هل يوجد في بلادنا في العصر الحديث مفكرون وباحثون علميون؟(1)

هل يوجد في بلادنا في العصر الحديث مفكرون وباحثون علميون؟(1)
لست سعيدًا بكتابة هذه المقالات، فالإنسان الخبيث هو الذي يسعد بفشل الآخرين، ولكن الثورات العربية أظهرت شرورًا كثيرة كانت كامنة قبلها، مما جعل الكثيرون حتى اليوم يفزعون من هذه الشرور ومن أهلها (كمن أدمنوا المعارضة السياسية من إسلاميين ومدنيين، وكالمؤيدين الجهال من بعض شيوخ الجهل) أمّا حين كانت الشرور كامنة فكانت لا تستفزنا كثيرا إذ لا ينتبه للشر الكامن غير العلماء الحقيقيين الذين هم غير موجودين اليوم.
بالطبع الإجابة على سؤال المقال هي "لا يوجد مفكرون ولا باحثون علميون" ومما يبين  ضرورة كتابة هذه المقالات أن كل الشرور والخراب والتخلف السائد بأمتنا في عصرنا الحديث نابع من الوهم بأن في بلادنا مفكرون وعلماء شريعة، أي مفكرون في العلوم الإنسانية كعلوم النفس والاجتماع والسياسة والإدارة والاقتصاد والتخطيط ...الخ، فإنه إذا كان لدينا مفكرون علميون وكانت الحكومة والمجتمع لا تولياهم الاهتمام اللائق بهم (كما هو حادث فعلا) نتج من ذلك الاعتقاد بأن الحكومة تقدر على النهوض بالمجتمع لكنها لا تريد لأنها تكره الإسلام أو تكره الوطن وتقدم مصالحهاالشخصية عليه، وكذلك الشعب سيكون متخلفًا يقتل علماءه ومفكريه، هذا هو ما يعتقده المدعوين (مفكرين) وعلى أساسه أنتجوا فكرًا مشربًا بهذه الروح العدائية تجاه حكومتهم وشعبهم، ويغتر بهم بعض الناس (قليلون يتبعون المدنيين وأكثر منهم يتبعون الشيوخ) فلو عرف هؤلاء حقيقة أن هؤلاء ليسوا مفكرين علميين لتغيرت اتجاهاتهم.
 هدفي من هذه المقالات إقامة الأدلة النقلية من اعترافات أكابر منهم، إما بنقلهم أراء الغرب  مقرين له أو بكلامهم الشخصي من باب (وشهد شاهد من أهلها) ثم أتبع  ذلك بإقامة البراهين على ما أبغي.
 كل من لم يتلوث عقله بتعلم العلوم النظرية (المدنية والشرعية) التي حيتكر تفسيرها وشرحها هؤلاء المفكرون والعلماء، يعرف الحقيقة التي أود الكشف عنها  بفطرته من واقع خبرته المبتذلة بمفكرينا وأنشطتهم (وهي دالة رغم ابتذالها) فهؤلاء لا يحتاجون التفلسف والتحليل إلا من باب التأكيد، أما غيرهم ممن يتثقف أو يتخصص في هذه العلوم النظرية من الشباب فهو محتاج إلى هذه البراهين لأقنعه أن هؤلاء المفكرين ليسوا علميين كما يدعون، وأنه لا يصح الاعتماد عليهم في بناء العقل وتكوين الآراء والقناعات والاتجاهات عن العالم وما يحيط بنا من ناس وأحداث، لكن لهم فائدة سطحية للمتخصصين أمثالي، فأنا أقرأ لهم وأستفيد، لكنها استفادة الناقد الذي يعرف قيمة من يقرأ له، كما سأشير لذلك في البراهين، لكن هل هذه الفائدة السطحية يمكن أن تشمل طالبي التثقيف غير المتخصصين؟ لا أعلم، وأكاد أقطع أنها لا تشملهم.
 وسنبدأ الآن بالأدلة النقلية، يقول الأستاد "سيد يس" عن الدراسات الغربية والإسرائيلية في عقول مفكرينا :" "تنسب إلى دول العالم المتقدم خاصية في التفكير والبحث العلمي وهي (النظرة التفصيلية) وتنسب إلى دول العالم المتخلف كالدول العربية الإسلامية اليوم خاصية (النظرة الشمولية) إذ المعرفة الصحيحة لا تُكتشف إلا بعد تقسيمها إلى عدد كبير من الحالات والقضايا الفردية المستقلة.." (منقول بتصرف طفيف من كتاب "الأسطورة الصهيوينة والانتفاضة الفلسطينية" تأليف "السيد يس" صادر عن "الهيئة المصرية العامة للكتاب" 2001م، ص 243.) وكما هو معلوم فإن التفكير العمومي أو الشمولي غير المحدد، لا يمت إلى العلم بصلة، بل هو من قبيل الخرافة والوهم كما سأشير إلى ذلك في البراهين.
