لا "صوت سيده" ولا "رجل السلطة" بين عمرو موسى وشفيق. بقلم ابراهيم غانم

  لا "صوت سيده" ولا "رجل السلطة"
د. إبراهيم البيومي غانم
للفلول أكثر من مرشح في انتخابات الرئاسة المصرية، أشهرهما اثنان: عمرو موسى، وأحمد شفيق. الأول له خلفية دبلوماسية وكان بحكم وظيفته هذه "صوت سيده" طول حياته الوظيفية بوزارة الخارجية وبجامعة الدول العربية في عهد الرئيس المخلوع. والثاني له خلفية عسكرية، وكان بحكم زمالته للمخلوع من المقربين منه، وعمل في عهده وزيراً، ثم رئيساً للوزراء عندما حدثت موقعة الجمل الشهيرة إبان ثورة يناير. وقد لفظه ميدان التحرير من أول يوم له في منصبه. والاثنان يفكران بنفس العقلية القديمة لنظام المخلوع، وينظران إلى الشعب المصري على أنه قاصر ويحتاج إلى وصي عليه. وبهذين الأمرين معا سيصلان إلى الفشل المحتوم في الانتخابات الرئاسية المقررة يومي 23 و24 أيار الجاري إن شاء الله.
يصف عمرو موسى نفسه بأنه "رجل دولة"، ويطرح أحمد شفيق نفسه على أنه "رجل الأمن والاستقرار". ويعرف المصريون عن عمرو وشفيق أنهما كانا من "رجال السلطة" في عهد مبارك المخلوع. ويعرفون أن تلك السلطة قد تجمعت فيها ثلاث رذائل سياسية هي: الاستبداد، والفساد، والفشل. وهذا ما قاد إلى ثورة يناير المجيدة. والرجلان إن لم يكونا قد شاركا في تلك الرذائل فقد سكتا عليها لعقود طويلة.
في علم الدبلوماسية عادة ما يوصف السفير بأنه "صوت سيده"؛ أي الناطق بلسان الحاكم الملك أو الإمبراطور أو الرئيس، وليس بوسعه أن يفعل أكثر من ذلك، وخاصة إذا كان الحاكم دكتاتوراً مستبداً من طراز مبارك المخلوع. وعليه فمن الخطأ أن يصف عمرو موسى نفسه بأنه "رجل دولة" بعد أن التصق به وصف "صوت سيده" طوال حياته الوظيفية التي صنعت منه فقط "رجل سلطة".
وفي علم ثورة يناير المجيدة التي قام بها المصريون في يناير سنة 2011 ضد نظام المخلوع فإن الذين شاركوا المخلوع في الاستبداد والفساد والفشل يسميهم المصريون: "الفلول"؛ وخصوصًا إذا كانوا وزراء أو كانوا رموزاً في عالم السلطة والنفوذ في عهده البائد. وبهذا المعيار الثوري فإن أحمد شفيق هو من كبار الفلول كونه وزيراً ورئيساً للوزراء في عهد المخلوع. ولكن من العدل والإنصاف القول إن عمرو موسى يظل متفوقاً على شفيق؛ فهو "صوت سيده"، و"فل" معاً؛ بينما شفيق "فل" فقط.
ومهما حاول عمرو موسى أو أحمد شفيق التنصل من انتمائهما لنظام الرئيس المخلوع، أو إلصاق نفسيهما بالثورة فلن يصدقهما السواد الأعظم من المصريين. ولن تنطلي على أحد أيضاً الانتقادات التي يوجهانها أحياناً وبطرق ملتوية لنظام سيدهما المخلوع. والقول بغير ذلك يعني أن المصريين لم يقوموا بثورة، ولم يضحوا في سبيلها بالغالي والنفيس، وأنهم باتوا بلا ذاكرة، أو أنهم لا يزالون في أسر ثقافة الخوف والخنوع للاستبداد الداخلي، والتبعية للقوى الأجنبية التي أنتجها نظام مبارك المخلوع ومعاونوه. وهذا ما يرفضه المصريون، ولا يؤيده واقع ما بعد الثورة.
ما يلفت النظر حقاً أن شفيق وموسى لم يتمكنا من الخروج من ثقافة الاستبداد والاستعلاء التي طغت في عهد المخلوع. فهما يستخدمان خطاباً سياسياً من نفس نوعية الخطاب الذي كان سائداً في عهده. ويطلقان شعارات مليئة بالأوهام والأساطير التي هي من جنس شعارات وأساطير الحزب الوطني المنحل التي كان يطلقها في كل مناسبة انتخابية. ومن ذلك مثلا قول شفيق بأنه سوف يحقق الأمن ويقضي على البلطجة في 24 ساعة من توليه السلطة! وقول موسى بأنه سوف يحل مشاكل مصر الاقتصادية "بالتليفون!! فهل هذا كلام معقول أو يقبله عاقل؟. وإذا افترضنا جدلاً أن المصريين يصدقون مثل هذه الوعود والأساطير فمعنى هذا أنهم على استعداد للارتداد إلى ثقافة التمائم والسحر والشعوذة، بدلاً من الاصطفاف خلف "مشروع للنهضة" مبني على العلم والخبرة والتفكير العقلاني الرشيد. ولو سلمنا بإمكانية حدوث هذه الردة فمعنى هذا أن المصريين على استعداد كذلك لأن يُلدغوا من الجحر أكثر من مرة. فهل هذا معقول بعد ثورة يناير؟!.
