رفقًا بالعاتبين والناقدين

رفقًا بالعاتبين والناقدين

خالد المرسي   |  10-11-2011 00:20 

لا أستطيع أن أصف لكم مدى حزني وقهري من الذي يفعل مع الدكتور الطبيب "محمد عبد الرحمن" وما يتَهم به، هذا الطبيب الذي تجرأ وأرسل رسالة عتاب للسلفيين وينتقدهم في أشياء طالما انتٌقِد فيها السلفيون منذ سنين طويلة سرًا وعلنًا فلا هم يستجيبون ولا يحسنون ردًا حتى تفجرت الثورة على السلفية السائدة من داخل السعودية منذ عدة أشهر، وكان قائدها ومتفردها – المُعلّن الظاهر - هو الدكتور الشريف" حاتم العوني" عبر مقاله " سنصدع بالحق" ثم لا يزل إلى الآن صادعا بالحق في خواطره الفيسبوكية ومقالاته وكتبه.


هذا الطبيب المسكين الذي تجرأ وكتب مقاله العتابي النقدي، ورغم أنه طبيب وليس عالما شرعيا إلا أنني أصف مقاله بأرقى مستويات العلمية ( المعروفة عند الفقهاء العلماء) لا ( الحفاظ النقلة)، فبدل أن نشكر هذا الرجل ونشجع أمثاله على النقد، ونتقبل ما عندهم من حق ونرد ما لديه من خطأ بالأسلوب الجميل وبالتعليم، فبدل ذلك كله نعنفهم بل نتهمهم بإرادة تشويه صورة السلفيين العاملين للاسلام! بل نتهمهم بالاستخفاف بأهم أصول العقيدة الإسلامية!!!!! كما فعل المستشار " أحمد السيد علي ".

يا الله ، لا أستطيع أن أصف مدى تألمي من هذا الحال، وأقول لهؤلاء بإختصار: لنفرض – جدلاً – أن الدكتور محمد أورد في مقاله أمثلة فقهية وصف الخلاف فيها بالسائغ وهو في الحقيقة غير سائغ، أيكون عتابه ليس في محله؟ قطعا لا ،هو في محله ويبقى الحق معه لأنه ينتقد جزئية محددة وهي أن الدعاة السلفيين عندهم – وكثيرون منهم كذلك في أغلب البلاد - صاروا مصدر إزعاج وقلق، وقطعًا هذا لا يجوز بالإجماع وممن أجمعوا على ذلك الأئمة السلفيون المعاصرون كابن سعدي والعثيمين وابن باز ورشيد رضا ومحمد دراز ومحب الدين الخطيب ونحوهم وسيرتهم شاهدة بذلك مع التغريبيين فضلا عن المخالفين الاسلاميين فضلا عن العوام ، وكان شيوخ السعودية في موقع سياسي واجتماعي يمكنهم من الشدة في اللفظ دون أية مساءلة أو نقد شعبي أو رسمي.

