مثال من فتنة المسلمين والنصارى، على الأثر العكسي الخطير لشيوخ الدين في بلادنا.

مثال من فتنة المسلمين والنصارى، على الأثر العكسي الخطير لشيوخ الدين في بلادنا.
السفهاء إذا سادوا الأمة صار متعذرًا مجرد توصيف الأثار الخطيرة الناجمة عنهم وشرحها ومعرفتها فضلاً عن التحكم فيها! وسأتخذ هنا مسألة الفتنة الحادثة بسبب إعلان شيوخ الدين الجهلاء كفر النصارى على المنابر العمومية كالفضائيات، سأتخذ منها مثالا، ومسألة أوصف وأشرح آثارها الخطيرة في هذا المسألة، وبيان أنهم لم يصلحوا عقائد النصارى كما هو هدفهم من نشاطاتهم تلك، بل وأن فسادهم طالل عقائد المسلمين البسطاء فيما يتعلق بعلاقة الملل الأخرى بدينهم الإسلام، فلا هم حسّنوا عقائد النصارى، ولا هم حافظوا على اعتقاد المسلمين للملل الأخرى كالنصرانية اليوم، وفي بحثي هذا سأغض النظر نهائيًا عن أي فتنة اجتماعية تسببوا فيها، وإنما الكلام عن آثارهم الخطيرة في العقائد الحقة التي كانت تعتقد بها طبقة المسلمين البسطاء، البسطاء فقط، وسأغض النظر تماما عن الذين درسوا العلوم الشرعية والمدنية، وكل من هو غيرهم هو المعني بوصف "البسطاء" ولكن يدخل فيه كثير منهم، لكن بعض الدارسين لا يدخل لأن افتقاده لتلك العقائد متسبب عن أيديولجيات اقتنعوا بها لا متسبب أصالة عن التبرم من  الشيوخ السفهاء كما هو الحال في البسطاء وكثير من الدارسين.
المسلم البسيط أو المسيحي البسيط كالتاجر والمهندس والسباك والطبيب... الذي هو نشأ على عقيدته الموروثة عن أباءهم هو بحكم "التعريف" مؤمن وكافر، مؤمن بعقيدته وكافر بأي عقيدة أخرى، هذا بحكم التعريف وإن لم يتلفظ ويستحضر هذا الكفر بالملل الأخرى استحضارًا شعوريا قويا، ولذلك لم يشترط علماء المسلمين في المسلم إذا بلغ سنه واكتمل عقله أي شيء زائدا على (تقليده لأباءه في الدين) لكي يكون مسلما، ومن اشترط " النظر" من المعتزلة كلامه باطل، لأن تقليد هذا الغلام لا ينفك عن دليل ما ولو بسيط كما نص علماء السنة وأشار اليه الدكتور محمد دراز في كتاب "نظرات في الإسلام" وكذلك لم يشترط علماء الاسلام في هذا المسلم البالغ أن يقول انا كافر ببوذا وبالصنم وبالبقرة وبكون عيسى وأمه الهين و وو.. إلى آخر أسماء ما عبد من دون الله! إذن فمجرد تقليد الشاب المسلم لأبائه في الدين صيره مسلما وإن لم يتعمد استحضار كفره بملة ما من الملل الأخرى الموجودة في مجتمعه! هو بذلك ثبت له وصف الإسلام عند الله لأن الإيمان ثابت في عقله مع غفلته عن كل ما يعارضه، أو غفلته عن كفر صريح بملة ما! لأنه أصلاً بحكم التعريف كافر بالنصرانية مثلا، فخصيصة الكفر مستقرة في عقله، كيف عرفنا استقرارها فيه؟ بمظاهرها، لأن كل خصيصة كائنة في الوجود نعرفها بمظاهرها وعلاماتها كما يقول "إميل دور كايم"، ومن مظاهرها أن هذا المسلم أو المسيحي لو قال أحد أصدقائهما له تعال اليوم نغير معبدنا (من المسجد إلى الكنيسة او العكس) نتعبد فيه لقال له "أجننت"؟! هذا السلوك مظهر على وجود خصيصة في عقله تفيد أن هذا الدين الآخر ملة معارضة مع ملته! وهذا هو ذاته الكفر الذي رضيه الله من المسلم بالملل الأخرى، فالله تعبدنا بمعاني تستقر في عقولنا ولم يشترط لصحتها أي ألفاظ (إلا في قلة من العبادات الاسلامية كالصلاة مثلا) ولذلك الفهم الصحيح لكلام الله أو كلام علماء الدين  يسير وراء المعاني لا الألفاظ  كما شرح ذلك الدكتور حاتم العوني في كتابه "ضوابط منهجية لفهم كلام أهل العلم" وهو يرد على الشيوخ السفهاء المنسوبين للسلفية الذين يعكسون هذه القضية!.
