الله " دين الإسلام" أصل المعارف


ملخص.
هذا المقال نتيجة حوار دار بيني وبين أحد الناس، أثبت فيه أن المفكرين من أهل الدرجات الأولى إذا فكروا وهم لا يؤمنون بدين الإسلام – أصولا وفروعا – باعتباره أصل المعارف النافعة وواهبها، وباعتباره الحق المطلق واليقين الذي لا ريب فيه –، سيفقدون تركيزهم إذا قُدر لهم أن يقودوا نهضة فكرية علمية في مجتمعاتهم المحلية أو العالمية ، وأنهم لن يصلوا إلى تكوين صروح معرفية محكمة راسخة في ذاتها؛ لفقدانهم التركيز والفهم الدقيق للأشياء وأصولها ونهايتها، وبالطبع سيؤثر عدم تركيزهم هذا في حياة المجتمع الذي يقودونه تأثيرا سلبيا ضارا للغاية لأن هذا المجتمع بعلومه الطبيعية والاجتماعية  - يدور في نفس الطريق الذي رسمه له المفكرون من أهل الدرجات الأولى، كما هو حال العالم المعاصر، ولا منجى من هذا الوضع البائس إلا بأن يساهم مفكرون من أهل الدرجات الأولى مساهمة فعالة واقعية تعيد تشكيل الواقع المعاصر، قوامها الصروح المعرفية التي سيؤسسونها انطلاقا من دين الإسلام أصوله وفروعه.
ولم أذكر كل ما في ذهني في المقال مكتفيا بما فيه كنقطة انطلاق لحوار حول تفاصيله مع الكاتب وحول ما يثيره من مشكلات تحتاج إلى حل.
تنبيه: ما في هذا المقال هو من منظور الاعتقاد الإسلامي وحسب، ولم أستدل بكلام المفكرين غير المسلمين إلا لأنهم صادفوا الحق الصحيح في كلامهم الذي اقتطفته من وسط صروحهم المعرفية التي أسسوها، أي: هم صادفوه غير مكتمل، فاستدللت به أيضا كنوع من اشتراك الفكر وتصديق بعضه البعض بيننا وبينهم، لعل هذا الاشتراك يشجع بعضهم على النظر في مادة المقال بعين الاعتبار ويواصل معي البحث لعله يجد ضالته فيه.


الله " دين الإسلام" أصل المعارف
بقلم/ خالد المرسي

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد :
هذه نتيجة حوار بحثي بيني وبين أحد الأصدقاء أرجو أن تُؤخذ نتيجته بعين الاعتبار والانطلاق منه كنواة للنقاش حول ما تثيره من تحديات أو فرص مع الكاتب.
دار بيني وبين أحد الإخوة حوار حول صيغة دينية ابتكرها نيوتن فأجبته أنها تفتقد أهم عناصر التدين المستنبطة من الوحدة المعنوية السارية في الأديان التي لم يخلو منها مجتمع إنساني – سواء كان دينا صحيحا أو محرفا أو وضعيا -  وأن صيغة نيوتن فلسفية لا دينية، وهي أحد المحاولات المتعددة لابتكار صيغة تجمع بين الدينية والعقلانية بعد ما اكتشف الغرب منذ القرن الثامن عشر بطلان اعتقادهم المسيحي كدين موضوعي بفعل اكتشافات علوم الطبيعة والاجتماع.

قلت بعد ذلك : ولما كان الأمر كما وصفت لك من تشعب مذاهب فلاسفة القرن الثامن عشر وما بعده في البحث عن صيغة يستمدون منها أصول المعرفة " الثقافة اللامادية" التي هي أصل " الثقافة المادية أي العلوم الطبيعية وما شابهها" لما كان هذا تشعبهم باختلاف نزعاتهم النفسية والاجتماعية وأهدافهم العامة ، وأيضا لما كانت المعرفة المعاصرة تتضخم يوما بعد يوم بشكل لم نعرف له نظير في تاريخ الجنس البشري المدون، حتى أن المتخصصين المتمحضين لتخصصهم لا يستطيعون متابعة شيء قليل مما يُكتب في تخصصهم - في الحين الذي ثبت فيه أن تمحضهم للتخصص يتسبب في أخطار تحيط بهم وبموضوع علومهم من جنس الانغلاق وما يجره من مخاطر كمخاطر التكنوقراط!(1) ، وإذا انفكوا من التخصص المتمحض إلى التوسع في غيره من مجالات المعرفة ثبت أن هناك أخطارا ستحيط بهم وبموضوع علومهم لأنهم لن يحيطوا بالقدر الكاف من تخصصهم الذي لا يتقدم إلا بالتركيز فيه في نفس الحين الذي تطلب فيه الساحة العلمية إجراء بحوث مشتركة بين عدة فروع Interdisciplinary Research (2) أو كما يقول الدكتور " السيد يس" :" أن العلم ـ كما يمارس الآن ـ يعتمد علي ما يسمي المنهج المتعدد المداخلmultidisciplinaryapproach حيث تذوب فيه الحدود العلمية القديمة بين التخصصات العلمية كالكيمياء والفيزياء والبيولوجيا, ويقتضي هذا المدخل تدريبا علميا راقيا ينبع من نظرة شاملة للبحث العلمي."(3)، ويقول الدكتور محمد الجوهري:" لقد استقر الآن في عدد من الكتابات الرصينة في علم الاجتماع أنه لا توجد حدود أو فواصل دقيقة بين علم الاجتماع من ناحية ومجالات النشاط الفكري في العلوم الاجتماعية"(4) وهناك من يعارض هذا التداخل بحجة أن هذا التداخل يمنع من تقدم  العلوم الاجتماعية الخاصة. لما كان كل ذلك ثابتا قال علماء الاجتماع إنه لعل السبيل الوحيد للنجاة وسط هذا التيه الكبير الناجم عن ازدياد درجة التخصص يوما بعد يوم هو التوصل إلى قضايا كبرى، التي سوف يتوصل إليها الأخصائيون في نهاية الأمر(5).


 وأنا أحاول دوما التعرف على تلك القوانين والقضايا الكبرى. وعلى ذلك فسأعطيك قوانين كلية أو شيئا منها يجعلك تسير على بينة في هذه التفاصيل المتشعبة المتناقضة .

" الكافر لا عقل له ( الله أصل المعارف)".

يقول الله تعالى {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ }"يونس:101" وورد عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ( أن رجلا قال : يا رسول الله ما أعقل فلانا النصراني ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - مه ، إن الكافر لا عقل له أما سمعت قول الله تعالى { وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ } قال وفي حديث ابن عمر فزجره النبيء - صلى الله عليه وسلم - وقال : مه ، إن العاقل من يعمل بطاعة الله" (6).
فهذا مقال مختصر أثبت فيه استحالة اليقين بشيء أومعرفة شيء من غير الإيمان بموضوع " فكر وعقيدة وشريعة" موحى من الله لم ينله يد التحريف وهو في زماننا " دين الإسلام" ذلك هو " النواة الصلبة" التي بدونها لا يُعرف شيء ، وتكون نتيجة التفكير في أمر العالم تلخصها هذه المقولة التي هي سمة لعالمنا المعاصر " عدم اليقين، والوتر الدائم، والكوارث الكبرى"(7)، وتلك النواة الصلبة هي التي بها يخضع كل شيء للفهم والمعرفة حتى أن الله وهو " غيب" كان العلم به هو أجل العلوم وأصدقها بل هو أصل المعارف وهذا معنى اعتقادنا " الله أصل المعارف" فبهذه النواة الصلبة يُعرف ويفهم كل شيء حتى الغيبيات وكل الدوائر المجهولة نخضع لفهمنا ومعرفتنا " مع بقاءها مجهولة وغيبيات" ذلك هو الجهل العلمي فجهل أهل الإسلام علمي وحياتهم كلها علم في علم، وهذا الجهل العلمي يتشوف له الغرب المعاصر ويتمنون لو عرفوا نظريات علمية تجعل " جهلهم علميا"(8) .

