عبد العزيز عن ابتداء أهل الذمة بالسلام فقال " عمر" :" نرد عليهم ولا نبدؤهم"، ولكن يُقتصر في إجابتهم على ما ورد به الإذن في حديث الصحيحين " إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا " وعليكم" (2)
-------------------------
(1) حمله الأكثر على التحريم، وقيل تنزيه. وتمام الحديث :" وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه" قال "القرطبي":" ليس معناه إذا لقيتموهم في طريق واسع فألجئوهم إلى حرفه حتى يضيق عليهم لأن ذلك أذًى لهم، وقد نُهينا عن أذاهم بغير سبب، بل معناه إذاكنتم في طريق ضيق فلا تتنحوا لهم عنه تضييقا على أنفسكم وإكراما لهم. وقال غيرُه: معناه لا تجعلوا لهم التصدُّر في جادة الطُرُق بل اجعلوا لهم جوانبها. واتفقوا على عدم إيذائهم بالتضييق حتى يصدمهم جدارٌ أو نحوه.
(2) هذا الحديث وارد على سبب خاص وهو أن بعض اليهود كانوا يقولون في تحيتهم للمسلمين :" السَام عليكم" والسام الموت. فناسب اختصار الرد عليهم بأن يُقال :" وعليكم" بمعنى :" إننا وإياكم ميتون" أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ " سورة الأنبياء" ولا يبعد أن يُقال بتعميم الرد عليهم إذا أحسنوا التحية، بل لا يبعد أن يكون النهي عن ابتدائهم بالسلام واردا على حال خاصة أيضا وهي حال المخاشنة وإرادة نبذ العهد كما تُركت التسمية في صدر سورة "براءة". إلا أن هذا يحتاج إلى توقيف، وربما أشار إلى هذا المعنى ما رواه " أحمد" عن " عقبة بن عامر" مرفوعا:" إني راكب غدا إلى " يهود" فلا تبدؤوهم بالسلام. وإذا سلّموا عليكم فقولوا :" وعليكم".

تعليقات

المشاركات الشائعة