كلمة عن المخدرات والمعازف


يقول الله تعالى:(وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ).... يقول الشيخ رشيد رضا" وَالْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا الَّتِي قَالَ الْكُفَّارُ: إِنَّهُ لَا حَيَاةَ غَيْرُهَا - وَهِيَ مَا يَتَمَتَّعُونَ بِهِ مِنَ اللَّذَّاتِ الْمَقْصُودَةِ عِنْدَهُمْ لِذَاتِهَا، أَوِ الْمُلْهِيَةِ لَهُمْ عَنْ هُمُومِهَا وَأَكْدَارِهَا - لَيْسَتْ إِلَّا لَعِبًا وَلَهْوًا أَوْ كَاللَّعِبِ وَاللهْوِ فِي عَدَمِ اسْتِتْبَاعِهَا لِشَيْءٍ مِنَ الْفَوَائِدِ وَالْمَنَافِعِ يَكُونُ فِي حَيَاةٍ بَعْدَهَا، أَوْ هِيَ دَائِرَةٌ بَيْنَ عَمَلٍ لَا يُفِيدُ فِي الْعَاقِبَةِ - فَهُوَ كَلَعِبِ الْأَطْفَالِ - وَبَيْنَ عَمَلٍ لَهُ فَائِدَةٌ عَاجِلَةٌ سَلْبِيَّةٌ، كَفَائِدَةِ اللهْوِ هُوَ دَفْعُ الْهُمُومِ وَالْآلَامِ، وَيُوَضِّحُ هَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْحُكَمَاءِ: إِنَّ جَمِيعَ لَذَّاتِ الدُّنْيَا سَلْبِيَّةٌ؛ إِذْ هِيَ إِزَالَةُ الْآلَامِ، فَلَذَّةُ الطَّعَامِ مُزِيلَةٌ لِأَلَمِ الْجُوعِ وَبِقَدْرِ هَذَا الْأَلَمِ تَعْظُمُ اللَّذَّةُ فِي إِزَالَتِهِ، وَلَذَّةُ شُرْبِ الْمَاءِ مُزِيلَةٌ لِأَلَمِ الْعَطَشِ كَذَلِكَ.
وَأَمَّا شُرْبُ الْمُنَبِّهَاتِ وَالْمُخَدِّرَاتِ؛ كَالْخَمْرِ وَالْحَشِيشِ وَالدُّخَانِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ أَوَّلًا بِالتَّكَلُّفِ وَاحْتِمَالِ الْمَكْرُوهِ وَالْأَلَمِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا مَكْرُوهَةٌ بِالطَّبْعِ كَمَا أَخْبَرَ الْمُجَرِّبُونَ، وَإِنَّمَا يَتَكَلَّفُونَهُ طَلَبًا لِلَذَّةٍ مُتَوَهَّمَةٍ يُقَلِّدُ بِهَا الشَّارِبُ غَيْرَهُ، ثُمَّ يَصِيرُ الْمُؤْلِمُ بِالتَّعَوُّدِ مُلَائِمًا بِإِزَالَتِهِ لِلْأَلَمِ الْمُتَوَلِّدِ مِنْهُ إِزَالَةً مُؤَقَّتَةً. ذَلِكَ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ سُمُومٌ مَكْرُوهَةٌ
فِي نَفْسِهَا، وَمَتَى أَثَّرَ سُمُّهَا فِي الْأَعْصَابِ بِالتَّنْبِيهِ الزَّائِدِ وَغَيْرِهِ أَعْقَبَ ذَلِكَ ضِدَّهُ مِنَ الْفُتُورِ وَالْأَلَمِ، وَهُمَا يُطَارَدَانِ بِالْعَوْدِ إِلَى الشُّرْبِ، كَمَا قَالَ أَشْعَرُ السِّكِّيرِينَ وَأَقْدَرُهُمْ عَلَى تَمْثِيلِ تَأْثِيرِ السُّكْرِ
وَدَاوِنِي بِالَّتِي كَانَتْ هِيَ الدَّاءُ
وَقَالَ:
وَكَأْسٍ شَرِبْتُ عَلَى لَذَّةٍ ... وَأُخْرَى تَدَاوَيْتُ مِنْهَا بِهَا