تنبيهات واحترازات.

أ- لا يرد على مقالي هذا أن وجود الله وكونه رقيبا حسيبا مدبرا مصورا خالقا الخ، مما يعرفه البشر بعقولهم العادية ومما هو مغروز في فطرهم – أي قانونا السببية والغائية - ، وإن أغلب الجنس البشري منذ قديم الأزل يثبتون وجود الله ويؤمنون به كما هو في التراث الفلسفي الشرقي والغربي حتى انتشر الإلحاد في الغرب المعاصر في عصر النهضة وما بعدها وكان منشؤه هو تلك الخصومة التي لم يكن لها داع، والتي افتعلتها الكنيسة ضد العلم"  كما يقول أكثر المحللين(9)، أقول ذلك لا يرد على مقالي  لأن هذا الوجود الإلهي وتلك المبادئ العامة كرقابته ونحوه، لا تقوم كيقين عند الفلاسفة ولا يكون دلالاتها ولوازمها حاضرة في العقل الواعي عند الناس العاديين الذين اعتادوا الكسل العقلي وإلف العادة الطبيعية الاجتماعية في مجتمعهم الذي عبَروا إليها من خلال الأسرة، وهي بعد ذلك لا يقوم بها مصالح المجتمعات البشرية لأنها عامة كل العمومية غير محددة بموضوع " فكر وشريعة وعقيدة " ومقالي هذا يتعلق بالموضوع لا بالمبادئ العامة غير المكتملة في ذاتها ولا في دلالاتها ولوازمها، ولذلك كانت مشكلة رسل الله مع أقوامهم ليست في هذه المبادئ العامة" لتسمها الربوبية" وإنما كانت في "  الأولوهية" أي " الموضوع"، بل، كانت هذه الربوبية " نواة صلبة" كما هي في العقل الغريزي أو في كثير من المذاهب الفلسفية الأولى في البشرية، فكانت مستقرة عند الأغلبية الساحقة وكان الله يلزمهم بها ويستدل بها عليهم ليزلمهم بوجوب توحيد الأولوهية " الموضوع" {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ، قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ، قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ}"المؤمنون:84 – 89".

ب-  وأيضا لا يرد على مقالي هذا المعرفةُ الشائعة في البشر عبر أنواع الهداية التي وضعها الله في كونه بالإضافة إلى هداية الإسلام كالعقل المحض وكالمشاهدات والتجارب المنظمة المبثوثة في الأفاق وفي الأنفس التي هي من النور المجعول في الأرض كما قال الله { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ }"الأنعام :1"(10) لأن كل تلك لا تزرع اليقين بها ولا بوجودها أصلا! كما سيأتي شرحه، ومن جهة أخرى إنها ستؤدي إلى نفس النتيجة " عدم اليقين، والتوتر الدائم، والكوارث الكبرى" بسبب فقدانها البناء العام والنواة الصلبة الكبرى الأم التي هي " الموضوع" " الأولوهية" موضوع مقالي والتي تزرع القوة الصلبة الكافية التي لا ينصلح حال مجتمع إلا بها من حيث قبولها للتعميم على المجتمع ومن حيث تكون هي الحاد الداخلي الذي يحدو أفراد المجتمع للتفاعل من أجل بناء مجتمعهم وتطويره(11).

ج- أنبه أيضا إلى أن محل مقالي ومناطه هو في المقام الأول في المفكرين والفلاسفة من الدرجات الأولى وما دونهم بقليل الذين يرسمون منهج المعرفة وأصولها فتفاصيلها لمن دونهم في المجتمعات كمفكري الغرب المعروفين وكمفكري الشرق ومفكرينا المعروفين كالأئمة الأربعة وابن تيمية وأمثالهم في عصرنا الحديث من علماء الإسلام ومفكريه وقادته، فهؤلاء هم الذين بفسادهم يفسد المفكرون ممن دونهم وبصلاحهم يصلحون وبعدم وجودهم في زمن ما يتجمدون أو يفسدون، هؤلاء هم الذين يسيطر عليهم التفكير في هذه النواة الصلبة " ما مبدأها وما منتهاها" ويشغلهم التفكير فيها لكي يشاهدوا صروحهم المعرفية التي شيدوها في ضوئها – من حين يشرعوا في تشييدها وبالمصاحبة أبدا إلى أن ينتهوا من تشييدها فاختبارها ومراجعتها  الدائمة -  ليتيقنوا من تناسق بناءهم في أصوله وأسسه التي تنعكس على البناء كله، بينما من هم دون هؤلاء المفكرين وعادة يكونون في طبقة المدرسين في المدارس والجامعات فقد يلتقطون الصروح المعرفية التي شيدها المفكرون أهل الدرجة الأولى ومن دونهم بقليل، ويدرسونها ويعملون عليها طيلة حياتهم دون أن يسيطر على عقلهم التفكير في النواة الصلبة – بشقيها الأول والآخر - التي تأسست عليها  كما تسيطر على المفكرين من الدرجة الأولى(12).

الآن أدخل في صلب للموضوع.

