مناهج الناس في سلوكهم من وجهة نظر القرآن الكريم للدكتور محمد دراز.




1-بين العدل والفضل .
بقلم الدكتور/محمد عبدالله دراز (( 1312 - 1377 هـ = 1894 - 1958 م
لقد نظرنا مليًا الى مناهج الناس ومشاربهم في سلوكهم فوجدناهم يصدرون في معاملاتهم عن إحدى نزعات ثلاث: إما نزعة الاستئثار، وإما نزعة الإيثار، وإما نزعة المبادلة والمعادلة.
نزعة الاستئسار نزعة يغلب فيها حب الأخذ على حب العطاء، ونزعة الإيثار نزعة يزيد فيها حب البذل والنفع على حب الأخذ والانتفاع، ونزعة المبادلة نزعة يتقابل فيها الطرفان على حد سواء.
بعض الناس يميل بطبعه إلى الاستئثار والعلو: يحفظ ما في يده ويتطلع إلى ما في يد غيره، يَكيل لنفسه بالكيل الأوفى، ولغيره بالبَخس والخُسران، يَظلم قبل أن يُظلَم، فإذا أُوذي أسرف في الانتقام، وجاوز الحد في العقاب، وهكذا يسعى إلى أن يكون أبدًا هو الغالب الرابح، ولو بالإثم والباطل!.
وبعضٌ يستوحي في معاملته قانون العدل والمساواة، ولكنه يطبقه من جانبه تطبيقًا صارمًا، فلا يعطي إلا بقدر ما يأخذ، ولا يجزي إلاعلى وفق ما ينال، لا يحب أن يُظلم، ولكنه أيضًا لا يُغضي على قذى: فهو يجزي بالسوء سوءًا كما يجزي بالإحسان إحسانًا.
وبعضهم تَغلب عليه نزعة السماحة واليسر، فهو إلى العفو والصفح أميل منه إلى الانتقام، وهو إلى بذل واجبه أسرع منه الى استيفاء حقه، تسخو نفسه بأن يُعطي أكثر مما يأخذ، وأن يتنقص من حظه ليزيد في حظ الآخرين، ما قيمة هذه المنازع الثلاثة في نظر القرآن؟
لعل من نافلة القول أن نفيض في بيان حكم القرآن على الفئة الأُولى سجية الأثرة والبغي والعلو، فالقرآن مشحون بذمها ومقتها والنعي عليها: {وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا}(1). {تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا}(2). {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ، الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ،وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ، أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ ، لِيَوْمٍ عَظِيمٍ ، يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِ}(3).
فإذا جاوزنا نطاق هذه الفئة المذمومة إلى ذوي المبدأين الآخرين،( مبدأ المحاسبة على قانون المساواة والعدل، ومبدأ السماحة والفضل)، فقد يلوح لنا في بادئ الرأي أننا نتجه بذلك نحو مبدأين ساميين، ومثلين حميدين ، وقد نظن أن التفاوت بينهما في نظر القرآن لن يكون إلا تفاوتًا في مراتب النُبل والسُمو، على حين يجمعها شعار الفضيلة، وينتظمهما شرف الحمد والثناء.
فهل يصدق هذا الظن؟
هل إذا نظرنا إلى هذين المبدأين في مرآة القرآن الحكيم، نراهما معروضين في معرض الفضائل المأمور بها، أو المثني عليها؟، وهل نجد التفاوت بين مكانيهما في معرض الأخلاق القرآنية ليس إلا تفاوتًا في مقدار الحث والترغيب، ومبلغ الحمد والثناء؟
هيهات هيهات!.
إن القرآن حين وزّع القيم الأخلاقية على هذه المبادئ لم يجعل القسمة بينهما قسمة ثنائية، ولكنه جعلها قسمة ثلاثية، لها طرفان ووسط جعل من بينها فضيلة واحدة رفعها الى الطرف الأعلى، تلك هي فضيلة الإيثار، وجعل من بينها رذيلة واحدة وضعها في الطرف الأدنى، تلك هي رذيلة الإستئثار، أما الوسط بين الطرفين وهو مبدأ المقاصة الدقيقة بين الحقوق والواجبات وتحري المساواة بينهما – تلك القاعدة التي كانت الحكمة اليونانية تعدّها أم الفضائل فإنها في نظر القرآن ليست فضيلة ولا رذيلة، إنها لا تستحق عنده مدحًا ولا ذمًا، وإنما هي رخصة مباحة لا ثواب لها ولا عقاب عليها.
