عن قاعدة " العبرة بالديل لا بأقوال العلماء"


عن قاعدة " العبرة بالديل لا بأقوال العلماء" .
كثيرا ما نجد بعض الشباب يخالف العلماء ويتذرع ببعض نصوص ثم إذا عوتب قال : العبرة بالنص وبالدليل. والحقيقة أن مقولة " العبرة بالدليل" لم يقصد العلماء بها الإطلاق، لأنه ما من مبتدع إلا ويستدل بأدلة، ولكن مقصود العلماء بمقولة " العبرة بالدليل" هو أن العبرة به بقيد، وهذا القيد هو " أن نطمئن إلى أن المستدل بالدليل قد استدل به بعد أن نظر للشريعة كلها نظرة واحدة كاملة لا مقتطعة ولا جزئية".
وكلامهم في ذلك معروف فمثلاً الإمام الشاطبي يقول :" نأخذ الأدلة عند الأئمة الراسخين إنما هو على أن تؤخذ الشريعة كالصورة الواحدة بحسب ما ثبت من كلياتها وجزئياتها المرتبة عليها، وعامها المرتب على خاصها، ومطلقها المحمول على مقيدها، ومجملها المفسر بينها، إلى ما سوى ذلك من مناحيها، فإذا حصل للناظر من جملتها حكم من الأحكام فذلك الذي نظمت به حين استنبطت.
وما مثلهل إلا مثل الإنسان الصحيح السوي، فكما أن الإنسان لا يكون إنسانا حتى يستنطق فلا ينطق باليد وحدها ولا بالرجل ولا بالرأس وحده ولا باللسان وحده، بل بجملته التي سمي بها إنسانا.
كذلك الشريعة لا يطلب منها الحكم على حقيقة الاستنباط إلا بجملتها، لا من دليل منها أي دليل كان، وإن ظهر لبادي الرأي نطق ذلك الدليل، فإنما هو توهمي لا حقيقي، كاليد إذا استنطقت فإنما توهما لا حقيقة، من حيث عُلمت أنها يد إنسان لا من حيث هي إنسان لأنه محال.
فشان الراسخين تصوُّر الشريعة صورة واحدة يخدم بعضها بعضا كأعضاء الإنسان إذا صورت صورة واحدة.
وشأن متبعي المتشابهات أخذ دليل ما – أي دليل كان – عفوًا وأخذًا أوليًا، وإن كان ثم ما يعارضه من كلي أو جزئي. فكان العضو الواحد لا يعطي في مفهوم أحكام الشريعة حكما حقيقيا." كتاب الاعتصام ج1 ص 235.
ويقول الدكتور محمد عبد الله دراز : " لأمرٍ ما أنزلَ اللهُ الكتابَ (مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) فمن قرأ كتاب اللهِ وسنة رسوله وجد فيهما أطرافاً يميلُ إليها المتطرّفون, وأوساطاً يأخذ بها المقتصدون, (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ). وأما الرّاسخون في العلم فيردّون المتشابهَ إلى المُحْكم ويقولون: (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا)  "
ولذلك لا تستمع لكل من استدل بأدلة، ومن هنا كذلك نعرف أنه يجب علينا الاجتهاد في تحديد من هو " الرجل" الذي يستأهل وضع هذا الاطمئنان فيه – أي الاطمئنان إلى أنه نظر للشريعة كصورة واحدة – وللواقع المراد تطبيق الشرع عليه كذلك - 
ولذلك نجد الإمام الشاطبي وهو الذي لاقى المر من المقلدين- الذين يقدمون أقوال الرجال على الأدلة - أهل البدعة في زمانه ، يختم كتاب "الاعتصام" بهذه الجملة: " إذا ثبت أن الحق هو المعتبر دون الرجال فالحق أيضا لا يعرف دون وسائطهم بل بهم يتوصل إليهم وهم الأدلاءُ على طريقه"
ولذلك أنا دائما في أطروحاتي الدينية أتعمد – بقدر الإمكان – الاسختفاء وراء أقوال الرجال – لاسيما المعاصرين –  لا القدماء فقط، لأني لو اقتصرت على القدماء لصح أن يُورَد علي أنني لم أنظر للواقع كصورة واحدة – بسبب الفرق الزمني بيننا وبين القدماء – وهو إيراد صحيح كنفس الإيراد على مقولة :" العبرة بالدليل" ولذلك فلا تلتفتوا للشباب الذين يخالفون العلماء بالاستناد إلى أدلة – في زعمهم -

تعليقات

‏قال خالد المرسي
نقاش هنا
http://www.benaa.com/Read.asp?PID=1907334&Sec=0

المشاركات الشائعة