بدون موضوع " فكر وعقيدة وتشريع" يعتقد فيه الإنسان ( والعقيدة هي الجزم وربط القلب أي اليقين) بأن مصدرها يستحيل أن يكون من داخل العالم البشري أو القدرة البشرية الإنسانية، فإذا اعتقد ذلك لزم الاعتقاد بأن مصدر هذا الموضوع هو الله تعالى ولا ثالث. ويكون هذا الموضوع محفوظا لم تنله يد التحريف وهو في زماننا " دين الإسلام"،  بدون تلك " النواة الصلبة" لن يتفق مفكرو الدرجات الأولى على شيء بل سيناقض بعضهم بعضا ويشككون بعضا، و ذلك لأسباب – لا يحيط بها إلا الله - منها أن العالم البشري فيه عوالم مخبوءة عنا كثيرة نجهلها وتلك العوالم المخبوءة تشكك هؤلاء المفكرين في كل شيء يكتشفوه لأنهم لا يستطيعون تيقن بُعدَ خطأه في الآن وفي المستقبل" فلا تجعلهم يتفقون على شيء صلب يحتكم اليه بل يظلون يجربون ويتشككون وكأن المجتمعات البشرية حقل تجارب كالفئران بلا أي فرق بين الإنسان والحيوانات، وهذه قاعدة عامة في العلوم الفكرية والطبيعية التجريبية التي نصل إليها ونلمسها بحواسنا، ولا يعصم هؤلاء المفكرين من هذا الشك الشائع بينهم وهذا التشكيك في المقررات الذي يظهر لهم كلما فكروا أو اخترعوا إلا بنواة صلبة آتية من خارج هذا العالم البشري كله يتيقنون معها بإنزواء أي أثر للعوالم المخبوءة في عالمنا البشري على الحقائق الصلبة الواردة في الموضوع الإلهي وعلى ما دونها؛ المخولة تلك النواةُ الصلبة ببيانه، لأن هذا الموضوع الله أنزل فيه تبيانا لكل شيء إما بالنص أو بالمعنى او بالدلالة، وهذا من معان قول الله{وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}"البقرة:216"، وكمثال على ذلك انظر قول سقراط وهو من الفلاسفة القدماء "كل ما أعرفه هو أني لا أعرف شيئا" وتعليق أحد الفلاسفة المحدثين على قوله يقول "كارل بوبر""إننا لن نتمكن من تبرير نظرياتنا تبريرا عقليا"(13) وتلك بعض نصوص من كلام كارل بوبر وهو من ألد أعداء المذاهب النسبية! التي سادت في العصر الحديث ويراها أكبر جريمة اقترفها المثقفون " خيانة المثقفين" يقول " نحن لا نبحث عن اليقين، الخطأ صفة بشرية، المعرفة البشرية كلها ليست معصومة من الخطأ، هي إذن محل شك، ومن ثم فلا بد أن نميز بوضوح بين الحقيقة واليقين، إن كون الخطأ صفة بشرية لا يعني فقط أن علينا أن نكافح دوما ضد الخطأ، وإنما يعني أيضا أننا لا يمكن أن نتأكد تماما من أننا لم نخطئ، حتى لو كنا قد اتخذنا أقصى قدر من الحذر"(14) ويقول :" إذا ما أدركنا أن المعرفة البشرية ليست معصومة من الخطأ، أدركنا أيضا أننا أبدا لن نتيقن تماما من أننا لم نقع في خطأ"(15)ويقول :"أنا لست ممن يشايعون النزعة التعالمية بالرغم من اعجابي بالمعرفة العلمية، ذلك لأن هذه النزعة تؤكد دوجماطيا سلطةَ المعرفة العلمية، وأنا لا أؤمن بأية سلطة، ولقد قاومت الدوجماطية دائما، ولاأزال – لا سيما في العلم -. إنني أعارض الدعوى بأن العالِم لا بد أن يؤمن بنظريته. إنني " لا أؤمن بأي اعتقاد" كما قال إ. م. فورستر، وأنا لا أؤمن خاصة بأي اعتقاد في العلم"(16)ويقول :" مع كل خطوة إلى الأمام، مع كل مشكلة نحلها، فإنا نكتشف ليس فقط مشكلات جديدة بلا حل، وإنما نكتشف أيضا أننا حين اعتقدنا أننا نقف على أرض صلبة آمنة ، كان كل شيء في الواقع متقلقلا ومزعوعا"(17)ويقول :" إنني أعتقد أن ما يجمع بين الفن والأساطير والعلم، بل وحتى العلم الكاذب، هو أنها جميعا تنتمي إلى طور مبدع أو ما أشبه يسمح لنا أن نرى الأشياء في ضوء جديد، وينشد تفسير عالمنا اليومي المألوف بالإحالة إلى عوالم مخبوءة"(18) هنا أشار إلى أحد الأسباب وهو الإحالة إلى العوالم المخبوءة التي  يعتقدون أن فيها ما يؤيد فكرهم واكتشافاتهم أو يعتقدون أن ليس فيها ما ينقضه رغم أنها مخبوءة عنهم أصلا! وهذا فيلسوف من ألد اعداء النسبية ودائما ما ينفي عن نفسه التصنيف الذي يُرمى به من البعض أنه " ارتيابي" بل والأخطر من ذلك أنه يصف النسبية التي سادت في العصر الحديث والتي يظنها البعض فكرة مبتدعة ، يصفها هو  بأنها نتيجة لكشف سقراط أننا لا نعرف شيئا! يعني هي أصيلة في الفلسفة القديمة لا وليدة العصر الحديث" (19).
 وإليك مثالا آخر، "ديكارت" الذي عاش في فترة ما قبل تقويض علوم الطبيعة والاجتماع موضوعَ العقيدة الكاثوليكية المسيحية، فقد اتضح له أن غموضا يحيط بموضوع العقيدة المسيحية وظل طيلة حياته يبحث عن اليقين عن النواة الصلبة وكان "كثيرا في كتاباته يقدم حججا إثبات افتقار المعرفة المبنية على الإدراك الحسي إلى اليقين، وكان يستعشر قلقا عظيما من افتقار المعرفة كلها إلى اليقين، وقد نذر للعذراء أن يحج إلى لوريتو Loretto لو أنارت عقله وساعدته على الإهتداء إلى اليقين المطلق"(20)، ولذلك كانوا يصنفه كثير من الفلاسفة على أنه كان كاثوليكيا مخلصا. بل انظر إلى ما تظنه اليقين الأكبر الأشد يقينا من علوم الطبيعة وهو وجود ذاتي وذاتك الآن فقد استدل ديكارت على وجود ذاته بقوله " أنا أشك، ولكن عندما أشك أفكر، وعندما أفكر لا بد أن أكون موجودا" ولكن هذا اليقين هو الآخر يفتقد صفة اليقينية وينقضه أهل المذهب التجريبي الحديث من جملة ما ينقضون به الفلسفة التأملية العقلية السائدة في الغرب(21)، ومن جملة الأدلة التي ينقضون بها هذه الفلسفة هي أننا لا نستطيع التمييز الواضح بين الحلم والواقع، وأنه بقليل من التحليل يتبين لنا أن ثقتنا في الفصل بينهما لا ترقى إلى مرتبة اليقين، وذلك لأننا عندما نحلم لا نعلم أننا نحلم، وإنما نعرف أن حلمنا كان حلما فيم بعد، أي عندما نستيقظ فقط، فكيف ندعي أن تجاربنا الحالية كحياتي وككتابتي لكم هذا الكلام يمكن الاعتماد عليها أكثر من الحلم؟ وكون هذه التجارب مقترنة بشعور من الواقعية لا يجعلها أكثر قابلية للاعتماد عليها، إذ أن هذا الشعور ذاته يكون لدينا في الحلم، فليس في وسعنا أن نستبعد تماما احتمال أن التجارب التالية ستثبت أننا نحلم الآن!(22). فإذا قيل لهم أن مذهبكم لا يُتوصل إليه إلا بالفكر العقلي ولا يُدرك إلا به أصالة قالوا نحن نعلم بتناقض في مذهبنا ولكنه أقل من تناقض  الفلسفة التأملية العقلية، وليس بإمكاننا أحسن مما نحن عليه – وهي الفلسفة العلمية السائدة الآن في الغرب منذ القرن التاسع عشر –(23). . فإذا كان هذا هو حال ما نظنه يقينيات ومسلمات لا يختلف حولها أحد فما ظنك بكل الصروح المعرفية ( اللامادية فالمادية) التي ستنبني عليها؟  لو قرأنا نبذة من  نتاجهم المعرفي لعرفنا أثر ذلك على كل شيء حين يتكلمون في تنظيم المجتمعات البشرية ( فردا وأسرة وجماعة ودولة) وفي علاقاتهم مع ما حولهم من بأب أولى من أصولها الكبرى وهذه كلمة جامعة للشيخ محمد دراز قد فصلها تفصيلا واسعا في كتاب الميزان بين السنة والبدعة :" لو بحث الإنسان في طريق وصول المعلومات إلى العقل لوجدها على ثلاثة أنواع: نوع يدركه العقل بنفسه، ونوع يدركه بواسطة من نفسه، ونوع لا يدركه بنفسه ولا بواسطة من نفسه، وإنما يدركه بواسطة من خارج وهي الأخبار ممن يعلمه، فالأول هو ما يُسمى بالضروريات والثاني ما يُسمى بالنظريات، والثالث المغيبات. إنه لو لم يكن هناك برهان على قصور العقل البشري وتحديد مجال تصرفه سوى وجود هذا النوع الثالث لكفى به برهانا مبينا. ومن عجب أن الإنسان كلما تبحر في العلوم والمعارف تبينت له هذه الحقيقة المدهشة، وهي أن هذا النوع الثالث هو أوسع الأنواع الثلاثة وأن فيه تنطوي أكثر حقائق الكون وعوالمه، ويليه النوع الثاني وهو النظريات، ثم الضروريات فهي أقل القليل" (24)

