العيب في علماء الدين لا في الدين يا أستاذة منى.



كتبت الأستاذة منى على صفحة الفيسبوك الخاصة بها اليوم ما يلي :" أنا بريئة من كل الأديان.. في حاجه غلط إما الناس .. وإما فكرة الدين اصلا فيه حاجه غلط أقسم إن فيه حاجه غلط فيه كذب علينا من اللي وصلولنا الدين وفهمونا إن دا الدين .. كل الأديان .. فيه حاجه غلط أنا مش مجنونة الناس اللي بتتكلم بالدين هم اللي في عقولهم حاجه غلط مخلياهم مصدقين"
ولبيان الموضوع من أوله لمن يهمه الأمر أقول: عقد شيخي الدكتور "طه العلواني" – حفظه الله - دورة لإعداد باحثين شرعيين كمنحة مجانية لطلاب الدراسات العليا، وأنا كعادتي أُحسن الظن في العلماء رغم أني أعلم من فوضويتهم العلمية وجهلهم الشيء الكثير، لكني أحسن الظن بمن لا أعرفه معرفة مسبقة منهم، ثم إني استأنست باسم شيخي الدكتور العلواني، ودعوت السلفين المهتمين بالعلم الشرعي إلى الدورة على مدونتي وطمأنتهم بأن الدكتور المتخصص في مقرر العقيدة معجب بتراث ابن تيمية ومشغول بقراءته حتى يحضروا له عن اطمئنان ولما حضرت هذه الدورة وجدت الأستاذة منى احدى الحاضرات تخرجت من جامعة الأزهر كلية أصول الدين تسأل الدكتور محمد السيد الجلينيد " دكتور العقيدة" أسئلة عجيبة رائعة جدا تدل على نباهة عقلها وانشغالها بالتفكير في الدين ( والتفكير فيه هو البوابة الوحيدة الموصلة إلى الله وإلى معرفته حق المعرفة كما يقول الإمام ابن القيم في كتابه الفوائد وكما تواترت على ذلك نصوص القرآن الكريم ) لكن بشرط أن يجد طالبُ المعرفة عالما وسط جماعة علمية لديهم معرفة صحيحة بالإسلام ليستطيع إجابته عما يجهله وتطوير ما أجاد فيه وتشجيعه إلى مزيد من التفكير والتطوير في ذلك الاتجاه وتفعيله.
ولكن لسوء حظ الأستاذة منى كان يجلس أمامها دكتور لا يفهم ولا يُفهِم ويظن أنه الفهامة المُفهم وأن من لا يفهمه هو الضال المخذول! ظل يخرّف في نقاشاته معها وأحيانا يقسو عليها بالكلمات حتى هيّج عليها بعض الحاضرات من زميلاتها للهجوم عليها!، علقتُ على ذلك حينها تعليقا سريعا لضيق الوقت تجدونه في هذه الروابط
http://elmorsykhalid.blogspot.com/2014/08/blog-post_25.html

أما أنا فناقشت هذا الدكتور حوالي خمس مرات لكي يفدني بجواب صحيح فلم أجد! بل أجده يقول القول وينقضه في نفس السياق بعد ثلاثين ثانية تقريبا من تفاعله مع سؤالي الذي أسأله بحنكة وخبرة ماضية لكي أعرف كيف يفكر وكيف سيجيب، حتى اتهمني في مرة أنني أحرف كلامه، وأنا لم أحرفه ولكنه هو لغياب عقله لا يدرك اللوازم المنطقية لكلامه، فكلامه وكلام أمثاله ممن يُدعون – باطلا وزورا – علماء دين والذين يتصورونه تعليما وشرحا للإسلام هو في نظري من جنس الكلام الذي قال فيه سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم "وإن العبد ليتكلم بالكلمة -من سَخَط الله- لا يُلْقِي لها بالاً، يهوي بها في جهنم" لا من جنس الكلام الذي قال فيه الله تعالى{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ}!، وفي نهاية جوابه أجدني عاجزا عن المواصلة حتى لا نتعارك، فأقول له شكرا وكأنه أفادني ثم أجلس.
أمر طبيعي أنه لو تفاعل معنا إنسان عقله متألق يفكر ويسأل، ولاحظ ما لا حظته من تناقض هذا الدكتور فإما أن يحترم عقله ويكفر بالإسلام! أو يظل يسمع للدكتور ويتلقى تلقي تلقيني لا يفكر فيه ولا يتأمله، فيصير إيمانه بالإسلام هو إيمان متوقفي العقول، وإيمان هؤلاء إيمان جامد لا يحدث أثرا في الحياة كما هو المُفترض في الإيمان الإسلامي الصحيح.
ومن عجب أن في هذه الدورة قرأت من مكتبة الرواق الخاصة بالدكتور العلواني وزوجته الدكتورة منى أبو الفضل – رحمها الله - كتابا بعنوان " دليل الدراسات العليا في جامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية" التي أسسها شيخي الدكتور طه العلواني، ففي بيانهم لأهداف الجامعة ذكروا ملاحظات على التعليم الديني وعلى العلماء الدينيين منها أنهم يقولون القول وينقضوه في نفس السياق وهم لا يشعرون بسبب أنهم تعلموا العلم الديني بلا منهجية ولكن بحفظ وفوضوية! . هذا ما لا حظته تطبيقيا مع هذا الدكتور، وكنت قد لاحظته قبل ذلك ولكن ليس بالظهور الشديد الذي ظهر به هذا الدكتور! ولحظته كذلك مع نقاشات أخرى له مع بقية الطلبة.
لا يزال أئمتنا ينبهون إلى خطورة علماء الدين الجاهلين على الإسلام فهذا شيخي "محمد رشيد رضا" منذ ما يزيد عن مئة عام إن سبب انتشار الملحدين هو أن علماء الإسلام لا يفهمون الدين على وجهه --- وكتب هو و أمثاله كلاما كثيرا في ذلك، فماذا يفعل المسلمون لنصرة دينهم؟! عليهم وعلى الحاكم المسلم الحالي أن يدعم التجديد الديني عن طريق دعم أهله القادرين عليه، لكن كيف إذا كان أهل الأزهر الشريف والأوقاف غير قادرين؟ لا علم دقيق لي عن شيخ الأزهر الدكتور  أحمد الطيب، ولكن الذي أعلمه جيدا أن التيار الفكري الوحيد الذي استطاع فهم الإسلام ولديه القدرة على التجديد بل ولهم حوالي خمسين عاما يعملون بكل جهدهم في سبيل ذلك هو تيار إسلامية المعرفة على الوجه الذي شرحه به مشايخنا كإسماعيل الفاروقي وطه العلواني وعبد الحميد ابو سليمان ومنى أبو الفضل وأمثالهم، وطبعا من قبلهم أئمتنا من نفس المنهج - وإن اختلفوا في بعض العناصر كعادة المجددين –  كالدكتور محمد دراز ورشيد رضا وأمثالهمها. فهؤلاء على المجتمع الالتفاف حولهم لفهم فكرهم ودعمهم ومؤازرتهم وعلى رئيس الجمهورية لو كان مدركا لهذه المشكلة ومتفهما لحلها بفضل ثقافته الذاتية أن يؤازرهم وهذا أول ما سيُسئل عنه ونُسئل عنه يوم القيامة كما اعترف هو بذلك حين قال وكرر في أكثر من لقاء قبل نجاحه في انتخابات الرئاسة إن أول واجب عليه أمام الله هو حماية الدين ممن يفسدونه من الجهلة الذين يتصورون أنفسهم علماء.

تعليقات

المشاركات الشائعة