من كان في شك من ذلك، فليقرأ قول الله – جلت حكمته –: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ، إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ، وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}(4).
هكذا دَفعُ رذيلة الظلم والبغي فجعلها مناط الذم واللوم، ومُجلبة العقاب الأليم، ثم أشاد بفضيلة الصبر والمغفرة فجعلها من عزم الأمور وكتب على نفسه أنه سيدخر الأجر لصاحبها حيث قال:{ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}(5). أما المقاصة في الانتصاف من الظلم فإنه لم يتبعها ذمًا ولا ثناءًا، ولم يرتب عليها ثوابًا ولا عقابًا، وكان كل حكمه فيها أنه رفع الحرج واللوم عن صاحبها، فقال: {فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ}.
هذه القسمة الثلاثية نجدها في مواضع كثيرة من القرآن الحكيم: يقول الله – جل ثناؤه -: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ}(6).{ إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا}(7). نهى الناس بادئ ذي بدئ أن يغلظ بعضهم لبعض بالفاحش من القول،فهذه هي الخطة المذمومة، خطة البدء بالإساءة وقد بين أنها تستوجب غضب الله، ثم استثنى من استحقاق هذا الغضب من كانت إساءته ردًا لمظلمة، فأشار إلى أن من عفا عن سوء فقد تخلق بأخلاق الله، ثم ألا يذكر الذي أُسئ اليه أنه هو نفسه ليس بريئًا من الذنوب، ولا معصومًا من السيئات، فإن كان يحب أن يغفر الله له فليغفر هو لأخيه: {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ}(8).
ولنستمع إلى مثال ثالث من هذه القسمة الثلاثية في القرآن، يقول الله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ}(9. فبين في هذه الجملة الوجيزة بُعد المدى بين طرفي الرذيلة والفضيلة، رذيلة الأخذ بغير حق وفضيلة البذل لما هو أكثر من المستحَق. ثم ذكر الوسط بينهما بعد ذلك في أسلوب التمليك والتخيير، دون ترغيب ولا ترهيب، فقال- عز شأنه – {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ }(10).
نعم إن من حقك أن تستوفي دينك كاملاً غير منقوص، ولكن الحق شيئ وكرم الأخلاق شيئ آخر، ولذلك عاد مرة أخرى إلى الترغيب في فضيلة المسامحة والمكارمة، فقال –عظمت رحمته - : {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}(11).
وبعد: فإنه على الرغم من وضوح هذه الدلائل والشواهد لا تزال ها هنا شُبهة قوية، وكأني بالسائلين من كل جانب: كيف ننزل هكذا بمبدأ العدل والمساواة، فنخرجه من نطاق الفضائل والرذائل، ونجعله أمرًا مباحًا مرخصًا فيه، لا يستحق مدحًا ولا ذمًا، ولا أمرًا ولا نهيًا؟ أليس القرآن نفسه قد كرر الأمر به والثناء عليه في أكثر من موضع؟. {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ}(12). {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}(13).{ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}(14).
ذلك مُبين في المقال التالي:
وقبل أن نعود الى إيضاح العدل، لابد من بيان فضل الإيثار، الذي لا يساويه أي فضل. ويكفيك شرفًا به أن الله امتدح أقوامًا آثروا ضيفهم على أنفسهم وأولادهم.وهذا القرآن الكريم يوضح ذلك بقوله: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ }(15)وقد وعد البشير النذير المعنيين ببشارة المدح التي بنص القرآن الكريم.
