متغايرون متماثلون.



متغايرون متماثلون.
يقول الله تعالى {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}
هذه آية عجيبة، تحمل فكرا لا أعمق منه، الآية تقول إن استبدال قوم بقوم لا يلزم منه أن يكون المستبدَل ليس مثل المستبدل به، هو يكون غيره فقط، لكنه يمكن أن (لا يكون) مثله في حالة واحدة، إذا كان المستبدل به غيرَ المستبدل منه؛ وكان من أهل الحق، وأقرب مثال لذلك الخوارج الذين كانوا جماعة واحدة متحدة في الانحراف ثم انشق منها جماعات كثيرة كل منها تكفر الأخرى، فالجماعة المنشقة منها غير المنشقة عنها، وهي على صواب في الانشقاق وفي الغيرية، لكنها مثلها في الانحراف ، فلا يزال وصف الخوارج يشمل كل هذه الجماعات المنشقة، وكذلك أهل الباطل والخطأ ينشقون على بعض ويضللون بعضا، وهم على حق في الانشقاق والتغاير، لكنهم متماثلون، أي : لا يزالون أمثالهم، فهم (متغايرون متماثلون) متغايرون حين انشق بعضهم عن بعض، وضلل بعضهم بعضا (كما نرى في عصرنا الحديث من الإسلاميين بكافة توجهاتهم) لكنهم متماثلون في أنهم كلهم اشتركوا وتماثلوا في الحيدة عن المنهج الحق في فهم الإسلام، المنهج الواحد الذي قال فيه نبينا "ما أنا عليه اليوم وأصحابي" وهو المنهج الذي أجمع عليه الأغلبية الساحقة من علماء الإسلام على مر العصور المختلفة حتى أهل البدعة وإن ابتدعوا في أبواب ما فهم يجمعون مع بقية العلماء على ملامح منهجية كثيرة جدا، هو منهج واحد لن ينضب حتى قيام الساعة ولذلك أفرد الله وصف { إِمَامًا} في قوله تعالى {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا } رغم أن الداعين جمع، لأن الأئمة على اختلاف أزمانهم وأجيالهم كإمام واحد له منهج يستخدمه ويزيده توثيقا لقدمه ورسوخه وتقاطُر المفكرين عليه بالتجريب والاستعمال والجدال عنه.
إذا فالواجب على أهل الحق أن يتوفر فيهم ميزتان على أهل الباطل والخطأ 1- أن يكونوا غيرهم 2- ثم لا يكونوا أمثالهم.
إذن فالعلاقة بين (المتغايرين المتماثلين) وبين (المتغايرين غير المتماثلين) يمكن تمثيلها بمسطرة من 20 سم، سنجد كل (المتغايرين المتماثلين) يحتلون مكانا داخل هذه المسطرة، لكن لا شك أن من يقف في أعلى نقطة منها هو أفضل حالا ممن يقف في أسفلها، لكن الجميع يشترك في كونه قابعا داخل المسطرة، أما (المتغايرين غير المتماثلين) فهم وجدوا مكانهم خارج هذه المسطرة نهائيا، وبتمثيل  آخر سنقول إن (المتغايرين المتماثلين) يشتركون في صندوق واحد، وأحسنهم حالا من يقبع في أعالى الصندوق وأسوأهم حالا من يقبع في قاعه، لكن كلهم حالهم سيء من حيث اشتراكهم في هذا الصندوق، أما (المتغايرين غير المتماثلين) فهم وجدوا مكانهم خارج الصندوق كله! وفي قول الله {ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} التعبير بحرف "ثم" يفيد التراخي، ويدل على أن وصف (عدم المثلية) لا يتحقق في أهل الحق بمجرد انشقاقهم وصيرورتهم (غيرا/ متماثلين) لكنهم يحتاجون فترة طويلة بعد الانشقاق وبعد معرفتهم ضلال الضالين لكي لا يكونوا مثلهم (متغايرين غير متماثلين) والسر في ضرورة هذا التأخر الزمني هو أن الأفكار والعواطف الكبري المجردة الحاضة والمحفزة والمؤسسة لفكر العاملين في نهضة مجتمعاتهم تكون واحدة غير مختلفة ويشتركون فيها، ولذلك انظر إلى الشعارات التي يرفعها العاملون في أي مجتمع لنهضته، كالوطنية وحقوق الإنسان وحقوق الفقراء، تجدها واحدة لكن إذا تعمقت في تقاصيل هؤلاء العاملين وجدت منهم من ينقض شعاراته ولا يسير وفقها، وكذلك انظر إلى أهل الحق وأهل الباطل من الإسلاميين، تجدهم مشتركين في  شعارات كثيرة وأدلة كثيرة، لكن إذا تعمقت في تفاصيل سيرهم وجدت كثيرا منهم ينقض هذه الشعارات والأدلة إما بسوء قصده أو بسوء فهمه، وقد أشرت لذلك الاشتراك في الأفكار والعواطف المجردة (العقلية والشرعية) في هذا المقال عند حديثي عن كل من الحقيقة الشرعية والحقيقة العقلية
http://elmorsykhalid.blogspot.com.eg/2016/03/blog-post_7.html
، ومن أبرز (المتغايرين غير المتماثلين) في عصرنا الحديث هم شيوخي الذين تحدثت عنهم هنا
http://elmorsykhalid.blogspot.com.eg/2017/04/1.html
أما أغلب (ولا أقول كل) من هو غيرهم فهم للأسف (متغايرون متماثلون) وخلاف هذا الأغلب هم كشيوخي من حيث الإجمال لا التفصيل، ومن طريق المصادفة لا الانتظام كشيوخي، وهم نافعون لمجتمعاتهم بالطبع وليسوا كالأغلب المتخلفين.
خالد المرسي

تعليقات

المشاركات الشائعة