منهج السلف الصالح في تعلم وتعليم الدين(لعصرنا)

منهج السلف الصالح في تعلم وتعليم الدين(لعصرنا)

بقلم / خالد المرسي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
كتبت هذه الخاطرة القصيرة التي استشكلها بعض الإخوة فأردفتها بإيراد بعض الأدلة على أن هذه الخاطرة تُمثل التوجه العام للسلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن تبعهم من العلماء الربانيين .
الخاطرة:
(قال الإمام/ محمد رشيد رضا" أبو السلفية في مصر"
(ان الله – تعالى - لا يسألنا يوم القيامة عن أقوال الناس وما فهموم وإنما يسألنا عن كتابه الذي أنزله لارشادنا وهدايتنا، وعن سنة نبيه الذي بين لنا ما نزل الينا { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} يسألنا هل بلغتكم الرسالة؟ هل تدبرتم ما بُلَِغتم؟، هل عقلتم ما عنه نهيتم وما به أمرتم؟ وهل عملتم بإرشاد القرآن، واهتديتم بهدي النبي واتبعتم سننه؟ عجبًا لنا ننتظر هذا السؤال ونحن في هذا الإعراض عن القرآن وهديه، فيا للغفلة والغرور) . تفسير المنار ج1 ص 26.
تعليق:
نعم لا يجوز للمسلم وللداعية الى الله أن يشتغل عن هذا الفقه بدراسة أقوال وأفهام أهل التخلف وأهل البدعة كالجهم ابن صفوان وابن أبي دؤاد والأشاعرة ومش عارف مين والكرامية والبتنجانية وكل هذه الترهات والخزعبلات وردود أهل السنة ومجادلاتهم لهم، إنما المكان المنضبط الصحيح في دراسة هذه الخزعبلات من مكان دراسة الفقه العظيم ومقاصد الدين كمكان الملح من الطعام فإذا التزم الداعية الى الله بهذه النسبة المتوازنة تكوَن له علمًا جيدًا بهذه الخزعبلات وبأقوال أهلها المتخلفين فيها عن طريق التراكم ومن ثمّ تكون هذه النسبة هي الواقعة أيضا أثناء تعليمه الناسَ الدين، ومن يخالف هذا المنهج فهو مخالف لمنهج الاسلام بفهم السلف الصالح من مئات الأوجه ومن طريق الأولى والأولى والأولى. )
وهذه جملة أدلة مختصرة على أن هذا التوجه هو توجه سلفنا الصالح.
ذكر منهجهم الإمام ابن رجب الحنبلي في كتابه " جامع العلوم والحكم في شرحه لحديث النبي (الحديث التاسع
عن أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم رواه البخاري ومسلم .) أنصح بقراءة شرحه لهذا الحديث وللكتاب كله، ومما قاله في شرح هذا الحديث بعد أن ذكر الأحاديث المشابهة له عن النبي- صلى الله عليه وسلم – وذكر بعض الأوجه التي يُستحب السؤال فيها وبعضها الآخر الذي يُذم السؤال فيها ومن أهمها ما لم يقع في واقع الانسان وذكر ما يؤيد هذا المعنى من هدي الصحابة
) قال – (ولهذا المعنى كان كثير من الصحابة والتابعين يكرهون السؤال عن الحوادث قبل وقوعها ولا يجيبون عن ذلك قال عمرو بن مرة خرج عمر على الناس فقال أُحرِّج عليكم أن تسألون عن ما لم يكن فإن لنا فيما كان شغلا وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال لا تسألوا عما لم يكن فإني سمعت عمر رضي الله عنه لعن السائل عما لم يكن وكان زيد بن ثابت إذا سئل عن شيء يقول كان هذا فإن قالوا لا قال دعوه حتى يكون) ...