وتفصيل ذلك أن على الداعية المسلم أيا كان منهجه يجب عليه أن يكون كالنسمة الرقيقة وكالبلسم في أعين قومه المسلمين لا أن يكون مصدر إزعاج وقلق ، فليس للداعية إلا أن يبين للناس الحق بأدلته وبالأسلوب الجميل اللطيف المقنع، ليس له سوى ذلك لأنه ليس عليهم بمسيطر (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ) ولا بجبار (وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ ) ولا يجوز لنا أن نؤذيهم ونضيق عليهم باللفظ لنرهقهم نفسيا فيستجيبوا رغمًا عنهم!!!!، ولهم الخيار بعد ذلك في الاتباع أو عدمه، ولو لم يتبعوا بقي لهم حق الإخوة الايمانية وبقي لهم حق الدعوة إلى الدين كله - غير المقصور في ما لم يستجيبوا لنا فيه - وهذا الواجب الدعوي يستحيل أن نحققه ونستمر فيه ونحن ننفرهم ونؤذيهم نفسيًا ومعنويًا حيث إن الإلحاح على الناس لإكراههم على الاتباع والتضييق عليهم هو من أعظم الإيذاء والتنطع والإنغلاق، وإذا كنا نقطع بأن هؤلاء العوام والمخالفين لنا يحبون دينهم ويؤدون فرائضه وإن قصروا في بعض الجوانب فهل يحق لنا أن نقاطعهم أو نتخذ السبيل الى مضايقتهم وعرقلتهم وإزعاجهم منهجا ؟!، نحن دعاة الى الله لسنا أكثر من ذلك، نحن لسنا حكاما في بلادنا فنرغم الناس على أراءنا ، نحن دعاة المفترض فينا أن لا ننفر الناس ، وعلى هذا إجماع أهل العلم إلا من شذ من بعض المعاصرين المنشغلين بعلم مصطلح الحديث والجرح والتعديل! ونحن نعلم من آثارهم الفكرية التي خلفوها أن عقولهم أقصر بكثير من أن تتقن علوم الدين الجوهرية وأن تحكم في الواقع الاجتماعي والفكري والحضاري المعاصر بحكم منضبط شرعيا وفكريا ! فلماذا نتبعهم ونترك أئمة الدين العدول الذين شهدت لهم أثارهم الفكرية بالعمق الفكري والتعمق في العلوم الاسلامية الجوهرية( لا الخادمة كعلم مصطلح الحديث والجرح والتعديل) تلك العلوم الجوهرية المقصودة بإرسال الرسل وإنزال الكتب والتي عكف عليها نبينا – عليه الصلاة والسلام - طوال فترة بعثته يتعلمها من جبريل – عليه السلام - ويعلمها للصحابة – رضوان الله عليهم -!!!.

فإذا كان هذا هو الواجب من حال الدعاة الى الله في المسائل التي لا يسوغ فيها الخلاف فكيف بحالهم في المسائل التي لا يظهر بطلان أحد أراء المختلفين فيها كما هو حال كل المسائل التي أوردها الدكتور محمد في مقاله – بل ومنها ما ظهر بطلان رأي المخالف له فيه!!!- .

وأما كلامه عن توحيد الأسماء والصفات الذي اتُهم بسببه بالاستخفاف بأصول الدين فأقول فيه: إن الذي عناه الدكتور محمد ليس هو علم العقيدة الإسلامية ولكنه علم ضوابط العقيدة الإسلامية، وشتان بينهما، وهذا العلم الثاني – للأسف – هو الذي يتقنه أغلب السلفيون وملؤوا كتبهم وتسجيلاتهم به – كما يقول شيخنا محمد اسماعيل المقدم –، وأما علم العقيدة الإسلامية فلا يتقنونه!، وعلم ضوابط العقيدة هذا ليس له مهمة سوى رسم الحدود التي تقي المسلم من الوقوع في بدع الأسماء والصفات كالتعطيل والتمثيل والتكييف، ويكفي كل مسلم منه أن يقرأ فيه كتابا صغيرا 100 صفحة مثلا أو يسمع ما يعادله من التسجيلات، أما التعمق منه والإكثار فيه فلا يجوز لنا أن نشغل المسلمين به لأنه كما قال الدكتور محمد "يورث الضجر والملل" ولا علاقة له بالحياة ولا بالدين الذي أنزله الله ، إنما ينشغل به ويتعمق فيه المتخصصون الذين تخصصوا لحفظ جناب الدين في هذا المجال! فأين استخفاف الدكتور بأصول العقيدة إذا؟!.

أما علم العقيدة الإسلامية فهذا العلم هو الذي يجب على كل مسلم أن يدمن طلبه وتعلمه حتى الممات لأنه علم لا ينتهي تبعًا لعدم إنتهاء موضوعه وهو الله رب العالمين الحي القيوم .

تعليقات

المشاركات الشائعة