وَهَذِهِ اللَّذَّةُ الْأُولَى الَّتِي ذَكَرَهَا وَهْمِيَّةٌ كَمَا قُلْنَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ذَاقَهَا بَلْ تَوَهَّمَهَا، وَقَلَّدَ بِهَا الْمَفْتُونِينَ بِالسُّكْرِ. وَقَدْ يَقْصِدُ بِالسُّكْرِ إِزَالَةَ آلَامٍ أُخْرَى غَيْرِ أَلَمِ سُمِّ الْخَمْرِ كَالْهُمُومِ وَالْأَكْدَارِ، فَإِنَّ السَّكْرَانَ يَغِيبُ عَنْ عَقْلِهِ وَوِجْدَانِهِ فَلَا يَشْعُرُ بِآلَامِهَا فِي تِلْكَ الْحَالِ، وَقَدْ يَتَضَاعَفُ عَلَيْهِ أَلَمُ الشُّعُورِ وَالْوِجْدَانِ، وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ فِي آلَامٍ أُخْرَى بَدَنِيَّةٍ كَالصُّدَاعِ وَالْغَثَيَانِ، أَوْ نَفْسِيَّةٍ كَالَّتِي فَرَّ مِنْهَا، أَوْ مَا هُوَ شَرٌّ مِنْهَا، وَيَصْدُقُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ حَالٍ قَوْلُ أَبِي الطَّيِّبِ:
إِذَا اسْتَشْفَيْتَ مِنْ دَاءٍ بِدَاءٍ ... فَأَقْتَلُ مَا أَعَلَّكَ مَا شَفَاكَا.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ سَمَاعَ الْغِنَاءِ وَآلَاتِ الطَّرَبِ لَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ؛ لِأَنَّهَا لَذَّةٌ رُوحِيَّةٌ لَا تُعَدُّ دَاعِيَتُهَا مِنَ الْآلَامِ، وَمَنْ دَقَّقَ النَّظَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلِمَ أَنَّ السَّمَاعَ لَيْسَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الْحَيَاةِ الشَّخْصِيَّةِ وَلَا النَّوْعِيَّةِ ; وَلِذَلِكَ كَانَتْ دَاعِيَتُهُ ضَعِيفَةً لَيْسَتْ كَدَاعِيَةِ الْغِنَاءِ وَالْوِقَاعِ، فَكَانَ فَقْدُهُ غَيْرَ مُؤْلِمٍ إِلَّا لِمَنِ اشْتَدَّ وُلُوعُهُ بِهِ، وَهَذَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْقَاعِدَةِ. وَلَذَّةُ السَّمَاعِ عِنْدَ غَيْرِهِ - وَهُمُ الْجُمْهُورُ - ضَعِيفَةٌ بِقَدْرِ ضَعْفِ الدَّاعِيَةِ، فَالسَّمَاعُ لَا يُعَدُّ مِنْ أَرْكَانِ هَذِهِ الْحَيَاةِ، وَلَا مِنْ مَقَاصِدِهَا الذَّاتِيَّةِ لِلنَّاسِ، وَإِنَّمَا يَسْتَرْوِحُ إِلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِهِ لِتَرْوِيحِ النَّفْسِ مِنْ آلَامِ الْحَيَاةِ لَا مِنْ أَلَمِ الدَّاعِيَةِ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا غَلَبَ اسْمُ " اللهْوِ " عَلَيْهِ وَاسْمُ " الْمَلَاهِي " عَلَى آلَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِذَاتِهِ.

تعليقات

المشاركات الشائعة