سؤال عن توصيتي المستمرة بمنهج رشيد رضا ومحمد دراز

أخ يسألني عن سبب عدم ذكري لمحمد عبده حينما أذكر علماء التجديد الذين استطاعوا تلبية مطالب العقل المسلم المعاصر ومواجهة تحديات العصر الحديث بما يتفق ومنهج نبينا وصحابته وهما محمد رشيد رضا ومحمد دراز - ولا أذكر غيرهم لعدم علمي بهم عن بصيرة وقراءة إنما أذكر ما أعلمه بنفسي عن قناعة وقراءة مباشرة ونظر خاص وإن كان هناك أمثالهم من علماءنا المجددين كثر في العصر الحديث ولكني أذكر ما بلغه علمي فقط -.
أقول عدم ذكر محمد عبده وإن كان يوحي بنوع تقية أستعملها إلا أن الواقع غير ذلك لأن رشيد رضا هو محمد عبده وزيادة حيث أن المنبر الذي أنشأه رضا وهو مجلة المنار هو الذي حفظ لنا تراث الشيخ محمد عبده، ولأن الشيخ محمد عبده قال عن رشيد رضا إنه ترجمان أفكاره، فمنهجهما واحد إلا في المراجعات التي عقدها رشيد رضا في أواخر حياته وانتقد شيخه فيها وهي من جنس مباحث الصفات الإلاهية والتأويل الباطل ونحو ذلك وهي مسائل تعارك فيها علماء الإسلام طيلة التاريخ الإسلامي وزل فيها أئمة كبار كابن حجر والنووي والشاطبي والجويني وغيرهم -  فالأمر يسير طالما أن كل منهم كان صادق المسعى ولم يتعمد مخالفة الحق بعد ما علمه - أما ما دون ذلك فمنهجهما واحد وهو طرق بوابة التدين وطرق الباب إلى الله عن طريق الفكر والخيال والمقارنة بين الإسلام وبين الواقع المعاصر بعد أن يعلموه ويفهموه كما يفهمه المثقفون المفكرون " أهل الرأي العام القائد"لا كما يفهمه بسطاء التفكير العوام " أهل الرأي العام المنقاد المنساق" فمنهجهما إذن واحد كما يقول الشيخ الطاهر ابن عاشور، ثم يأتي الشيخ محمد دراز أيضا لم يتبع الشيخ محمد عبده في أخطاءه ولكن منهجه كمنهجهما الذي سبق ذكره وهو منهج نبينا وصحابته كما بين علما السلف كابن القيم في كتاب الفوائد وغيرهم أن بوابة التدين تكون بالفكر والخيال وبعلم الواقع المعاصر علما علميا لا خزعبليا ثم المقارنة بينه وبين دين الله وأحوال المتدينين به مع أحوال المتدينين بغيره - هذا عو عمل القلب لأن للقلب عملا كخوفه من الله ورجاءه ونحو ذلك وكذلك للمخ والعقل عملا وهو قصده للمعاني المتضمنة والناتجة من المنهج السابق ذكره . كذلك بدأ نبنيا مع صحابته في العهد المكي حتى نزلت الشريعة فكان إلتزام الصحابة بها نتيجة لعمل القلب والعقل وكان هذا الإلتزام أيضا وسيلة لترسيخ عمل القلب والعقل، فكانت الوسيلة والغاية هي عمل العقل والقلب، وللأسف وجدنا بعض الحركيين الإسلاميين وأتباعهم في عصرنا لا يبالون بهذا الأساس " عمل العقل والقلب" ويريدون القفز من فوقه إلى الأعمال المجسمة كالمقتولة بحثا في كتب الفقه كفقه الحج ونحو ذلك مما كان نتيجة لهذا الأساس، وهؤلاء لو فهموا الدين على وجهه لعرفوا أن الواجب هو البدء بما بدأ به نبينا، ولا يصح أن تلهيهم الأجسام والمحسوسات عن اللامرئيات التي هي أساس الدين ووسيلته وغايته حتى أن الله سبحانه وتعالى أثبت للامرئيات حقيقة وجودية لا تضاهيها حقيقة وجود المحسوسات والخشبيات كما في قوله تعالى {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى
الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ.}
ويفسرها ابن القيم بأن الله يريد أن يقول لنا إن العمى كله هو عمى القلب فإن كان شيئا منهما يُقصر عليه العمى فهو القلب لا البصر! أي اللامرئي لا الخشبي الحديدي المحسوس كما قالوا في حديث نبنيا " الحج عرفة" أي أن نبينا جعل الوقوف بعرفة وحده هو الحج رغم أن للحج مشاعر كثيرة لا يصح إلا بها ولكن هذا التعبير يدلنا على مدى العناية التي أولاها الشرع لهذا الشيء حتى كأنه يقصر الفائدة كلها عليه وحده دون غيره. وهذا هو منهج الثلاثة محمد عبده ورشيد رضا ومحمد دراز ولذلك ألح دوما على ضرورة إخضاع تراثهم للتحليل والبحث الجاد المستمر لأنه كما قال الإمام مالك " لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها"

تعليقات

المشاركات الشائعة