 ويقول الدكتور "سعد الدين إبراهيم "عن :"علماء الاجتماع، والأنثروبوولجيا، والنفس، والسياسة، والإعلام، والآثار ، وفئات أخرى عديدة.." أنه "يمكن للمجتمع أن يعيش ويتقدم بغيرهم. و(يقول) وبشكل آخر لو وضعنا السؤال: ماذا يحدث للوطن العربي إذا اختفى كل علماء الاجتماع فجأة؟ والإجابة هي: لا شيء سيحدث للمجتمع سلبا وإيجابا..." (انظر كتابه، تأمل الآفاق المستقبلية لعلم الاجتماع في الوطن العربي (نحو علم اجتماع عربي) ص 356)
 ويقول الدكتور"محمد التركي" عن الأطروحات الفكرية لزعماء النهضة العربية في العصر الحديث:"...إلا أن جميع هذه الأطروحات التي قدمها زعماء الإصلاح في هذا المجال بقيت في عرضها وتحاليلها حبيسة الواقع السياسي والا جتماعي والثقافي الذي حاولت تشخيصه والسعي إلى تجاوزه. فهي لم ترتفع إلى المرتبة النظرية التجريدية المطلوبة التي تسمح لها بتأسيس مفاهيم جديدة قادرة على خلق البديل النظري الشامل" (انظر مقدمته لترجمته لكتاب "الإقتصاد والمجتمع، السيادة" لماكس فيبر،  المنظمة العربية للترجمة، ص 12) والعلة من وراء هذا الخلل المشار إليه  في كلامه هي عدم وجود فكر تجريدي نظري، وهذا صحيح إذ العلم لا يتصور بدون نظرية.
 ويقول الدكتور "أحمد زايد" الذي درس "عينة مكونة من 36 رسالة دكتوراة مسجلة في الجامعات المصرية، في التخصصات التالية، علم الاجتماع، ودراسات الاتصال، وعلم السياسة، وعلم التربية، وقال إن دراسته قد تصدق على كل رسائل الدكتوراة في كل فروع المعرفة العلمية الاجتماعية كعلم النفس والقانون واللغويات والتاريخ والجغرافيا..." يقول الدكتور عن العلاقة بين النظرية وبين البحث في هذه الرسائل ما نصه :" وثمة ملاحظة جديرة بالاهتمام، وهي أن هذه النظريات على كثرتها –أحيانا- لا تنعكس في تناول المادة الميدانية، ولا يتم حتى اشتقاق فروض منها، فقط ثمة جزء نظري قائم في الرسالة لإستيفاء الشكل، يكون في الغالب مقطوع الصلة بما قبله وما بعده، قد نستثني من ذلك عدد قليل من الرسائل" (انظر بحثه المنشور في كتاب، الاتجاهات البحثية لرسائل الدكتوراه في الجامعات العربية، مصاعب التفكير من خارج الصندوق، الجزء الأول، ص 88)
وهذا يدل على أنه لا توجد بحوث علمية في بلادنا إذ العلم بدون نظرية هو جهل وسطحية تضر العقل ولا تنفعه، وسمعت الدكتور "معتز بالله عبد الفتاح" يقول بأسى: إن الغرب حين يريد معرفة الواقع المصري يلجأ إلى كتب "نجيب محفوظ" انتهى كلامه، رغم أن نجيب محفوظ أديب لا مفكر، ورغم أن أكابر مفكيرنا طيلة حياتهم عملوا لحساب مراكز أوروبية سخية التمويل ويدرسون مجتمعاتنا لحسابهم وبتمويل منهم!! وهناك اعترافات أخرى من دكاترة في مقالاتهم، وكل هذه النقول تدل على أن مفكرينا زائفون وهذا هو المطلوب وفي المقالات القادمة سأتحدث عن البراهين .
خالد المرسي

تعليقات

المشاركات الشائعة