عن أثر الإيمان في النصر

يقول الشيخ محمد رشيد رضا 



وَقَالَ الله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) (30: 47) وَهِيَ نَصٌّ فِي تَعْلِيلِ النَّصْرِ بِالْإِيمَانِ. وَلَكِنَّنَا نَرَى كَثِيرًا مِنَ الَّذِينَ يَدَّعُونَ الْإِيمَانَ فِي هَذِهِ الْقُرُونِ الْأَخِيرَةِ غَيْرَ مَنْصُورِينَ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونُوا فِي دَعْوَى الْإِيمَانِ غَيْرَ صَادِقِينَ، أَوْ يَكُونُوا ظَالِمِينَ غَيْرَ مَظْلُومِينَ، وَلِأَهْوَائِهِمْ لَا لِلَّهِ نَاصِرِينَ، وَلِسُنَنِهِ فِي أَسْبَابِ النَّصْرِ غَيْرَ مُتَّبَعِينَ، وَإِنَّ اللهَ لَا يُخْلِفُ وَعْدَهُ وَلَا يُبْطِلُ سُنَنَهُ، وَإِنَّمَا يَنْصُرُ الْمُؤْمِنَ الصَّادِقَ وَهُوَ مَنْ يَقْصِدُ نَصْرَ اللهِ وَإِعْلَاءَ كَلِمَتَهُ، وَيَتَحَرَّى الْحَقَّ وَالْعَدْلَ فِي حَرْبِهِ لَا الظَّالِمَ الْبَاغِي عَلَى ذِي الْحَقِّ وَالْعَدْلِ مِنْ خَلْقِهِ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَوَّلُ مَا نَزَلَ فِي شَرْعِ الْقِتَالَ قَوْلُهُ تَعَالَى مِنْ " سُورَةِ الْحَجِّ ": (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) إِلَى قَوْلِهِ: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (22: 39، 40) فَأَمَّا الرُّسُلُ الَّذِينَ نَصَرَهُمُ اللهُ وَمَنْ مَعَهُمْ فَقَدْ كَانُوا كُلُّهُمْ مَظْلُومِينَ، وَبِالْحَقِّ وَالْعَدْلِ مُعْتَصِمِينَ، وَلِلَّهِ نَاصِرِينَ. وَقَدِ اشْتَرَطَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي نَصْرِ سَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ فِي " سُورَةِ الْقِتَالِ ": (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (47: 7) وَالْإِيمَانُ سَبَبٌ حَقِيقِيٌّ مِنْ أَسْبَابِ النَّصْرِ الْمَعْنَوِيَّةِ، يَكُونُ مُرَجِّحًا بَيْنَ مَنْ تَسَاوَتْ أَسْبَابُهُمُ الْأُخْرَى، فَلَيْسَ النَّصْرُ بِهِ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ. وَأَمَّا تَأْيِيدُ اللهِ تَعَالَى لِلرُّسُلِ بِإِهْلَاكِ أَقْوَامِهِمُ الْمُعَانِدِينَ فَهُوَ أَمْرٌ آخَرُ زَائِدٌ عَلَى تَأْثِيرِ الْإِيمَانِ فِي الثَّبَاتِ وَالصَّبْرِ، وَالِاتِّكَالِ عَلَى اللهِ تَعَالَى عِنْدَ اشْتِدَادِ الْبَأْسِ وَعُرُوضِ أَسْبَابِ الْيَأْسِ. وَمَنْ كَانَ حَظُّهُ مِنْ صِفَاتِ الْإِيمَانِ وَلَوَازِمِهِ أَكْبَرَ كَانَ إِلَى نَيْلِ النَّصْرِ أَقْرَبَ إِذَا كَانَ مُسَاوِيًا لِخَصْمِهِ فِي سَائِرِ أَسْبَابِ الْقِتَالِ وَلَا سِيَّمَا حُسْنُ النِّظَامِ وَجَوْدَةُ السِّلَاحِ، وَقَدْ سَبَقَ لَنَا كَلَامٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي مَوَاضِعَ مِنَ التَّفْسِيرِ وَغَيْرِهِ (رَاجِعْ كَلِمَةَ " نَصْرٍ " مِنْ فَهَارِسِ أَجْزَاءِ التَّفْسِيرِ وَمُجَلَّدَاتِ الْمَنَارِ) .

تعليقات

المشاركات الشائعة