قال الأخ المحاور : لو اعتبرنا نصوص الدين الإسلامي هو النواة الصلبة، فإن تحويل هذه

 النصوص إلى واقع حياتي لابد أن يمر بعقول البشر، وعقول البشر لها نقطة بداية و نقطة نهاية، فقد عدنا إلى نفس المشكلة".

أقول موضوعنا الإلهي المتيقن به سيحدد لنا كل شيء { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ }"النحل:98"،فمثلا نتاج هذا العقل وهو الظنون لا تكون لها سلطة أبدا إلا بالسلطة التي اكتسبتها من النواة الصلبة، وبعض أنواع الظن تفقد سلطتها لأن النواة الصلبة هي التي أفقدتها هذه السلطة وهذا كلام للشيخ دراز يفصل لك الفرق بين مواضع الظن تلك من الشرع ثم العقل :" فإننا باستقراء النصوص التي نهى الله فيها عن اتباع الظن نرى أنه إنما نهى عن اتباع الظن في موضعين: موضع أمرنا بالبحث عن حقيقته ويسهل الوصول إلى الحق واليقين فيه، لقيام براهينه الواضحة، وانتصاب أعلامه اللائحة، كأخذ الجهلاء بظنونهم في العقائد بعد نزول الشريعة، وكاجتهاد المقيم بمكة في تعيين القبلة مع قدرته على الوصول  إلى عينها بالمشاهدة، وشاهد هذا الموضع مقابلته الظن بالحق في قوله تعالى { إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا}فلم يقل " إن الظن لا يغني شيئا بإطلاق" وموضع لم نؤمر بالبحث عنه ويتعذر الوصول إلى اليقين فيه كالأمور المغيبة التي كثر فيها الحزر والتخمين وكبواطن الناس ودخائلهم التي لا تقوم عليها بينة سوى الريب والهواجس التي يكثر اتهام الأبرياء بسببها وهذا وذلك مما يشير إيه قوله تعالى {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا } وقوله {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ } وما سوى ذلك من الأمور التي طالبنا الشارع بالبحث عنها وقامت الأمارات الشرعية عليها وتعذر الوصول إلى اليقين فيها فلا جناح على من يأخذ فيها بغالب الظن، بل قواعد الشريعة متظاهرة على وجوب الأخذ، فقد أوجبت العمل بشهادات العدول وأخبارهم من جواز كذبهم..... إلى غير ذلك، على ان هذه كلها وإن كانت ظنونا في جزئية من الوسائل فهي في الحقيقة راجعة إلى اتباع اليقين في مقاصدها الكلية القطعية من العبادات والمعاملات بقدر الطاقة {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}. وأما العقل فأروني عاقلا واحدا لا يقدم على عمل قط حتى يأتيه اليقين فلا يركب البحر حتى يوقن بأنه قد كتبت له السلامة منه، ولا يتزوج لطلب الولد إلا إذا أيقن أنه سيولد له ..... إلى أن يقول الشيخ :فعلى أي شيء يبنى هذا الاختيار كلما دعاه داعي الإقدام أو داعي الإحجام، أيتلبث في كل مرة حتى يجيئه اليقين الكامل بصحة هذا الداعي؟ إذًا لتعطلت مصالح ووقعت مفاسد لا تُحصى، لأنه قليلا ما يجد برهان هذا اليقين، فلا مناص له إذا من الترجيح في كل موضع بما في وسعه من يقين إن وجده أو ظن قوي أو ضعيف إن فقده، وبدون ذلك لا يستقيم نظام هذه الحياة. فكذلك يجب على من فقد النص الشرعي من طريق قطعي الثبوت أن يلتمسه من طريق يغلب على ظنه  ثبوته. فمتى ظفر به وجب عليه حتما أن يعمل به مع كونه ظنيا غير يقين، لأن العمل كما علمت يكفي فيه الترجيح بأدنى مرجح"(25). ولذلك اتفق علماء الإسلام على وجوب الأخذ بأحاديث الآحاد الظنية في العمل واختلفوا في الأخذ بها في الاعتقاد وإن كان ابن تيمية يقول إنه لا خلاف بين السلف في الأخذ بها في الاعتقاد أيضا إنما هذا الخلاف حادث وهو بدعة ليس من الدين ( وإن كان يحترم الخلاف حولها لوقوعه بين علماء أهل السنة الكبار)(26) وكل ما سيجد لك من أحوال تلك الظنون ستجد بيانه في النواة الصلبة اليقينية.
إلى هذا الحد من الجدل، لم يقتنع المحاور – وهو ملحد -  وكان نص اعتراضه كما يلي: كيف يكون لا عقل له فهل هو مجنون؟ ثم كيف يصح لكم بعد أن وصفتموه بعدم العقل أن تدينوه بكفره بل تظلون تتوجهون إليه بالدعوة والحجاج العقلي؟
وهذا تفصيل زائد لوجه قول نبينا " الكافر لا عقل له" أقول: ليس المقصود بفقدان العقل أن يكون مجنونا، لأن المجنون هو الذي يتوهم خيالا يكلمه أو يجري وراءه، وهذا مهما حاولنا أن نوقظه بالمنطق والضرورة فلن يفيق لأنه فاقد الاستعداد " طبيا"، ولكن الكافر فقد عقله من جهة تلاشي عقله بإلف العادة والجمود المستمر والكسل العقلي أو بكثرة إعماله مستقلا عن الله ووحيه، فالأول تلاشى عقله بإلف العادة والجمود حين خرج من الأسرة إلى المجتمع وعاش كالبهائم فلم يفكر في خالق الكون وحقه الواجب عليه، والثاني ( هو الفيلسوف) تلاشى عقله من كثرة ما أعمله في الكون( عالم الشهادة والعوالم المخبوءة) وإن كنا قد وجدنا"كثيرا من المذاهب الفلسفية قد توصلت بمجهودها العقلي المستقل إلى تقرير المبادئ الأولية التي قررتها الأديان، بينما نجد بعضا منها قد انفصل من أول الطريق أو من وسطه عن تلك المبادئ. وأشد هذه المذاهب انفصالا وأكثر  بعدا هي المذاهب المادية" (27) ، ولكن حتى هذه المذاهب التي اتفقت مع بعض المبادئ العامة فهي لم تصل إليها كيقين بل إن الفلسفة في تعريفها هي " الفلسفة بازغة في عقل الفيلسوف، مطبوعة بطابع عقله ونزعاته وأحاسيسه، طليقة من كل قيد، تستطيع أن تلبس كل يوم ثوبا جديدا" و" ليس للفلسفة أن تطمح إلى نيلها، وإلا لجاوزت طورها، وتناقضت في نفسها، لأن حقيقة الفلسفة هي " محبة الحكمة" أو " الرغبة في المعرفة" ووظيفتها البحث عن الحقيقة بقدر الطاقة البشرية، وعرض ما تظفر به من جوانب تلك الحقيقة، والفيلسوف هو أول من يعرف قصور العقل البشري، وقصور كل ما هو إنساني، عن درجة الكمال. ولذلك كان التسامح والتواضع العلمي من أظهر خصائصه، وهذا سقراط يضرب لنا أروع الأمثال في ذلك، حين يقول" الشيء الذي لا أزال أعلمه جيدا هو أنني لست أعلم شيئا"(28) ، فما ظنك إذا فكر هؤلاء الفلاسفة في تفاصيل المجتمع العالمي ونظموه وحكموه كما هو الآن؟ ما مدى الخراب والفساد الذي سيحدث لجهلهم بالموضوع ( الفكر والعقيدة والتشريع) - بعد الأصول -،الذي يصلح المجتمعات و الذي أراده الله وأنزله وأوجبه على الناس ورتب على الأخذ به مصالح وعلى رده مفاسد كما قال الله {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا }"الأنبياء:22" والواقع المعاصر أكبر شاهد يصدق الآية الكريمة الذي يلخصه قول المراقبين من الغرب نفسه " عدم اليقين، والتوترالدائم، والكوارث الكبرى" وتلك النتيجة ثابتة في الدراسات التي تصف واقعنا المعاصر من كافة نواحيه الاجتماعية والبيئية وغيرها، فإذا كان هذا هو نتاج عملهم العقلي فصح أن ننفي العقل عنهم من وجه آخر  واقعي - وهو استقراء أثارهم الواقعية في العالم المعاصر - غير الوجه العام النظري، لأن وظيفة العقل هي إسعاد الإنسان وتثمير مصالحه، فإذا نتجت وظيفته عكسية  تماما كان كأن لا وجود له بل أخطر من عدم وجوده كلية، كما نفى يوسف عليه السلام وصف العلم عن نفسه إذا تخلف العمل بمقتضاه  {وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ }"يوسف:33"، ولا أقول إن الحل أن يؤمنوا كلهم فلا يزال في الدنيا كفار { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ }"التغابن:2"،ولكن الحل هو أن يقود العالم الأمة الإسلامية فيريحون ويستريحون ولا حل غير ذلك أبدا،.
يعني أن فاقد العقل ( المجنون) لا يمكن التوجه إليه  بالمعرفة لأنه فقد عقله طبيا، أما تلك الأصناف فيصح التوجه إليها بالمعرفة والدعوة الإلهية لإقامة الحجج العقلية القاهرة التي ما إن رآها راء أو لمحها لامح خضع والتزم بمقتضاها رغما عنه ( إن كان حريصا على الموضوعية والعقلانية ولم يمنعه مانع من جهل بأصولها أو غفلة أو شهوة استحوذتا عليه وأسرتاه) رغما عنه سيخضع لسلطة العقل ولمقتضياتها ولوازمها، تلك السلطة التي كان قد تلاشى عقله وانزوى عنها وعن لمحها، وهي في حق " الخامل ألف العادة" سلطة قانوني " السببية والغائية"  الكائنة في العقل الغريزي الذي ذهل عنها ( كليا أو جزئيا) بسبب الإلف والجمود والكسل العقلي انظر تفصيل تلك الغريزة " الفطرة" (29) فهذا النوع من الناس نتوجه إليه بالحجج المبثوثة في العالم وفي "كل شيء له آية تدل أنه الواحد"،  الحجج التي تحرك عقله وتلفته وتنبهه وتذكره ولذلك "سُمي القرآن الكريم ذكرا، وسميت الآيات تذكرة، والأنبياء مذكرين والاهتداء تذكرا"(30) نذكره بدلالة هذه السلطة على الربوبية فالألوهية أي نرفعها له من دائرة العقل اللاواعي إلى دائرة العقل الواعي.
 وأما الصنف الآخر الذي تلاشى عقله من كثرة إعماله وسبحه في عوالم الشهادة وتفاصيلها المرتبطة بعوالم الغيب، فهذا ذهل عقله " عن السلطة المعرفية القاهرة" وهي اليقين في بعض المبادئ العامة للأديان إن لم يكن قد أنكرها تماما كالفلسفة المادية أو كان قد أثبتها في البداية كأكثر الفلسفات ثم حين أكثر من إعمال عقله هجمت عليه الاحتمالات وتشابكت عليه تفاصيلها المبثوثة في العوالم فصيرت عقله هباء منثورا فصار كل شيء محتملا عنده، وتلك هي عقلية الفلاسفة يقول دراز " إذا لم يكن هنالك من حقيقة مكتسبة، ولا قانون ثابت، فإن العقل سوف يتوقف عن أن يكون عقلاً، سوف يفقد وحدته البنائية، سوف يؤول إلى هباء، ولن تكون له أدنى سيطرة على الطبيعة "(31)وقد أثبت ذلك "هاينز ريشناخ" في تحليله الطويل لنفسية الفلاسفة والذي أثبت فيه أن عقولهم مريضة( وهو أكثر مرضا منهم) ويحسن هنا أن أنقل مطلع كلامه الذي ابتدأ به كتابه بمثال من كلام الفلاسفة ثم تعليقه عليه، يقول:" فيما يلي فقرة مأخوذة من كتابات فيلسوف مشهور:" العقل هو الجوهر، فضلاً عن كونه قوة لا متناهية، إذ أن مادته اللامتناهية الخاصة تكمن من وراء الحياة الطبيعية والروحية كلها، فضلاً عن الصورة اللامتناهية التي تبعث الحركة في تلك المادة. فالعقل هو الجوهر الذي تستمد منه كل الأشياء وجودها. – ثم يعلق "هاينز" على هذه الفقرة قائلا – إن قراء كثيرين لا يطيقون صبرا على هذا النوع من النواتج اللغوية. وحين يخفقون في إدراك أي معنى لها، فقد يشعرون بالميل إلى الإلقاء بالكتاب في النار. ولكنا ندعو مثل هذا القارئ، لكي يتجاوز مرحلة الاستجابة الانفعالية هذه إلى مرحلة النقد المنطقي؛ إلى دراسة ما يُسمى باللغة الفلسفية من وجهة نظر الملاحظ المحايد، مثلما يدرس عالم التاريخ الطبيعي عينة نادرة من الحشرات. فتحليل الخطأ يبدأ بتحليل اللغة. على أن دارس الفلسفة لا يثور عادة من جراء الصيغ الغامضة، بل أنه يقتنع على الأرجح، عند قراءة النص السابق، بأن الخطأ في عدم فهمه إياه إنما هو خطؤه، لذا تراه يقرؤه مرة تلو المرة، وقد يصل بمضي الوقت إلى مرحلة يعتقد فيها أنه قد فهمه. عند هذه النقطة يبدو من الواضح تماما في نظره أن العقل يتألف من مادة لا متناهية تكمن من وراء كل حياة طبيعية وروحية، وبالتالي فهو جوهر الأشياء جميعا. وهو يتكيف نفسيا مع هذه الطريقة في الكلام إلى حد أنه ينسى كل الانتقادات التي قد يوجهها شخص أقل "ثقافة"(32) وبعد أن حلل نفسيتهم في خمس وسبعين صفحة، قال إن نفسيتهم ما زالت في حاجة إلى تشريح واسع – وقد صدق –.
 فهذا الصنف من الناس حين أطال في عمليات الملاحظة والتركيب والتحليل قد ينكر دعوة الرسل وأتباعهم ويكفر بهم حين يتوجهون إليه بالدعوة ذاهلا عن السلطتين المعرفتين القاهرتين السابق ذكرهما في التنبيهات – في أول المقال -  وهما الفطرة أو الغريزة ونور العقل والمخلوقات المبثوثة في عوالم الشهادة وعلاقاتها بالعوالم المخبوءة كما يقول الفيلسوف الفرنسي بيكون Francus Bacon " المعرفة في ذاتها قوة"(33)فالسلطتين هاتين يقضيان قضاء عقليا محتما أن يكون هذا العالم قد خلقه " إله واحد فرد صمد" وأن يكون هذا الإله مدبرا أمر الكون ومسيره وحافظه، فيكون إلاها واحدا كاملا من كل وجه فيقف عنده الفكر وتطمئن النفس إلى أن ليس قبله شيء ولا بعد شيء كما قال الله { هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} " الحديد:3". ومن لم يخضع لهذا السلطان القاهر سيقع في سلسلة لا تنتهي من محالات العقول.
