لماذا فُتن الإسلاميون بالبنا وسيد قطب ولم يُفتنوا بعبد الحميد بن باديس؟



لماذا فُتن الإسلاميون بالبنا وسيد قطب ولم يُفتنوا بعبد الحميد بن باديس؟

فُتن قادة وعلماء الجماعات الإسلامية بحسن البنا وسيد قطب بسبب مغامراتهما الأمنية، فالأول قتل لسبب سياسي لا ديني، والثاني أعدم، ولم يفتنوا بالإمام عبد الحميد بن باديس رغم أن له كفاح مع الأمن حتى  يقول الأستاذ "عبد الرشيد زروقة" مؤلف كتاب " جهاد ابن باديس ضد الاستعمار الفرنسي في الجزائر 1913 -1940"

 إن أهم أوجه قصور كتابه هو عدم قدرته على الرجوع إلى مضامين التقارير الأمنية التي كانت تعدها يوميا الأجهزة الأمنية الفرنسية التي كانت ترصد تنقلات ابن باديس  المختلفة، وعدم قدرته على إجراء بعض اللقاءات والاتصالات الضرورية مع  بعض أساتذة وشيوخ جمعية العلماء المسلمين (التي تمثل مرحلة العمل الجماعي لابن باديس) وهم أقرانه الذين لا يزالون أحياء وقت كتابة المؤلف  كتابه، عام 1999م، وكانوا من أقرب الناس الى ابن باديس وألصقهم به، وأعرفهم بحقيقة وأبعاد ما جرى وحدث آنذاك في فترة حركة ابن باديس الاصلاحية الجهادية، هؤلاء الأساتذة والمشايخ اتصل بهم المؤلف شخصيا وبصعوبة كبيرة وراسل بعضهم وكلم بعضهم بالهاتف مرارا وتكرارا ولكن – بكل أسف عميق – دون أن يتلقى منهم ما سألهم عنه، او طلبه منهم مما يخدم موضوع البحث... خصوصا الجونب القلقة منه..." انتهى كلامه.  يعني بعد كل هذه السنوات من وفاة ابن باديس عام 1940م يخافون أن يقصوا ما يعرفون!

وكانت إقامة ابن باديس قبل وفاته محددة من طرف الإدارة الفرنسية المحتلة في مدينة قسطينة، ليس له أن يبرحها إلى غيرها من نواحي البلاد مما جعل وفاته غير طبيعية وقيل إنه مات مسموا، وكان عمره واحد وخمسين سنة!. بالاضافة إلى أن الفرق بين ابن باديس وبين البنا وقطب في العلم والتقوى والجهاد كما وردت حقائقهم في القرآن الكريم والنسة وسلوك السلف كالفرق بين الثرى والثريا!

وفتن شيوخ السلفية بالشيخ السنقيطي صاحب كتاب "أضواء البيان" وقالوا عنه كأنه قذيفة ألقيت من عهد السلف واستقرت في زماننا! ولم يفتنوا بابن باديس رغم أنه كان على ثراء أسرته الفاحش كان كثيرا ما تكون وجبة غذائه الخبز واللبن، وكان يؤتى أحيانا بقدر من الكسكس مع اللبن، من دار أبيه" وذات مرة، خرج ابن باديس من مقصورة جامع سيدي قموش، يريد أحدا يشتري له نصف لتر لبنا، فأخذ أحد التجار الإناء، ورآها فرصة لإكرام الشيخ فذهب بنفسه إلى شواء، واشترى له صحنًا من اللحم المختار، وعاد إلى الشيخ – وهو يكاد يطير من شدة الفرح – ولما قدّمه إليه استشاط غضبا، وقال له في لجة شديدة صارمة:" ألا تعلم أنني ابن مصطفى بن باديس، وأن أنواعا مختلفة من الطعام اللذيذ تعد كل يوم في بيته، لو أردت التمتع بالطعام، ولكن ضميري لا يسمح لي بذلك، وطلبتي يسيغون الخبز بالزيت، وقد يأكله بعضهم بالماء؟!" لأن أغلب الشعب الجزائري حينها كان يعيش في فقر مدقع بسبب الاحتلال، وكان لا يهتم بزوجته (قريبته) حتى نصحه أبوه كثيرا بالاهتمام ببيته، حتى طلقها ولم يتزوج بعدها انشغالا بهموم الأمة.

فلماذا فتن هؤلاء العلماء بالبنا وقطب وبالتبع فتنوا أتباعهما بهما، ولا يكاد أحد يعرف اسم ابن باديس إلا المتعمقون في أحوال الأمة؟! لأن تدين ابن باديس كان يوافق الإسلام من حيث هو أولاً معارف فتنتج أحوالاً فتنتج الأحوال أفعالا وسلوكيات، على عكس البنا وقطب فتدينهم تدين أحوال لا جذر معرفي صحيح لها، وكانت معارفهم غير صحيحة وكان نظرهم مقلوب غير مستقيم {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ0} وكان جهاد ابن باديس على وفق أرقى صيغ تطالب العلوم الاجتماعية المعاصرة والندوات الدولية الغربية بالأخذ بها في دول العالم المتخلف وهي "التنمية المستدامة" ورغم ذلك لا يعرف حقيقة تلك التنمية إلا أمثال ابن باديس لا الغربيون الذين لا يعرفون منها غير مجملات وقشور كثيرا ما تختلط بباطل كثير كالسم حين يُدس في العسل، بينما كان جهاد البنا وقطب عاطفي أدبي هوائي خال من مضمون في بعضه ومشتمل على مضامين في غاية الفساد في بعضه الآخر!. ولذلك كان العلامة الدكتور محمد عبد الله دراز يتمنى أن تقوم في مصر حركة كحركة الإمام ابن باديس، عام 1938 يعني عام اشتداد قوة جماعة الإخوان المسلمين في مصر!

الطيور على أشكالها تقع، والمرء ينضم إلى قرينه، والحكمة تحتاج إلى حكيم ليفهمها، ولا يعرف الفضل إلا أهله

هؤلاء تدينهم تدين المخذولين ولذلك سقم انتباههم وفسد ذوقهم!

خالد المرسي

تعليقات

المشاركات الشائعة