هذا منهجهم، لهم فيما وقع في زمانهم شغلاً شاغلا رغم أن كل الانحرافات السابقة عنهم واللاحقة كان الرد عليها موجود في الوحي المطهر ، ورغم ذلك لم يتكلموا عنها ولم يتخيلوها لأنها لم تقع في زمانهم. هذا منهجهم وهو منهجنا لأننا أُمرنا باتباعهم ولأنه الأولى عقليا: وتفصيل الأولوية العقلية كالاتي: هؤلاء السلف الصالح صرحوا بعلة عدم الانشغال بما لم يقع في زمانهم وهو أن لهم فيما وقع شغلاً شاغلاً رغم قرب عهدهم من الوحي والنبوة كان يؤهلهم لاستنباط حكم الله في الفرضيات وفيما لم يقع بكل سهولة كما يؤهلهم في المقابل لمعرفة حكم الله في شغلهم الشاغل بكل سهولة ،ورغم ذلك كان منهجهم كما قرأتموه، فمن باب الأولى أن يكون هذا منهجنا بعد ألف وربعمائة سنة وقد بعُدنا طيلة هذه الفترة عن النبوة مما يقضي بصعوبة استنباط حكم الله في الإنحرافات المعاصرة، ويقضي في مقابله أيضا بصعوبة استنباط والوصول لحكم الله في واقعنا المعاصر كله؛ بشكل أصعب مما كان أيام السلف الصالح الذي قرأتموه وهذا هو معنى قول ابن رجب في نفس الكلام على الحديث((واعلم أن كثرة وقوع الحوادث التي لا أصل لها في الكتاب والسنة وإنما هو من ترك الاشتغال بامتثال أوامر الله ورسوله واجتناب نواهي الله ورسوله فلو أن من أراد أن يعمل عملا سأل عما شرع الله في ذلك العمل فامتثله وعما نهى عنه فيه فاجتنبه وقعت الحوادث مقيدة بالكتاب والسنة وإنما يعمل العامل بمقتضى رأيه وهواه فتقع الحوادث عامتها مخالفة لما شرعه الله وربما عسر ردها إلى الأحكام المذكورة في الكتاب والسنة لبعدها عنها
)، وإذا كان هذا منهج الصحابة مع قربهم من النبوة في القرن الأول الهجري، يرون فيما وقع لهم شغلاً شاغلاً،! فمن يرى في القرن الرابع عشر الهجري أن عنده فائضًا من الوقت والجهد ليصرفه في التفقه في تاريخ ناس ماتوا ويرى أن ليس له في واقعه شغلاً شاغلاً فليتهم نفسه في إسلامها وليتهم عقله في خط سيره ونظره!!. هذا واعلم أن الانحرافات العقدية التي كانت بدايتها في أواخر القرن الثاني الهجري الى ألف سنة لاحقة، لم يُتَكلم عنها في كتب أصول الدين لأن لها أهمية بذاتها! بل هي خرافات وضلالات ولكن تُكلم عنها في أصول الدين لأنها تناقض أصول الدين الذي أرسل الله بها نبيه ،وكان كل عالم معاصر يعطي الاهتمام الأكبر للانحرافات بحسب ما يرى من درجة انتشارها وخطورة آثارها في المجتمع الاسلامي فمثلاً الامام " الاسماعيلي" من علماء القرن الثالث الهجري ذكر في رسالة " عقيدة اهل الحديث" أن من عقائدهم ([ تعلم العلم ]
ويرون تعلم العلم وطلبه من مظانه، والجد في تعلم القرآن وعلومه وتفسيره، وسماع سنن الرسول صلى الله عليه وسلم وجمعها والتفقه فيها، وطلب آثار الصحابة .). بينما غيره من كتب أصول الدين لم تذكر هذا الأصل وعدم ذكرهم له لأنهم كانوا يعطون الأولوية في الكلام عن الانحرافات الموجودة في عصرهم هم ولم يكونوا مما يعيش بجسده في عصره وبفكره في عصر آخر أو يعيش غير خالصًا لعصره ومشكلاته!! ومن هذا الباب ما يقول شيخنا" محمد اسماعيل المقدم" أنه ينبغي وضع اكتشافات علم الهندسة المنوية في باب الأدلة على توحيد الربوبية من كتب العقيدة المعاصرة ، ومن أجل ذلك قلت ان دراسة هذه البدع الحادثة قديما يجب أن يكون مكانه من مكان دراسة فقه الواقع المعاصر كمكان الملح من الطعام؛ لأن من يريد إحياء هذه الضلالات القديمة