من الإعجاز الفكري النهضوي في القرآن الكريم

يقول الله{وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ }
لقد اكتشفت معنى حضاري من هذه الآية يستحيل أن يعلمه نبينا بتأمله لأنه كان أميا لايقرأ ولا يكتب، ويستحيل علم هذا المعنى إلا بالتأمل في مادته التي تنال بالتعلم والدراسة الطويلة جدا في فلسفات العلوم، مما يعني استحالة نسبة هذا الكلام إليه إنما هو مرسل من عند الله وهو في نظري من الإعجاز الفكري في القرآن الكريم لأن هذا الإعجاز هو الأصل - مع الإعجاز اللغوي - في معجزة الوحي بشقيه " القرآن والسنة" وإن كان هذا الأصل مهجورا في زماننا لحساب الإعجاز العلمي الذي نفخ فيه ضعافُ العقول الكسالى فكريا.

الآية تقول للصحابة إذا توليتم عن الإسلام بعد ما عرفتموه يستبدل الله قوما غيركم لا يتولون، قال العلماء إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وقالوا إن كل آية نزلت في الكفار تجر بذيولها على المؤمنين لأنها انتقدت الكفار لصفات قامت بهم فلو قامت بعضها بالمؤمنين استحقوا بعض عذاب الكفار، هكذا فهم الصحابة القرآن الكريم وبالتالي فالآية تشمل كل تول عما تنتصر به دعوة الحق - بشقها القدري المقصور على الكفار او بشقيها " القدري والشرعي" المقصور على المسلمين - في الأرض وتزدهر من مناهج أو علوم.
وقفت عند هذه الجملة {ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} ما فائدتها؟ رغم أن المعنى يتم بدونها فلو استبدل الله غيرهم يفهم أي أحد أن هذا الغير سيطيعه ويرضيه ولن يسخطه كما أسخطه المستبدلون، وكل حرف في القرآن له معاني لا تنفد لأنه كلام الله المعجز فكيف بجملة طويلة كهذه! فوصلت من تأملاتي في الإصلاحيين المعاصرين وفي معارفهم أنهم قد يخلف بعضهم بعضا ويكثرون في أزمان أو زمان على مختلف الأصعدة - السياسية والثقافية والدينية وغيرها - وينتقد فريق إصلاحي من قبله أو من هم غيره من الفرقاء معاصريه، ويظن نفسه غيرهم وأنه بمنهجه هو المصلح المستنير كما يحدث الآن من بعض التيارات الدينية الدعوية تجاه البعض الآخر أو من بعض التيارات السياسية تجاه نظم الحكم الأخرى - لا سيما في زمن الربيع العربي الذي كشف عن اشتراك المخلوعين وبدائلهم في التخلف - لكن الواقع قد يكون خلاف ذلك وأن التيارات التي تظن نفسها أهل الاستنارة دون زميلاتها هي هي غيرهم حقا لكنها مثلهم ( لا أنها ليست أمثالهم) فهي غيرهم مثلهم، والمطلوب أن يكونوا غيرهم ثم لا يكونوا أمثالهم، ذلك لأن شأن الإصلاح والتنوير في كل الأزمنة وعلى كافة المستويات العلمية التجريبية كالطب والهندسة الخ والفكرية والثقافية والفنية الخ كلها قائم على حيازة العلم ذلك العلم الذي يكون في دياجير الظلام يستخلصه الموفق بجهده وبتوفيق الله يستخلصه من بين غيره مما يحيط به ويختلط من الجهل والقشور ومما يشبهه وليس هو، كما قال ابن القيم " العلم أمر آخر وراء الشبه والإشكالات" هذا " الأمر الآخر" في سياق بحث ابن القيم ومناقشاته للمنحرفين في مسائل القضاء والقدر كان هذا " الأمر الآخر" هو منهج أهل السنة في تلك المسائل، وكذلك ستجد هذا "الأمر الآخر" هو سر التنوير في كافة المستويات الطب والهندسة والفكر والسياسة ....الخ فقد ينتقد التيار الذي يظن نفسه المتنور تيارا آخر يراه متخلفا والواقع انه مثله - وإن كان غيره - فهو مثله من حيث أن كليهما لم يصيب ذلك "  الأمر الآخر" قد يختلفون فيما بينهم في التخلف من حيث حيازة أحدها بنسبة عالية منه او بنسبة خفيفة عن مثيلتها لكنهم يجتمعون في النهاية في وصف التخلف وفي كون كل منها لم يصيب " الأمر الآخر" فهم متغايرون متماثلون، وأيضا فقد يصيب المرء أو الجماعة في اكتشاف تخلف زميلتها اكتشافا مجملا لكن عند السير في طريق تحصيل التفاصيل لا يستطيعون إصابة " الأمر الآخر" في هذا الطريق المعقد فيصيروا غيرهم مثلهم، وهذا واضح في الأمم الكافرة والمسلمة ففي أمتنا ستجدون مصداق ذلك في كثير من التيارات الدينية التي تشكل الصحوة الإسلامية المعاصرة وفي التيارات السياسية التي حلت محل المخلوعة، وستجدون في الأمم الكافرة مثلا أهل الفلسفة العلمية الناشئة في القرن التاسع عشر المستولية على الغرب الآن اكتشفوا تخلف الفلاسفة اكتشافا مجملا وهم في اكتشافهم على حق وقد وافقوا موقف الإسلام الذي يتبرأ من الفلاسفة ويراهم أهل تخلف وردة حضارية في الدين والدنيا، لكن عند سيرهم في طريق التفاصيل صاروا متخلفين أكثر منهم لأنهم تبنوا الفلسفة المادية بدلا عن الفلسفة التأملية العقلية المتخلفة! وهم بذلك أشد تخلفا، فهم غيرهم مثلهم في التخلف وأشد،ولو تلاحظون حرف "ثم" في الآية الكريمة ليدل على التراخي أي المطلوب من المرء المصلح أن يكون غيرهم أولا " لأن الغيرية تحصل بالاكتشاف المجمل الذي لا يستغرق وقتا طويلا بل قد يحصل في دقائق معدودة للعوام بالنور الفطري في بعض الحالات الكثيرة - لكن لا يتحقق في المصلح كونه ليس مثلهم إلا بعد فترة طويلة يسير في الطريق المفصل ثم يصيب " الأمر الآخر" فإذا حدث ذلك له بعد فترة طويلة صار غيرهم وليس مثلهم. ولذلك أمرنا الله في كل ركعة من ركعات الصلاة أن ندعوه بالهداية كما في سورة الفاتحة. ولذلك أنا ألح دوما على ضرورة دراسة تراث محمد عبده ورشيد رضا ومحمد دراز وامثالهم لأنهم أصابوا ذلك " الأمر الآخر".

من أراد التوسع في مقولة ابن القيم فليدخل هنا 
http://elmorsykhalid.blogspot.com/2013/04/blog-post_7.html

تعليقات

المشاركات الشائعة