فهنا يتوجه إليهم رسل الله وأتباعهم بالتذكير وإقامة الحجج من عالم المعقولات والمخلوقات ليقفوهم على ما ذهلوا عنه من تلك الصورة الأصلية التي تلاشت عقولهم وذهلت عنها حين سبحوا في العوالم، فيرتبون لهم المشهد وما يشتمله من بناءات فكرية عقلية آخذين في حسبانهم جهات البناء وأعمدته وأركانه وزواياه التي ذهل عنها هؤلاء الأشخاص بأعيانهم وفي حدود زمانهم، الموجه إليهم الدعوة، فإذا تدرجوا معهم وشكلوا لهم المشهد ودلوهم عليه كان هو " نوعا السلطة القاهرة" التي لا ينفك منها (حريص موضوعي عقلاني) المؤدية إلى الربوبية فالألوهية فطلب الدليل على كون الرسول مرسلا من عند الله فإذا قام هذا الدليل وتأكد استحالة مصدريته البشرية المعروفة اعتقد أنه من عند الله الأحد ولا ثالث ، فيقبل الموضوع كله المخبر به قبولا يقينيا بلا بحث فيه أو اختبار له لأن " العجز العام عن مضاهاة الخلق وعن محاكاة الصنعة هو آية ليست من صنع الناس، وذلك هو الطابع الإلهي والمظهر السماوي الذي تمتاز به صنعة الخالق عن صنعة المخلوق"(34)  انظر كمثال على دل العلماء المخالفين إلى البناء والصورة التي تلاشت عقولهم عنها في وجود الله مثلا إلى الصفحات من 500 إلى 516 من كتاب " المختار من كنوز السنة" وهذا البحث مُتاح على شبكة الإنترنت للتحميل (*)
. وكمثال في دلهم على دليل نبوة رسول الله – صلى الله عليه وسلم - كتاب "النبأ العظيم"، وتلك أمثلة صغيرة مختصرة مركزة عميقة جدا يمكنك إعادة قراءتها  كل فترة لعرضها على دائرة العقل والوعي عله يكتشف منها حقائق كانت ذاهلة عنها أو يكتشف فيها تناقضات محتملة فينشأ قبوله أو رفضه عن بينة ( وأنا أجزم له بأنه سيزداد تبصرا بصحتها كلما ازداد معرفة وقارنها بها وسيوقن أنها هي السلطة القاهرة التي ستخضعه وتنزله على مقتضياتها ولوازمها إن كان من أهل الحرص والموضوعية لا ممن يتنكرون لأحكام السلطة العقلية لشهوة مسيطرة ومثال هذا الصنف حينما " جاء الوليد بن المغيرة إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلما قرأ عليه القرآن كأنه رقَّ له، فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه فقال له: يا عم، إن قومك يرون أن يجمعوا لك مالًا ليعطوكه، فإنك أتيت محمدًا لتتعرض لما قبله، قال الوليد: لقد علمت قريش أني من أكثرها مالًا، قال: فقل فيه قولًا يبلغ قومك أنك منكر له وكاره، قال: وماذا أقول؟ فوالله ما فيكم رجل أعلم مني بالشعر لا برَجَزِه ولا بقصيده ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقوله شيئًا من هذا، ووالله إن لقوله لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمنير أعلاه، مشرق أسفله، وإنه ليعلو ولا يعلى، وإنه ليحطم ما تحته ، وفي بقية الحديث أن أن أبا جهل ألح على الوليد، وقال له: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه. فقال الوليد: دعني أفكر. فلما فكر قال: هذا سحر يأثره عن غيره، وفي ذلك نزل قوله تعالى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا، وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا، وَبَنِينَ شُهُودًا، وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا، ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ، كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا، سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا، إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ، فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ، ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ، ثُمَّ نَظَرَ، ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ، ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ، فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ، إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} [الآيات من سورة المدثر: 11 وما بعدها]. فانظر تصوير القرآن للجهد العنيف الذي بذله الرجل في إصدار حكمه الثاني، حيث يقول: إنه فكر وقدر، ثم نظر، ثم عبس وبسر، ثم أدبر واستكبر، ومعنى هذا كله أنه كان يقاوم فطرته، ويستكره نفسه على مخالفة وجدانه، وأنه كان في حيرة وضيق بما يقول .. وأخيرًا استطاع أن يقول ما قال نزولًا على إرادة قومه. وانظر الفرق بين هذا الحكم المصطنع وبين حكم البديهة العربية في قوله أول مرة: إنه يعلو وما يُعلى، وأنه يحطم ما تحته."(35) أوصنف من الناس غريقا " في حمأة العناد؛ يقولون: {مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} " الأعراف: 132" {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} " الأنعام: 111"، وآخرين لا يجدون طمأنينتهم إلا في اضطراب الشك، يقولون: {إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًَّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} الجاثية: 32 {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ، لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ} " الحجر: 14 وما بعدها" {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} " الأنعام: 7"(36) وهؤلاء هم أهل المذاهب النسبية التي سادت في العصر الحديث في كل شيء والتي يراها كارل بوبر إحدى الجرائم العديدة التي ارتكبها المثقفون، وأنها خيانة للعقل والإنسانية" وكذلك لحظها "برتراند راسل"، ومثله جولين بيندا ( مؤلف كتاب " خيانة المثقفين"(37) أو إذا فرضنا المقاوم هذه السلطة المعرفية " كائنا أخرق، لا يذعن لقواعد المنطق والحساب، ولا يبالي أن يبطل كل شيء في الأذهان"(38) 
تنبيه: هذا المقال لا يقتضي حكما قاطعا بالخلود في النار على كل كافر غربي بعينه، إذ منهم من يُعذر بعدم بلوغ الحجة أو بلوغها مشوهة إلى أخر أحكام العذر بالجهل المقررة في كتب اعتقاد أهل السنة .
وهو نواة أرجو أن يأخذها القارئ منطلقا لحوار جاد حولها مع الكاتب.
والحمد لله رب العالمين.