الآن ندرة قليلة جدًا من أهل الضلال بالنسبة لغيرهم من باقي أهل الضلالات المعاصرة، ولأنها قُتلت بحثًا منذ زمن طويل وتكلم فيها جهابذة الدين بمختلف تخصصاتهم العلمية وقتلوها بحثًا واتضح الحق فيها ( كما يقول العلامة / مصطفى حلمي في كتابه أصول الدين عند أهل الحديث). ومن عنده أقل دراية بالواقع العالمي المعاصر يعرف مدى الانحرافات التي انتشرت في البلاد الاسلامية في كل الطبقات الاجتماعية، الآتية لنا من العولمة التي فرضها علينا العالم الغربي ، فنريد الاهتمام بهذه الانحرافات التي تناقض أصول الدين ومبادئه وتفنيدها وقتلها بحثًا بميزان الوحي المطهر كما فعل أسلافنا في عصورهم وكما يقول ذلك العلامة/ مصطفى حلمي، وكل هذا جريًا على القاعدة القرآنية القائلة {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا } التي من لم ياخذ بها في دينه ودنياه هلك واهلك وفسد وأفسد. ولما كان أهل العلم وطلبته في عصور كثيرة من عصور الاسلام السابقة وفي عصرنا الحاضر بالذات لم يفهموا هذا المنهج السلفي في هذا الموضوع ولم يعملوا بهذه القاعدة القرآنية صاروا من أكبر الأدوات التي رسّخت العالمانيةَ في بلاد الاسلام، وحالهم كما قال الشاعر( أراد برًا فضرّ من غير قصد ومن البر ما يكون عقوقًا) نعم، فكما أن العالمانية تفصل الدين عن الحياة كلها أو بعض جوانب الحياة فكذلك أيضا طلاب العلم والعلماء هؤلاء فصلوا المنهج السلفي عن بعض جوانب الحياة المعاصرة وراحوا يشغلون الناس بفقه الأموات في العصور السالفة أو بفقه من لا يعنيهم شأنه من الأحياء، مما أدى الى أن خسروا رصيدهم من الجماهير وتركتهم هذه الجماهير وانجذبوا لدعوات ضالة أخرى وجرفتهم أمواج الضلال والخواء العقدي والفراغ الروحي العقلي، وكل هذا وُجد في العلماء وطلاب العلم من كافة الاتجاهات سلفيين وأزهريين وغيرهم واعطيك مثالاً من الأزهريين: واحد من كبار علماء الأزهر وكان عضوًا في جماعة الاخوان المسلمين – مما يعكس همه وانشغاله بامر الدين !- ومع ذلك فاسمع لما يصور لك منهجه!:
رأيت له كتابًا بعنوان" الدين والتدين" فطرت به فرحًا لانشغالي في هذا الوقت بفكرة مقالات تتكلم عن هذا الموضوع فأخذت الكتاب ونظرت فيه فوجدت مؤلفه كاتب سطرين في بدايته كإهداء بصيغة بطولية وحماسية هذا الكتاب لحكام الدول العربية وأولهم محمد حسني مبارك! مما زاد فرحي به واستبشاري بموضوعه المعاصر، فلما قرأت الكتاب وجدته كله يتكلم عن الدين الذي هو مقابل الالحاد، فهو يتكلم عن إثبات وجود الله – تعالى – وذهب ينقل كلامًا من تفسير الزمخشري والبغوي و الشيخ محمد عبده في الفلسفة التي تدل على وجود الله بكافة الدلالات ! فقلت في نفسي وما علاقة حكام الدول العربية وخاصة محمد حسني مبارك بهذا الموضوع هل "محمد مبارك" اتهبل من أجل أن يقضي ساعتين من وقته في قراءة كتاب ديني لا يلزمه! بل إن المسلم ليضن بوقته عن اشغاله بالمفضول عن الفاضل، فضلاً عما لا يلزمه أصلا!!!! فاتضح بهذا أن العلماء لا يفهمون الدين في حقيقته، ولا يعرفون حاجة الناس فلسان حال الناس يقول للعلماء طور والعلماء يجيبونهم ب" احلبوه"، فلما رسَخ هؤلاء العلماء بحمقهم وغفلتهم العالمانيةَ في البلاد عاقبهم الله على طريقة الجزاء من جنس العمل وابتلانا بأعتى العالمانيين الذين هم من أبناء ديننا ووطننا.
والحمد لله رب العالمين

تعليقات

المشاركات الشائعة