(2) متى يكون العدل فضيلة؟
سؤالٌ ينتظر جوابًا: ذلك هو السؤال عن مبدأ " المعاملة بالمثل" وعن قيمته الأخلاقية في نظر الحكمة القرآنية. من قضية هذا المبدأ أن يعامل الرجل أخاه على أساس المساواة في الخير وفي الشر: يجزيه بالسوء سوءًا وبالإحسان إحسانًا، لا ينتقص من حظ نفسه شيئا ليزيد في حظ أخيه، ولا ينتقص من حظ أخيه شيئا ليزيد في حظ نفسه، ولكن يُعطيه بقدر ما يأخذ منه.
هل هذه المبادلة والمعادلة فضيلة محمودة في دستور القرآن، يأمر بها أو يرغب فيها، أو يثني عليها؟.
لقد قَلَبنا النظر في جوانب كثيرة من إرشادات القرآن الحكيم، سواءًا في نطاق المعاملات المالية، أو في دائرة الشئون الاجتماعية، أو في معرض الأحداث الجنائية – فوجدناه في كل ذلك ينهى عن التزيد في حق النفس ويحض على الزيادة في حق الغير، أما المعاملة بالمثل فلا نجد فيه نهيًا عنها ولا تحريضًا عليها، وإنما نجد إذنًا وتخييرًا ورفعًا للحرج، لا زائدًا على ذلك.
هكذا نظرنا في القرآن حين يتحدث في شأن المعاملة المالية، فوجدناه من جهة ينهى عن أخذ الربا، وعن أكل أموال الناس بالباطل، ومن الجهة الأخرى يأمر الدائن بإنظار مدينه المُعسر، ويندبه إلى التصدق عليه بدينه، أما المحاسبة على السواء فلا يذكرها القرآن قادحًا أو مادحًا ولكن يذكرها مقررًا لوضعها القانوني المباح: { وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ}(16).
ثم نظرنا في القرآن حين يتناول أساليب المخالطة والمعاشرة، فوجدناه من جهة ينهى عن الفحش والأذى والخشونة والغلظة، ومن جهة أخرى يأمر بالعفو عن الأذى، والإعراض عن اللغو، ويثني الثناء المكرر على مقابلة الإساءة بالإحسان، أو بالتي هي أحسن؛ أما مقابلة السيئة بالسيئة فيتركها حقًا سائغًا لمن حرص عليها غير باغ ولا عاد.
ثم نظرنا في القرآن حين عرض لجريمة الإفك والقذف، فوجدناه ينهانا أن نعامل القاذف بقطع ما بيننا وبينه من رجم، أو بمنع ما يستحقه لدينا من برٍ وصلة، ويحرضنا أشد التحريض على أن نشمله بكريم الصفح والمغفرة التماسًا لعفو الله ولمغفرته.
فإذا استقصينا هذا المثل وأشباهها، فإن المنطق يتقاضانا أن نستخلص منها هذه القضية الكلية: وهي أن المعاملة الفاضلة في نظر القرآن إنما هي المعاملة على قاعدة احتمال الأذى، وبذل الأكثر، وأخذ الأقل، أعني أنها هي التي تقوم على العفو والإيثار والفضل. وأن الرذيلة إنما هي الطرف الأقصى في منع الحق، وأخذ ما ليس بمستحق. أعني أنها تقوم على الجور والاستئثار والبخس. أما الخطة التي بين بين، وهي المعاملة بالمساواة والمعادلة الدقيقة – فإنها إذا وزنت في معايير الحكمة القرآنية لم تستحق أن تسمى فضيلة ولا رذيلة، وإنما هي رخصة لا يتوجه إليها أمر ولا نهي، ولا يناط بها مدحٌ ولا ذم، ولا يستحق صاحبها ثوابًا ولا عقابًا.
لكن الإشكال البارز في هذه النظرية أنها في بادئ الرأي تصادم المعقول والمنقول: أما المعقول فهو ما تقرر في الفطر السليمة، أن العدل فضيلة، بل هو أُسُ الفضائل.
وأما المنقول فالقرآن الكريم نفسه كثيرًا ما يشيد بمبدأِ العدل والمساواة: { كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ}(17).{ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}(18).{ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}(19).
فلننظر الآن في حل هذه المشكلة، وفي إزالة هذا التعارض:
مفتاح المسألة في نظرنا هو الفصل التام بين مقامين: مقام الحكم ومقام المعاملة.
