أضواء مهمة على مشكلة باسم يوسف ورأي د. حاتم العوني فيه.

أضواء مهمة على مشكلة باسم يوسف ورأي د. حاتم العوني فيه.
بقلم - خالد المرسي
برنامج " البرنامج" الذي يقدمه الإعلامي باسم يوسف صار موضع إهتمام من العالم كله الآن وهو من أكثر البرامج تأثيرا في العالم، ويشكل مشكلة كبيرة للنظام الحاكم في مصر ولأغلب التيارات الدينية هناك، ونحن نحتاج إلى من يجلي بعض نواحي هذه المشكلة، وهذا ما أحاوله في هذا المقال. ثم أتبعه برأي الدكتور العالم الكبير حاتم العوني.
موضوع باسم يوسف هذا ذو شجون، أمثل لكم بمثال حسي: شاب ذو أخلاق وضمير يحب أبيه الذي ارتكب جرائم مهنية وأخلاقية يحاسب عليها وشهادة هذا الشاب على أبيه هي التي ستدينه بهذه الجرائم وستعيد الحقوق المنهوبة إلى أصحابها، فهذا الشاب الآن في مأزق ما بين أن يرضي ربه وضميره وأخلاقه  وما بين أن يرضي عاطفته في معصية الله ووخز الضمير، فلا شك في أن الموقف الصحيح هو أن يرضي ربه وأخلاقه لأن الحق أحق أن يتبع ثم ليصبر على ألم مخالفة وجدانه، ويعتبره قدرا من عند الله وبلاء ليختبره به .
هذا المثال يقرب إلى الأنظار المشكلة مع باسم يوسف، الآن التيار الديني اخوانيا وسلفيا المنتشر في عالمنا يمثلون لنا الأباء والشيوخ والإخوة ولهم في القلوب ود ونعرف لهم أفضالا ومناقب، إلا أن هذا التيار وقع في اخطاء مهنية لأنه غير منضبط فكريا ومنهجيا ودعويا، وبعض المفكرين منذ سنوات طويلة يعرفون جيدا أن هذا التيار بوضعه يثير في عقول طبقات شعبية كثيرة من النخبة والعامة ما يُثار في عقل باسم يوسف الذي عبر عنه ببرنامجه، إلا ان الشعوب ليس عندها من الشجاعة والفكر والوعي والإهتمام ما يؤهلهم إلى إظهار الكامن في عقولهم مثلما أظهر باسم يوسف، لكنه حين أظهره لم يثوروا عليه بل نال إعجابهم او على الأقل لم يحرك في نفوسهم شبهات تقنعهم بأنه يسخر من دين الإسلام! مما يعني أنهم يرونه في صورة أخرى غير تلك التي يراه عليه التيار الديني، رغم أن صورة الإسلام واضحة في أعين الشعوب ولو رأوا من ينتهكها صراحة كما يدعي التيار الديني لثاروا عليه ولا سيما ونحن في زمن الثورة كما ثاروا على من انتهكها قديما وحديثا.
 تلك الأخطاء الذي نتجت عنها هذه الآثار  من التيار الديني - أقصد أغلبه أو معظمه الظاهر بوضوح على الساحة لا كله -  يعرفها المفكرون أنها أخطاء واضحة بمقياس مناهج وافكار كل مجددي الإسلام في عصرنا الحديث بدءا من الأفغاني مرورا بمحمد عبده ورشيد رضا إلى محمد دراز وأمثالهم انتهاء بمن يغلب عليهم صبغة الوعظ أو الدعوة كالشيخ محمد متولي الشعراوي او الشيخ محمد الغزالي ممن لم يدققوا في تفاصيل فكرهم ودعوتهم تدقيقا علميا كما اعتاد المجددون الأولون، كل هؤلاء مع اختلافهم فيما بينهم نجد التيار الديني لو عرضناه على المنهجية العامة السائدة لدى المجددين لوجدناه غارقا في أخطاء منهجية سببت نفور الناس عنهم وضيقهم منهم كما نرى من باسم، ونحن إذا كنا عرفنا ذلك بهذا المقياس فباسم عرفه بثقافته الإسلامية وغير باسم من العامة عرفه بالنور الفطري كما يقول التابعي الجليل الربيع ابن خيثمة " إن للحديث ضوءا كضوء النهار تعرفه، وظلمة كظلمة الليل تنكرها " وهي نظرية في المعرفة الاجتماعية مشهورة في علوم الاجتماع الحديثة.
لو قارنت بين هذين المثلين لوجدت مثالنا أشد تعقيدا من الأول لأن الرجل المجرم في المثال الأول لديه شاشة إدراكية يعترف بمقتضاها شناعة فعله وكذلك هناك جهاز شرطة في المجتمع يحاسبه وتنهتي المشكلة من هذه الجهة ولا تبقى إلا جهتها العاطفية الخاصة بابنه، أما مثالنا فلا توجد فيه شاشة إدراكية أصلا لدى التيار الديني يرى بها أو يتفهم بها نقدنا الموجه إليه ولا يستطيع أن يرى المقياس الذي وزناه به مما يعني أنه عاجز عن رؤية عيب نفسه ومن ثم فلا يبقى هناك احتمال إلا أن الناقد والعائب يعيب في دين الإسلام أو في المشروع الإسلامي لا فيهم هم! وبالتالي خسرناهم كطرف يستطيع حل المشكلة ويعقد مراجعات يراجع فها مناهجه الفكرية لأنه عاجز عن رؤية المشكلة كما هي في حقيقتها أصلا! والشعوب وكذلك النخبة إن كانت ترى المشكلة - إجمالا لا تفصيلا -  فهي عاجزة عن تقديم حلول حاسمة مما يعني أننا وصلنا إلى طريق مسدود لا نجد مخرجا منه فنسأل الله ان يلطف بنا إلى أن يجعل لنا مخرجا - وهو على كل شيء قدير -.
 كانت هذه مقدمة أحاول فيها إلقاء شيء من الضوء على هذه المشكلة الضخمة مما أرجو معه أن يتفهم القارئ الوضع ويحاول أن يجهد نفسه ليفهم الأمور في تفاصيلها وعلى حقيقتها ويعامل كل طرف بما له وما عليه ويكف عن اتهام الناس في دينهم على غير علم ولا برهان مبين، وقد أتيحت لي  الفرصة للتعرف على بعض مناهج هذا التيار الديني في تعمق وإليكم أمثلة وهي غيض من فيض أقوال وأحوال أعرفها عنهم تؤكد يقينا أن لديهم خلل في العقلية والمناهج لا مجرد خلل في جزئيات مسائل لا ينجو من الخلل فيها أحد! إليكم قولان قال بهما إثنان يعتبرهما التيار السلفي في مصر من اكابر المرجعيات العلمية في العالم الإسلامي كله - خاصة مصر - أرسلت بهما إلى الدكتور حاتم العوني العالم السعودي المحدث المعروف وعضو مجلس الشورى السابق فإليكم نص رسالتي ثم نص جوابه وفيه رأيه في باسم يوسف .
"الدكتور الفاضل: كان الشيخ فلان يقول إن السنة أن أقول إذا استأذنت على قوم " السلام عليكم، أألِج؟" كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم في أحد الأحاديث المروية عنه، ويقول الشيخ الآخر فلان: لو طرق أحد بيتك في مصر لا تقول " مين" كما هي اللغة المصرية ولكن قل " من" لأن مين نسبة إلى مينا ملك الفراعنة الكفار وهي علامة على الكفر .
نرجو من حضرتك التعقيب إن كان يستحق الأمر تعقيبا"
رد الدكتور حاتم: ثم لا تريدون باسم يوسف يتكلم ؟!،هذه خاطرة كتبتها وسوف أنشرها قريبا :

