ردي على مقال "جملة اعتراضية بقلم د. علاء الأسواني"



هذا رد سريع على بعض النقاط الجوهرية التي وردت في مقال جملة اعتراضية بقلم د. علاء الأسواني..
كتبه / خالد المرسي
كتعليق عام أقول: إن المسمين بالنخبة دائما يتسرعون بالكتابة وبالقول دون أن يفهموا الموضوع الذي يعالجونه جيدا، وهذا لاحظته كثيرا في الخلافات التي تدور بين هذه النخبة وبين غيرهم من بعضهم أو من الاسلاميين.
فمثلا موضوعنا هذا يتكلم فيه الكاتب عن سبب ظاهرة التحرش ويرجعه إلى أننا لا نحترم المرأة ولا ننظر إليها كإنسان، فأقول: إن كان هذا واقعا فمن المسؤول عنه؟ هل المسؤول عنه هم الإسلاميون كما يشير مقاله؟ وكيف صاروا مسؤولين عنه؟ ثم هل الظاهرة الإجتماعية يمكن أن تُرد إلى سبب واحد أم أنها دوما ترد إلى سبب مركب كما هو معروف؟ فإن كان الإسلاميون ركزوا على الظاهر أكثر من الباطن – وهذه حقيقة أعترف بها ويعترف بها أغلب الشيوخ الآن وهم في سبيل استدراكها - هل يصل هذا الخطأ إلى أن يجعله السبب الكامل في هذه الظاهرة؟ وهل الإسلاميون الذين يدعون إلى حجاب المرأة وصونها من يد المغرضين؛ هم المتسببون في تحويلها إلى سلعة في أعين المصريين بدلا من إنسانة؟ كيف هذا؟ يا ليتك تشرحه لنا بكلام معقول، ثم إنه هناك تحرش من النساء بالنساء أيضا فلو كان تفسيره صحيحا فلماذا وُجدت ظاهرة تحرش النساء ببعضهن؟.
وفي فقرة أخرى ينتقد الكاتب من يُرجع ظاهرة التحرش إلى ملابس الفتيات المثيرة، والواقع أن ظاهرة كظاهرة التحرش مسئوليتها موزعة بين الرجل والمرأة والمجتمع كله كالحكومة وأصحاب الأملاك والأباء وغيرهم، وهذا أبو العلمانيين العرب " سلامة موسى" قد أرجع ظاهرة الإختناق الجنسي إلى المجتمع كله رغم معاركه مع الإسلاميين في زمنه، لأنه كان موضوعيا بشكل يجعلنا نحترم نتاجه ونتعلم منه مع تفادينا أخطائه الخطيرة يقول: " الاختناق الاقتصادى الذى يؤدى إلى التعطل، وكذلك الاختناق الجنسى الذى يحول دون الزواج، كلاهما عائق عن نمو الشخصية، بل كلاهما يدفع إلى الإجرام أو الرذيلة، والمجتمع الحاضر هو المسئول وحده عن هذا النظام، والنصح للفرد بأن يعالج هذه الحال بكيت وكيت هو كلام سخيف عقيم"" وهذا التحليل الدقيق مما يظهر كذلك خطأ نقد الكاتب لبعض الأهالي الذين يفضلون الستر على المتحرش بعدم ملاحقته قضائيا ؛ لأن هؤلاء الأهالي عرفوا سر المشكلة وأن مسئوليتها موزعة على الجميع، وهم يشعرون بالحالة النفسية لهذا المتحرش، بل إن الأهالي أنفسهم يعانون من مشكلة الإختانق الجنسي حيث لا تخلو أسرة من أبناء وبنات يعانون نفس المشاكل والبيوت مليئة بالأسرار ( البلاوي)!، فهؤلاء الأهالي لشعورهم بعظم المشكلة وبضعف الأبناء ( وهو ما لم يشعر به الكاتب) قد يشفقون عليه من ضياع مستقبله وفضحه وفضح أهله بتحرير قضايا رسمية وشعورهم الطيب المسؤول هذا لا يعني رضاهم عن خطأه!بل هم قد يزجرونه أو يعنفونه بل وقد يضربونه تأديبا ثم يتركوه، فنقد الدكتور في هذه الجزئية غير صحيح تماما كبقية نقده. ثم هو من ناحية أخرى يُرجع سبب التحرش إلى تركيز الإسلاميين على الظاهر، ووإنما كلامه هذا يكون معقولا إذا افترضنا أن دعوة الإسلاميين وصلت للمتحرشين كوصولها للمتدينين وأن المتحرشين استجابوا لها وصاروا يُحسبون على جمهور الإسلاميين المتدينين، وهذا طبعا غير حادث، كما أن هؤلاء المتحرشين لا يمثلون الشعب المصري كله حتى يسحب حكمه عليهم – لو صح وهو غير صحيح- يسحبه على جموع الشعب المصري الطيب!، يتضح من ذلك أن كلامه غير معقول من هذه الجهة بالاضافة للجهات السابقة،