(1)            فؤاد زكريا، التفكير العلمي، (القاهرة:الهيئة المصرية العامة للكتاب،2012) ص: 185،
(2)            زكريا، التفكير، ص 189.
(3)            مقال: السيد يس، " أحمــد زويـل رائـــد الحداثــــة العلميـــة" ، الأهرام المصرية: 17/01/2013.
(4)            من كلمته التي افتتح بها " موسوعة علم الاجتماع" جوردون مارشال، ترجمة: محمد الجوهري وآخرين(القاهرة:المشروع القومي للترجمة، المجلس الأعلى للثقافى،2007)، مقدمة المجلد الأول.
(5)            محمد الجوهري: المدخل إلى علم الاجتماع ، (د.ن)، ص 176- 178.
(6)            ذكره "القرطبي" : " الجامع لأحكام القرآن "، تفسير سورة الطور ج17 ص 73 عن الترمذي الحكيم. وحسنه الترمذي.
(7)            هذه الملاحظة لأنتوني جيدنز صاحب كتاب " مقدمة نقدية في علم الاجتماع" من نفس الكتاب.
(8)            عبر الغربيون عن ذلك بتعبيرات مختلفة فمنها كلام الفيلسوف عالم الاجتماع الإنجليزي "هربرت سبنسر":" إن العلم الطبيعي يرينا جليا صغر العقل الإنساني بإزاء ذلك الذي يفوت العقل، وأنه لا يسلك بنا سبيل الاستبداد في تفهيمنا استحالة الوصول إلى السبب الأول، ولكنه ينهج بنا النهج القويم في تفهيمنا هذه الاستحالة بإبلاغنا جميع الحدود التي لا يُستطاع اجتيازها ثم يقف بنا في رفق وهوادة عند تلك الغاية" نقله الدكتور محمد دراز: في كتاب: الميزان بين السنة والبدعة،(الكويت:دار القلم)، ص :88.
 أو بتعبير وزير الدفاع الأمريكي" رامسفيلد" في تعبير طويل أطلقه واختار أحد مقاطعه كعنوان لمذكراته التي صدرت حديثا هو بتصرف شديد" أن هناك أشياء نعرفها ونعرف أننا نعرفها، وهناك أمور لا نعرفها ونعرف أننا لا نعرفها، وهناك أشياء لا نعرفها ولا نعرف أننا لا نعرفها" يعلق د. محمد عبد السلام قائلا : ويبدو أن الرجل المدني بالمناسبة كان قد غرق في عالم الشرق الأوسط لدرجة أنه كان يقوم بتقديم ورقة مالية رمزية مطبوعة في البنتاجون بقيمة مليار دولار لأي من مساعديه أو مستشاريه الذين يقدمون فكرة غير تقليدية، تبدو ملائمة للتعامل مع حالة اقليمية تفاجئ كل من يتعامل معها بكثير من " المعروفات غير المعروفة" أو ما هو أسوأ – ولنحتمل ثقل التعبيرات باللغة العربية – " غير المعروفات غير المعروفة" فقد كان قد استخدم كل قدرات آلة التفكير الأمريكية في محاولة معرفة الأمور التي يعرف أنه لا يعرفها قبل أن يُفاجأ طوال الوقت بما لا يعرف أنه لا يعرفه" انظر " محمد عبد السلام:"الأسئلة المعلقة حول الموجة الثانية في الشرق الأوسط"،(القاهرة:مجلة السياسة الدولية ، مركز الأهرام للدراسات السياسية ) 186،2011، ص:6.
وإليك مثال تطبيقي في ذلك وهو المنهج الذي سلكه الدكتور "محمد دراز" في بحثه حول عقيدة " القضاء والقدر" في خمسين صفحة من كتاب " المختار من كنوز السنة شرح أربعين حديثا في أصول الدين"(الكويت:دار القلم) ص: 218 - 270، ستجد مصداق هذا المنهج بصورة واضحة في سير هذا البحث الذي هو من أكبر الغيبيات في الاعتقاد الإسلامي، وقد صرح الشيخ دراز بأن هذا هو هدفه من هذا المنهج في الفائدة الثانية التي نص عليها في خاتمة البحث بقوله:"الثانية: أن تكونوا على بصيرة فيما تأخذون به لأنفسكم، فإذا انتهى بكم المطاف إلى اختيار قول السلف لم يكن ذلك صدى لقنته لكم تلقينا وأمليته عليكم إملاء، بل يكون ذلك ثمرة الجهد الذي بذلتموه، والاقتناع بما أدركتموه، فلا تجدون في أنفسكم غضاضة أن تقولوا معنا أخيرا:" الله أعلم، ولا علم إلا ما علّم". .
(9)            زكريا: التفكير،ص : 12.
(10)      انظر تفسير الآية في،  محمد رشيد رضا : تفسير المنار.
(11)      ومن هنا تجد فيلسوف من أكبر الملاحدة المنكرين وجود الله والداعين إلى إلحادهم في هذا العصر هو " برتراند راسل" كانت له كلمات ونصوص في قمة الخطورة تعبر عن خلاصة مشروعه الاجتماعي الذي ضمنه كتابه " أسس لإعادة البناء الاجتماعي" ترجمة: د. إبراهيم يوسف النجار، الذي يراه ينقذ العالم الغربي من الإنهيار المحتمل، وأراه يعبر عن أهمية كلامنا هذا، ويسميه " الدين" فيقول :" إن الدين هو أكثر أهمية من السياسة" ص:164، وله نصوص كثيرة في نفس الكتاب تؤكد أهمية وجودة مشاعر وميول صلبة ثابتة داخل الفرد وغايات أخرى صلبة فوق القدرة البشرية متعالية عليها أمامه لكي يتيسر دمج الفرد في عموم المجتمع فيسير المجتمع كله في خط متناسق، لا بد أن تكون هناك قاعدة صلبة غائية ، وهو يقصد ما يؤكده الدكتور محمد دراز – إجمالا لا تفصيلا - بقوله:" ليس على وجه الأرض قوة تكافئ قوة التدين أو تدانيها في كفالة احترام القانون، وضمان تماسك المجتمع استقرار نظامه، والتئام أسباب الراحة والطمأنينة  فيه" كتاب الدين(الكويت:دار القلم) ص: 151، الشيخ دراز يقصد بالدين ما يقابل الفلسفة أو العلمانية سواء كان دينا سماويا صحيحا أو محرفا أو وضعيا، باعتبار أن الدين هذا وحده هو المحقق لليقين الداخلي، وهو يقصد أن أثره أفضل من أثر حكم العلمانية أو الفلسفة الجافة لا أنه المطلوب الأخير أو به ينصلح حال المجتمعات البشرية لا سيما بعد نزول دين الإسلام الذي يعم خطابه كل الجنس البشري، ويؤكد كلامَ الشيخ كلامٌ لبرتراند راسل يعترف فيه بهذه الأفضلية في نص آخر من كتابه" أسس لإعادة البناء الاجتماعي" فيقول إن التكامل الذي سينجي المجتمعات الغربية من الانهيار قد نجحت الكنيسة الكاثوليكية في تشييده في المجتمع في العصور الوسطى بشكل لم تحققه المجتمعات الغربية العلمانية المعاصرة و لكنه كان " كمالا ضيق المجال إذ أن كلا من الغريزة والروح عانى كثيرا من البتر والتقطيع حتى يتم تناسبها مع الخط العام" ص: 162، وهو يقصد بالخط العام الذي حال دون الكمال المرجو الموضوعَ المسيحي الذي كان سائدا. أما مقالي هذا فيتحدث عن الموضوع الإلهي الصحيح الذي يحدث الكمال المجتمعي سائرا في خطه الطبيعي المعتاد دون أعراض جانبية خطيرة من جنس الأعراض التي تهدد أسسه السليمة - نسبيا - بالإنهيار، وهي تلك الأعراض التي حولت العالم الغربي من ديني مسيحي إلى ما آل إليه وضعه في العصر الحديث حتى تباكوا على ما فات من حيث هو أقل ضررا وشرا مما آل أمرهم إليه – وإن كان في كليهما شر وضرر -  ونحن نتفق معهم في تلك النتيجة .
(12)      هذا التفريق ستجده مشهورا عند العلماء فمثلا يقول الفيلسوف "ر.ج.كولنجوود"، فكرة التاريخ"، ترجمة:محمد بكير خليل،(القاهرة: الهيئة العامة لقصور الثقافة،2012) ص:41. " من الممكن لشخص ما أن يكون مؤرخا معقولا ( لا مؤرخا  من مؤرخي الدرجة الأولى) بدون أن يفكر في الأسس العلمية لتفكيره التاريخي، وأسهل من ذلك أن تكون مدرسا معقولا للتاريخ ( مدرسا لا يرقى إلى المرتبة الممتازة) بدون تفكير في هذه الأسس" .
(13)      كارل بوبر :"بحثا عن عالم أفضل" ترجمة: د. أحمد مستجير، (القاهرة:الهيئة المصرية العامة للكتاب،1999)، ص: 105،
(14)      بوبر: 14.
(15)      بوبر: 15.
(16)      بوبر:17
(17)      بوبر:68.
(18)      بوبر:75.
(19)      بوبر:،105.
(20)      هاينز ريشناخ ، " نشأة الفلسفة العلمية" ، ترجمة : فؤاد زكريا، ص: 42.
(21)      و(22)انظر الطريقة العقلية التي نقضوه بها في المصدر السابق ص : 43، ص 38.
(23)يقول د. هنتر ميد:" أكثر التجريبيين المنطقيين اتساقا لم يفلح في إقناع أي شخص، ما عدا زملاءه من التجريبيين على ما يبدو، بأنه ينجح تماما في تجنب وجهة نظر ميتافيزيقية – وهي الفلسفة التأملية العقلية- "، ويقول" ولنقل أخيرا إننا ينبغي أن نشكر التجريبي المنطقي لأنه زودنا بسلاح فعال نتحرر به من الادعاءات المفرطة التي يزعم بها الميتافيزيقيون واللاهوتيون بلوغ الحقيقة، كذلك أعتقد أننا ينبغي أن نشكر له تذكيره إيانا بأن المعرفة العلمية هي أكثر المعارف التي نستطيع بلوغها وثوقا" كتاب" الفلسفة أنواعها ومشكلاتها" ترجمة : فؤاد زكريا،(القاهرة: دار نهضة مصر للطبع والنشر، 1975) ص : 256.
(24) محمد دراز،"الميزان بين السنة والبدعة"،(الكويت: دار القلم،2010)، ص: 87.
(25) دراز، الميزان، ص:116،117.
(26) ابن تيمية، مجموع الفتاوى،( القاهرة: دار الوفاء، 2001)، ج:20، ص: 143.
(27) محمد دراز،الدين (الكويت:دار القلم،2010) ص: 100.
(28) دراو،الدين، ص: 105، 108.
(29) راجع تفصيل هذا القانون في كتاب " الدين"،دراز، ص 145 : 148، وص : 161،162.
(30) محمد دراز،"المختار من كنوز السنة، شرح أربعين حديثا في أصول الدين"(الكويت:دار القلم،2009) ، ص: 503.
(31) محمد دراز "دستور الأخلاق في القرآن الكريم" ترجمة:د. عبد الصبور شاهين (القاهرة:مؤسسة الرسالة، دار البحوث العلمية 1989)،ص:126.
(32) ريشناخ: ص:15.
(33) محمد علي محمد: علم الاجتماع والمنهج العلمي، دراسة في طرائق البحث وأساليبه، الإسكندرية، دار المعرفة الجامعية، 1968، ص:90.
(34) محمد دراز،النبأ العظيم،(الكويت:دار القلم،2008) ص: 107.
(*) على هذا الرابط
http://www.mediafire.com/?98ftrmcdgwid35s