يقولون : فلان يسخر من الدين ، فأقول لهم : لو صدقتم في كونه يسخر من الدين ؛ لأنكم تجعلون مجرد نقد شخوصكم سخرية من الدين = فإنكم أنتم أيضا تسخرون من الدين .. وأيما سخرية ! فرب جد يكون أعظم سخريةً من هزل ! ورب كلام باسم الدين يكون أعظم استهزاء بالدين من استهزاء صريح !! إذا كان كلاما بجهل وبغي وافتراء !!!
كفوا عن المسلمين استهزاءكم بالدين ، باسم الدفاع عن الدين أو الدعوة إليه ، حتى أصبح مجرد عرض بعض مقاطع من كلامكم سببا لضحكٍ مبكي وبكاء مضحك !!
لقد شاهدت بعض حلقات ( البرنامج ) الذي يعدون صاحبه يسخر من الدين ، فوجدت أن ما يعرضه صاحبه من سخريتهم هم بالدين هو أنكى ما فيه وأشده سخرية بالدين !!
ولا يعني ذلك أن هذا البرنامج ليس فيه تحامل ولا أنه برنامج منصف ، لكن أدسم مادة فيه هي تلك المقاطع من كلامكم محضة خالصة ، فهي لا تحتاج ( برنامجا ) ولا سخرية لتكون مادة تندر وموضوع استهجان عند كل عاقل .
قولوا ما ستقولون ! فوالله ما عدت أستجيز السكوت عن بيان الحق فيكم ، ولو خسرت عامتكم ، ولو استطلتم في عرضي ! فالحق أحب إلي من عرضي !! ولقد تصدقت بعرضي لقول الحق ، وجعلته غرضا لبغيكم !!
ولقد أصبحت مع سابق بغيكم كما قال القائل :
رماني الدهر بالأرزاء حتى *** فؤادي في غشاء من نبال
فصرت إذا أصابتني سهام *** تكسرت النصال على النصال

أخيرا : ولقد بقي ( بحمد الله ) من أهل العلم والإيمان قلة قليلة يقولون الحق وبه يعدلون ، ولكن غلب على الفضائيات غوغاء من الناس ، يظنون الغيرة وحفظ بعض المعلومات هي العلم والدين ، وأنهما تؤهلهم للحكم والفتوى !!

المشاركات الشائعة