 الذي جد اليوم أن كثير من المسلمين فقدوا هذا الاعتقاد البسيط الذين كانوا يستبطنونه بحكم التعريف، وكذا كثير من النصارى صار لو سمعه رده بضيق رغم أنه كان يستبطنه أيضا! كيف افتقده الفريقان؟ قلنا إن المسلم بحكم التعريف رضي الله منه إسلامه بوضعه التقليدي هذا بدون أن يتبصر في أحكام دينه وتصوراته وبما يناقضها ويعارضها، وكذلك النصراني يرى نفسه مؤمنا الايمان الحق بالله أي أصل الايمان، وأصله غير متوقف على تبصره بأحكام دينه وتصوراته وبما يناقضه من عقائد أخرى، لكن هذا المسلم او النصراني لو اكتفى بأصل ايمانه هذا لشك فيه إذا شكّكه أحد، فلو كلمه أحد لمدة خمس دقائق واخترع أي كلام باطل يمكن بسهولة أن يشككه في دينه أو يجعله يقتنع بما يعارضه! فيفقد إيمانه البسيط الذي كان يستبطنه، وهكذا تحت ظرف كهذا يشك (أو يفقد إيمانه) إذا شُكِّك أو عورض، وكذلك تحت ظروف أخرى مماثلة يشك أو يفقد، كالظرف الذي نعيشه اليوم، وخلاصته أن شيوخًا جهلاء سمعتهم العقلية والرشدية سيئة لدى الجماهير (وإن احترمتهم هذه الجماهير احتراما للدين الذين ينتسبون إليه وكرامه له فقط!) يأتون في منابر عامة ويتحدثون عن فساد عقائد النصارى في ظل أجواء كلها إرهاب فكري وتوتر وإرهاب دموي ولا سيما استهداف دموي للنصارى وشيوع التعصب واحتقار الآخرين، طبيعي في جو كهذا أن يستقبل بعض الناس مسلمين ونصارى بسطاء، يستقبلون كلام هؤلاء الشيوخ بعدم الارتياح والنفور والمعارضة، هنا وتحت هذا الظرف افتقد المسلم عقيدته البسيطة التي كان يستبطنها والتى ارتضاها الله منه! لأن هذا المسلم الذي يعارض القول بتكفير النصارى، صار بمعارضته هذه ممن يرتكب حرامًا من الاعتقاد يغضب اللهَ الاعتقادُ به، لكنه لا يكفر عند الله لأن الله يعذر بالجهل والتأويل وعدم القصد، لكنه وقع في حرام من الاعتقاد وافتقد العقيدة البسيطة التي كان يستبطنها، وكذلك النصراني بمعارضته لكلام هؤلاء الشيوخ افتقد الاعتقاد البسيط الذي كان يستبطنه حيث لم يكن يشعر (سابقا) بأي ضيق أو معارضة لو سمع مسلما أو تصور أن مسلما قال لمسلم تعال اليوم نتعبد في الكنيسة فرد عليه المسلم بقوله "أجننت؟!" وهكذا تحت هذا الظرف افتقد المسلم اعتقاده البسيط الذي رضيه الله منه كدليل على أصل إسلامه له، وافتقد النصراني اعتقاده البسيط الذي رضيه لنفسه ورضيه له قساوسته وربه كما يعتقد، افتقده الفريقان بلا شعور واعي لمبررات موضوعية لفقده، تحت وطأة الطاقة والآثار الخبيثة الناشئة عن ترؤس شيوخ الجهل على مجتمعاتنا، بلا شعور واعي في الأصل، ثم ما لبث الفريقان بعد ذلك أن انحاز لكلام يتداول هنا وهناك كبراهين مدّعاة على صدق معارضته وموضوعيتها! والكلام هذا كثير من أدعياء العلم والثقافة من المسلمين والنصارى، فيسبق حين ذلك إلى ظن المراقبين وكذلك ظن المعارضين البسطاء أن معارضتهم نشأت من أثر براهين شعورية، لكن الحقيقة أن البراهين هذه ظواهر عرَضية للمعارضة، والسبب الأصلي هو نفسي لا شعوري، هو يفزع من مفاهيم الكراهية البارزة على العام من الشيوخ ضد النصارى ولا يدري منشئها وكيفية ردها فوجد اقرب وسيلة إليه )لشهرتها على ألسن البعض وسهولتها على فهمه( هيإزالة الكفر عن أهل الدين الاسلامي او المسيحي او اي دين.
 وقديما نص الشاطبي على أن السفهاء إذا قاموا بدور العلماء في المجتمع ليخدموا الدين في ظنهم تكون النتيجة أنهم يضربون أصول الدين بفروعه وواجباته بسننه، وهذا حدث اليوم ومثاله مشروح في الموضوع الذي تناوله مقالي هذا.
هذه المعالجة لموضوع ظاهر في حياتنا اليوم تدل على ما ذكرته في صدر هذا المقال من تعذر توصيف وشرح ومعرفة ما يحدث في المجتمع حين يسوده السفهاء، لأنكم ترون الشرح معقدا وغريبا في الأنظار، فإذا كان هذا حال التعرف على موضوع ظاهر بارز من أثار هؤلاء السفهاء ، فما ظنكم بحجم الصعوبة التي تكتنف محاولة شرح وتعريف بقية التصورات في الحياة الفردية والاجتماعية الغاطسة في المجتمع المتأثرة بما يسوده من علاقات وأنشطة وتفاعلات!
خالد المرسي

تعليقات

المشاركات الشائعة