حول أهل ما بعد العجز (3) إلى من يريدون مقاتلة الناس بالحب.



إلى من يريدون مقاتلة الناس بالحب.
بسم الله الرحمن الرحيم
يستدل الشيخ عصام تليمة أحد شيوخ جماعة الإخوان المسلمين على براءة تراث الشيخ حسن البنا (رحمه الله) مما ظهر من هذه الجماعة من سفه في هذه الأيام بمقولة شهيرة له منسوبة إليه وهي "نقاتل الناس بالحب"، "نقاتل الناس بالحب"
  وأود قول الآتي: أهم سمات من وصفهم نبينا (عليه الصلاة والسلام) بأنهم "سفهاء الأحلام حدثاء الأسنان " أنهم يتوهمون الخيال ويخالونه حقيقة ثم يعبّرون عنه بكلام وأفعال وأحوال (واعية وغير واعية) ويحسبون أنهم على الحق، لكن حين ينظر أهل العلم في أحوالهم وأقوالهم يستطيعون إدراك مدى صدقها في التعبير عما أرادوه، وكثيرًا ما تكون دالة على عكس ما أرادوه (وهم غافلون) وهذا هو مفهوم الاستدراج الإلهي للظالم نفسه من حيث لا يشعر بل من حيث يظن أنه مصلح!{ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ}  ولي عدة ملاحظات على أحوال السفهاء في مقال بعنوان "الإعجاز النبوي العلمي في وصف سفهاء الأحلام" متاح في مدونتي الشخصية لمن أراد الاستزادة من هذا المعنى.
لو حللنا مقولة البنا هذه سنجدها معبرة عن السفه والخذلان من وجهين ثانيهما أدهى وأمرّ من الأول.
الأول: لو فرضنا أنه حدّث بها نفسَه للحظة واحدة أو عقد قلبه عليها مدة مديدة؛ لقلنا أنها في الحقيقة تعبر عن غروره في نفسه وتوهِّمه ما ليس لها، لأننا وجدنا إجماع الأئمة الذين تحدثوا في علم الأخلاق الإسلامي على حقائق إيمانية لو فُهِمت وقامت حقيقةً بقلب مسلم لمَا وجد من نفسه جراءة على تحديثها بهذه المقولة "نقاتل الناس بالحب" التي تتضمن غاية التزكية للنفس مع غاية التدسية للآخرين، أبلغ هذا المغرور من الصلاح حدًا يسمح له بمقاتلة المسلمين عليه؟! وأبلغ المسلمون حدًا من الفساد يدفعهم إلى مقاتلة هذا الصالح على صلاحه؟! هذا الاعتقاد من أهم سمات الخوارج كما يقول ابن كثير عن الخوارج "إن الناس عندهم قد فسدوا فسادًا عظيمًا"  لقد تحدث الأئمة في الأخلاق كالمحاسبي وابن مكي وأبو حامد الغزالي وغيرهم وشرحوا حقائق الإيمان ومنها أن الإنسان المسلم إذا جاهد نفسه مدة واستطاع أولاً أن يعرف لمفهوم التقوى (موضوعًا محددًا مفصلاً يلبي حاجته الواقعية) ثم جاهد نفسَه بالعمل على وفق هذا العلم، ونجح في تخلية نفسه من المهلكات ثم تحليتها بالمنجيات وتزكيتها، لو وصل فعلا الى هذه الدرجة (أي في ظنه هو تحسينًا للظن بربه لا بعلمه بما عند ربه من قبول أو رد لتزكيته)؛ لنظر إلى نفسه بعين الاحتقار، وذلك لطول فترة امتحانه لنفسه وتجربته لها، وعلم أنها ستظل أعدى أعداءه! لِما رأى منها من مواعدات ثم هي تخلف وعدها، ومن إعجاب بنفسها وإدلال بعملها وحب المحمدة بما لم تفعل، بل إن هذا المجاهد لو أتاه الوحي وأخبره بأن الله (تعالى) قبل جهاده وهو عنده من المتقين حقًا، لما تغير اعتقادُه في نفسه إذ ربما كان في نفسه كدرٌ كامن مستتر ربما أظهرته حوادثُ الأيام المقبلة، ولذلك أجمع العلماء على عدِّ "الأمن من مكر الله" كبيرة من كبائر الذنوب بنص القرآن الكريم: {فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ } نص يعم كل مكلف حتى أئمة الصحابة! ولذلك كان عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يَقُولُ لِحُذَيْفَةَ: "أَنْشُدُكَ اللهَ، هَلْ سَمَّانِي لَكَ رَسُولُ اللهِ * يَعْنِي فِي الْمُنَافِقِينَ؟ فَيَقُولُ لَا، وَلَا أُزَكِّى بَعْدَكَ أَحَدًا" ولمّا روى الحسن بن علي ابن أبي طالب الخبرَ الوارد فيمن يخرج من النار بعد ألف عام قال الحسن: يا ليتني كنت ذلك الرجل!" لأن هناك أخبار أخرى تدل على أن آخر من يخرج من النار بعد سبعة آلاف سنة   وحكي أن "أبا الحسن البوشنجي كان ذات يوم في الخلاء فدعا تلميذًا له وقال: انزع عني القميص وادفعه إلى فلان، فقال: هلا صبرت حتى تخرج؟ قال: لم آمن على نفسي أن تتغير، وكان قد خطر لي بذله"  لِما يعلم من مخادعة  نفسه وتقلبها كما في الحديث الشريف "قلبُ ابنِ آدمَ بينَ إصبَعينِ مِن أصابعِ الرَّحمنِ ، إن شاءَ أن يُقيمَهُ أقامَهُ وإن شاءَ أن يُزيغَهُ أزاغَهُ " وفي معنى الاصبع سرعة تقليب الشيء! وكذلك أخبار أئمة السلف في العلم والتقوى متواترة تدل على احتقار انفسهم في جنب من يقابلون من عوام زمانهم! وقد ذكر الأئمة في مباحث مختلفة من العلم أن "العوام بهم قوام الدين!" فلا يمكن أن يفسدوا فسادًا عامًا شاملاً بالشكل الذي يعتقده  كثير من المنتسبين للإسلاميين.
 وأيضا تدل هذه المقولة على وجود موضوع يتم التقاتل عليه! حتى المنافسة الشريفة المشروعة في الدين أو الدنيا وهي تدخل في مفهوم التقاتل (لغةً) لا تصح إلا إذا وُجد موضوع معقول حقيقي يتم التنافس حوله! والعقلاءُ يعلمون أن الإسلاميين ليس لديهم فكر محدد صادق، ليس لديهم إلا عموميات أخذوها من الوحيين وتراث السلف ولم يستطيعوا إدراك حقائقها وتحكيمها في تفاصيل حياتنا، فتحقق فيهم التفكيرُ الشمولي وهو تفكير خرافي غير حقيقي حتى إن دراسات غربية واسرائيلية رصدته كسمة عامة يتميز بها مفكري العرب المعاصرين وأرجعوا سبب تخلفنا لها!
الوجه الثاني: أنه لم يكتفي بتحديث نفسَه بها أو عقد قلبه عليها بل أطلقها بلفظ الجمع وضمّنها فكرَه لتصير من أهم أدبيات كل من قرر الانتساب إلى جماعة الاخوان في لحظة، هكذا بمجرد اللحظة التي أخذ فيها القرار ولم نعد نحتاج إلى حديث عن وقت قل أو كثر للمجاهد، بفرض أن مجاهدة النفس وتزكيتها تبرر الاعتقاد بهذه المقولة!!.
والحمد لله رب العالمين
 

تعليقات

المشاركات الشائعة