 ثم تكلم الكاتب عن تزايد ظاهرة التحرش في عصرنا عما كانت عليه في القرن الماضي رغم سفور النساء فيه، فأقول: هل هذا الفرق يرجع إلى عدم وجود الصحوة الإسلامية في هذا الزمن، كما يشير مقاله؟! ولنسأله أيضا: لماذا لا يكون سبب هذا الفارق يرجع إلى خلو هذا الزمن من أسباب  تضخم هذه الظاهرة التي وُجدت بعد ذلك في زماننا؛ كشيوع أجهزة الإعلام التي تهيج الغريزة والمتاحة مجانا للجميع، وكتضاعف عدد السكان وغلاء الأسعار وتزايد الجشع والحرص على المادة من جهة الملاك والأهالي،  كل ذلك بسبب موجة العولمة التي اكتسحت زماننا فشملت العالم كله بلوثات المادية ونقص الروحانيات مع التزايد الجنوني في نسبة العنوسة كما "أظهرت دراسة الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء أن عدد من وصلوا إلى سن الخامسة والثلاثين دون زواج - فى مصر - بلغ تسعة ملايين شخص، منهم ما يزيد على ثلاثة ملايين امرأة وستة ملايين رجل! وظاهرة العنوسة متفشية فى كل دول العالم العربى كذلك! "فلماذا ألغى الكاتب كل هذه الحسابات التي يذكرها كثير من المتخصصين عند تحليلهم لمثل هذه الظواهر الاجتماعية؟ لأنه غير موضوعي وينتقي ما يتفق ومزاجه واعتقاده فقط.
الكاتب يستدل بظاهرة التحرش على خطأ قولنا " الشعب المصري متدين بطبعه" فهل هو يعرف المراد من هذه العبارة وأخفاه تلبيسا على القارئ؟ أم أنه لا يعرف المراد منها أصلا؟ أيا ما يكون، فتوضيح المراد من هذه العبارة يبين فساد استدلالاته وافتراضاته من أساسها. حينما نطلق وصف التدين على جماعة من الناس يكون مدلول هذا الوصف مختلفا بحسب السياق، ففي عبارتنا " الشعوب العربية – أو المصري - متدين بطبعه " يكون المعنى حبه الدين ( القرآن والسنة ورموزه كالصحابة وأئمة الدين في التاريخ) بحيث يحترمهم ويغار إذا انتقص منهم أحد كما يحدث من هبات الشعوب حينما يُسب نبينا أو تهان رموز الدين، ولا نقصد بعبارتنا هذه أن الشعوب العربية صارت ملتزمة بتفاصيل الإسلام فهذا غير صحيح كما هو مشاهد للجميع. إذا فالمراد بتدين الشعب تدين جميعه بلا استثناء – حتى تجار المدرات والزناة - على مستوى الحب والمشاعر لا على مستوى الإرادة والعزيمة والعلم بتفاصيل الإسلام وهذا واضح من حال الشعوب كلها، وتعني تدين كثير من الشعوب بما تعرف وتفهم من تفاصيل الإسلام كالتزامهم  بالعبادات ونحو ذلك وتاريخ المصارف الإسلامية التي انتشرت في الثمانينيات من هذا القرن شاهد على ذلك حيث اجتذبت عملاء سحبوا معاملاتهم مع البنوك الربوية رغم أن ربحها أكبر من ربح المصارف الإسلامية تدينا لله وحرصا على تجنب أكل الحرام وقد نجحت هذه المصارف حتى قضت عليها الحكومة المصرية.
 وحينما نصف الشعوب الغربية بأنها متدينة نقصد أن هذه الشعوب في عصورها السابقة كلها كانت تعتقد بوجود الله ولم تكن ملحدة ( بخلاف مقصودنا من اطلاق التدين في العبارة السابقة).
 وحينما نصف الكائن الإنساني بأنه ( حيوان ديني) رغم أن في الجنس البشري ملحدين ينكرون التدين ووجود الله فيكون المقصود هو التدين بمعناه الذي لا ينفك عنه إنسان بحكم طبيعته البشرية، وهو النزوع إلى اكتشاف أجوبة على الأسئلة الوجودية الكبرى كمن خلق العالم؟ وما مصيرنا بعد الموت؟ ونحو ذلك، وما من إنسان حتى الملحد إلا وهو يحدد موقفه من هذه الأسئلة،هذا معنى التدين في مثل هذا الإطلاق وهو مختلف عن سابقيه.
 وحينما نصف البهائم والجمادات بانها متدينة فيكون معناه التدين الوارد في قول الله تعالى {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾(الإسراء ٤٤)، فالإطلاق إذن يختلف من سياق إلى آخر.
 ولكننا معاشر العرب لا نبالي كثيرا بالتفاصيل ولا نبالي بتحرير العلاقة بين الدليل ومدلولاته لأننا مستهترون مهملون وهذا هو الفرق بيننا وبين النخبة الغربية التي نهضت ببلادها.

تعليقات

‏قال خالد المرسي
وضعت رابط هذا الموضوع في صفحة الأسواني الآن فجائني في التو تعليق على المدونة في قمة الهبوط الأخلاقي علما بأن الدكتور علاء الآن متواجد في صفحته مما يجعلني أظن أنه كاتب التعليق لا سيما وأنه " صاحب كاس" ((:
لعله زود العيار حبتين ((: عأبو الابداع الذي لا يأتي إلا بالكوباية. وحذف تعليقي الذي فيه رابط الموضوع ثم منعني من التعليق على صفحته لثاني مرة

المشاركات الشائعة