ولكن من العدل والإنصاف عند المقارنة بين موسى وشفيق والقول إن تصريحات شفيق وشعاراته الانتخابية تبدو أكثر اتساقاً ووضوحًا من تصريحات وشعارات موسى. فموسى متمرس على المراوغة واللف والدوران واللعب بالكلمات بحكم خبرته التي اكتسبها عندما كان "صوت سيده". ومن الأدلة على ذلك روغانه من سؤال عن واقعة تأييده للمخلوع للترشح لرئاسة الجمهورية سنة 2010، إذ تحجج بأنه أيده آنذاك لكونه أفضل من جمال ابنه!. أما شفيق فهو أكثر مباشرة وصرامة في تصريحاته وأحاديثه ربما بحكم تكوينه العسكري وخبرته الطويلة في الأمر والنهي. فهو لا يتردد في التأكيد بقوة على تمسكه بأن مبارك المخلوع هو "مثله الأعلى". ولا يتردد في التصريح بأنه يكره المؤسسات النيابية ويتوعد بأنه سيحل مجلسي الشعب والشورى فور انتخابه رئيساً للجمهورية. ويرى دون مواربة أن "الشعب المصري شعب مسالم جداً، ولو وضعت له إطاراً؛ سهل أن يكون منضبطاً، وهذه طبيعة شعوب الوديان..."(حرفياً من حديثه مع الإعلامية منى سليمان في برنامج بثته قناة الجزيرة مباشر مصر مساء يوم الخميس 10 أيار الجاري).
ومعنى كلام شفيق هذا بوضوح أنه يؤمن بنظرية "الاستبداد الشرقي" التي يذهب أصحابها إلى أن شعوب المجتمعات النهرية المستقرة حول وديان الأنهار مثل مصر والعراق والهند لا يصلح لها إلا النظام المستبد الذي يتم فرضه من أعلى هرم السلطة. تماما كما كان الفرعون يتحكم في توزيع المياه ويسوق المصريين بالسياط، ومن ثم كان يتحكم في أرزاقهم ومعايشهم. وهذا النمط التسلطي عبر عنه شفيق بصراحة في كلامه لقناة الجزيرة مباشر مصر الذي أشرنا إليه. ولكن ما لا يدركه شفيق هو أن مثل هذا النمط من التفكير قد أضحى بالياً، وأنه قد انتهى أو كاد من عالم السياسة المعاصرة بصفة عامة، وأن رياح التحول الديمقراطي اقتلعته من جذوره في معظم البلدان النهرية العريقة ومنها الهند التي أصبحت أكبر ديمقراطية في العالم اليوم. ولن تكون مصر استثناءً من هذا التحول العالمي. وستقتلع ثورة يناير عما قريب ما تبقى من تلك الثقافة الاستبدادية، وستضعها بكل مكوناتها ورموزها حيث ينبغي في مزبلة التاريخ.
  الأمر مختلف بالنسبة لعمرو موسى، فهو منذ الإطاحة بسيده مبارك المخلوع يبدي قدراً لا بأس به من "العنترية" في هجومه الشديد على فترة حكمه، التي كان رمزا من رموزها وكان "صوت سيده". وما يبعث على الأسى هنا هو عدم وفائه لسيده المخلوع؛ والظهور بمظهر المعارض له الآن!. ولم يتأسَّ عمرو مثلاً بالسيد طارق عزيز وزير خارجية العراق الأسبق؛ الذي ــ وهو قيد الاعتقال بعد سقوط نظام صدام ــ أبى أن يذكر الرئيس صدام حسين بكلمة سوء، ولا حتى بكلمة نقد واحدة لنظامه الدكتاتوري الذي لا يختلف اثنان على أنه كان لا يقل استبداداً وتجبراً عن نظام مبارك المخلوع. ولو أن طارق عزيز فعل ذلك وانتقده لكانت له مندوحة بسبب اعتقاله ولظروفه الصحية وبعد زوال النظام وإعدام رئيسه. ولكنه أبى بشموخ مثلما أبى جميع أركان نظام الرئيس صدام أن يهينوه بعد أن أُطيح به وبهم جميعاً، وآثروا أن يظلوا رجالاً ثابتين على مبدئهم وأوفياء لقائدهم ولم يذكروه في التحقيقات التي أجريت معهم إلا مقرونا بألقاب التبجيل والاحترام التي اعتادوا أن يقولوها له في عز سلطته ودكتاتوريته. ترى ما معنى "العنترية" التي يمارسها الآن عمرو موسى ضد نظام سيده المخلوع وما فائدتها وما الهدف منها؟.
عندي يقين أن المصريين قد قلبوا صفحة العهد البائد بكل رجاله ووباله، وأنهم يرفضون "صوت سيده" ويمقتون "رجل السلطة". عندي يقين أن عزل مرشحي الفلول لانتخابات الرئاسة سيتم على نحو مبهر وسلس عبر صناديق الانتخابات. عندي يقين ورجاء في الله تعالى أن يوفق السواد الأعظم من المصريين للاصطفاف حول مشروع النهضة بإرادتهم الحرة وباقتناعهم التام كي تكون مصر قوية.

المشاركات الشائعة