فمقام الحكم هو مجال العدل الدقيق الصارم، ومقام المعاملة هو مجال العفو والمسامحة، والمكارمة والمجاملة.
فالقاضي حين يفصل بين الخصمين، والوالد حين يوزع بره بين أولاده ، والمربي والمعلم، والوصي والقَيم؛ وكل راع في رعيته – ليس له أن يُحابي أو يجامل، أو يؤثر أو يُفضل، إذ كيف يؤثر بما لغيره، وكيف يتفضل بما ليس من حقه؟.
أتتملكه عاطفة الإحسان على البائس الفقير، فيجامله في الحكم كاملاً؟: { إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا}(20).
أتدفعه سَورة الغضب على العدو فيضاعف عليه الغرم؟. كلا . { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا}(21)
أتحمله صلة القرابة أو النسب أو عصبية الإقليم على التحيّز لإخوانه فيها ظالمين أو مظلومين؟. كلا . { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}(22)
أيحزُ في نفسه منظر العقوبة؟. أيزعجه صوت الشكاية، فيعفو عن الجريمة بعد أن ذاع خبرها، ورُفع إليه أمرها؟. كلا { وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ}(23).
أيترك دولة الإسلام نهبًا لأعدائها، أو يُقطعهم شبرًا من أرضها أو يمنحهم حق التحكم في رقبة من رقاب أهلها؟كلا.إن أرض الإسلام وحقوق المسلمين ليست ملكًا لفرد ولا جماعة، وليست حقًا لأمة ولا لجيل من الأمم، إنما هي حق الأجيال كلها حتى يرث الله الأرض ومن عليها، فالتسامح فيها تصرف في حق الغير، والضن بها والدفاع عنها إنما هي غضب لحرمة الله والوطن : { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ}(24).{ وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}(25).
هكذا نرى أن المجال الذي يكون فيه العدل فضيلة محمودة، بل فريضة مكتوبة؛ هو المجال الذي تكون أنت فيه طرفًا ثالثًَا وسطًا بين الطرفين. فيكون واجبك أن توفى كلاً منهما حقه غير منقوص ولا مزيد، وكل شيئ من المكارمة والإيثار هنا هو الجور بعينه،
هذا هو ما نسميه مقام الحكم والفصل بين الناس. ونحن إذا تأملنا أكثر النصوص القرآنية التي وردت في مدح العدل والأمر به، وجدناها صريحة في هذا الباب:{ وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}(26)،{ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ}(27)،{ وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ}(28)
أما حيث تكون أنت أحد الطرفين تتصرف في شيئك وتساوم في حقك. فهذا هو ما نسميه مقام المعاملة. وهذا هو المجال الذي تتوجه فيه دعوة القرآن الى العفو والمسامحة، وإلى الإيثار والمجاملة، وهو المجال الذي يخرج فيه مبدأُ العدل والمساواة من نطاق الفضائل والرذائل جميعًا. إذ يهبط من مستوى الواجبات إلى مستوى الرخص والمباحات ، وتبقى الفضيلة للفضل وحده :{ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}(29)

 (1)سورة طه:111.
(2)سورة القصص:83.
(3)سورة المطففين: 1- 6.
(4)سورة الشورى:41-43.
(5)سورة الشورى:40.
(6،7)سورة النساء:148-149.
(8)سورة النور:22.
(9)سورة البقرة:276.
(10،11)سورة البقرة:279،280.
(12) سورة النساء:135.
(13)سورة المائدة:8.
(14) سورة الحجرات:9.
(15)سورة الحشر:9.
(16) سورة البقرة:279.
(17) سورة  النساء:135.
(18) سورة المائدة:8.
(19)سورة الحجرات:9.
(20) سورة النساء:135.
(21)سورة المائدة:8.
(22) سورة الحجرات:9.
(23) سورة النور:2.
(24) سورة البقرة: 190.
(25) سورة النساء:75.
(26)سورة النساء:58
(27) سورة ص: 26.
(28) سورة المائدة:42.
(29) سورة لقمان:17.

تعليقات

المشاركات الشائعة