(35) دراز، النبأ، ص: 121.
(36) دراز، النبأ ، ص: 107.
(37) بوبر:ص:16.
(38) دراز" الدين" ، ص: 162.

قائمة المراجع.
1-   زكريا. فؤاد، التفكير العلمي، (القاهرة:الهيئة المصرية العامة للكتاب،2012).
2-   الجوهري. محمد، " موسوعة علم الاجتماع" جوردون مارشال، ترجمة: محمد الجوهري وآخرين (القاهرة:المشروع القومي للترجمة، المجلس الأعلى للثقافى،2007).
3-   الجوهري. محمد، المدخل إلى علم الاجتماع ، (د.ن)
4-   القرطبي، الجامع لأحكام القرآن.
5-   جيدنز. أنتوني،" مقدمة نقدية في علم الاجتماع"،ترجمة: محمد الجوهري وآخرين، (مطبوعات مركز البحوث والدراسات الاجتماعية – كلية الآداب – جامعة القاهرة،2002).
6-   بوبر. كارل، :"بحثا عن عالم أفضل" ترجمة: د. أحمد مستجير، (القاهرة:الهيئة المصرية العامة للكتاب،1999).
7-   ريشناخ. هاينز،" نشأة الفلسفة العلمية" ، ترجمة : فؤاد زكريا.
8-   ميد. هنتر، " الفلسفة أنواعها ومشكلاتها" ترجمة : فؤاد زكريا،(القاهرة: دار نهضة مصر للطبع والنشر، 1975).
9-   علي.محمد، علم الاجتماع والمنهج العلمي، دراسة في طرائق البحث وأساليبه، الإسكندرية، دار المعرفة الجامعية، 1968.
10-                       دراز. محمد، النبأ العظيم،(الكويت:دار القلم،2008).
11-                      دراز. محمد، "المختار من كنوز السنة، شرح أربعين حديثا في أصول الدين"(الكويت:دار القلم،2009).
12-                      دراز. محمد، الدين (الكويت:دار القلم،2010).
13-                      دراز. محمد، "الميزان بين السنة والبدعة"،(الكويت: دار القلم،2010).
14-                       كولنجود. ر.ج، "، فكرة التاريخ"، ترجمة:محمد بكير خليل،(القاهرة: الهيئة العامة لقصور الثقافة،2012).
15-                      رشيد. محمد، تفسير المنار.
16-                      دراز . محمد،""دستور الأخلاق في القرآن الكريم" ترجمة:د. عبد الصبور شاهين (القاهرة:مؤسسة الرسالة، دار البحوث العلمية 1989)
17-                      محمد عبد السلام:"الأسئلة المعلقة حول الموجة الثانية في الشرق الأوسط"،(القاهرة:مجلة السياسة الدولية ، مركز الأهرام للدراسات السياسية )رقم 186 ،عام2011.
18-                      ابن تيمية، مجموع الفتاوى،( القاهرة: دار الوفاء، 2001)،
19-                      برتراند راسل"،(أسس لإعادة البناء الاجتماعي)، ترجمة: د. إبراهيم يوسف النجار،(بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 1987)

تعليقات

المشاركات الشائعة