شبهات حول حكم الردة في الإسلام.


شبهات حول حكم الردة في الإسلام.
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد :
بعض الناس يدعي أن هناك تعارضا بين القرآن الكريم والسنة المطهرة في حرية الاعتقاد ثم هو يطعن في حد الردة في الإسلام ( وهو القتل) باعتباره يتعارض مع حرية الاعتقاد التي كفلها القرآن الكريم وباعتباره يتناقض مع العقل السليم، كما أنه يستغرب مناقضة مبدأ التعددية العقائدية – بشكله المعروف عند الغرب – للدولة الإسلامية.
أقول أولاً: قال علماء الأصول:إن الوحي المطهر هو كخطاب واحد أي: كخطاب الرجل العاقل ( ولله المثل الأعلى) لا يمكن أن يقع في خطاب هذا الرجل تعارض إلا إذا افترضنا أنه فقد توازنه العقلي أثناء إلقاءه الخطاب لأي سبب من الأسباب كنسيان أو خطأ او جنون طارئ أو أن خطابه قد نالته يد التحريف ، وكل هذه العوارض منتفية في حق الله ذي الجلال والإكرام الذي له الأسماء الحسنى والصفات العلى فيستحيل أن يقع تعارض بين أجزاء الوحي المطهر ( القرآن الكريم والسنة المطهرة) كما قال الله تعالى { لَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا }"النساء:82"، وقد تكفل الله بحفظه من التحريف {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }"الحجر:9"، بخلاف الكتب السابقة التي استحفظ عليها أهلها {  إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ }"المائدة:44"، وهذا الخطاب الواحد ( الوحي ) متضمن لأحكام الله كلها، فيجب الأخذ بما يثبت من هذا الخطاب الإلاهي، ولا يجوز رد أيا منها فالقرآن الكريم كفل حرية الاعتقاد بقوله { لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ }"البقرة:256"، وهو حكم باق ويدل عليه تعايش نبينا – صلى الله عليه وسلم - ثم خلفائه ثم من أتى بعدهم طيلة التاريخ الإسلامي مع أهل الكتاب من اليهود والنصارى الذين يكفرون بالإسلام تعايشا سلميا ولم يقتلوهم، بينما السنة الصحيحة وردت بقتل المرتد الذي كفر بعد إسلامه على اختلاف بين العلماء في دفع عقوبة القتل عنه لو أعلن توبته عن الردة أو لا، واتفقوا على أنه لو تاب وقُتل تنفعه توبته في الآخرة، فالمسلمون أجمعوا على هذا الحكم واختلفوا في مثل هذه التفاصيل، إذًا فقتل المرتد لا لكفره الأصلي وحسب بل كما قال نبينا: ( لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، إلا بإحدى ثلاث : الثيّب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة ) رواه البخاري ومسلم، يقول الإمام "ابن رجب الحنبلي""وأما المرتد فإنما قُتل لوصف قائم به في الحال، وهو ترك دينه ومفارقة الجماعة"(جامع العلوم والحكم:ص 135) بعد أن أعلن دخوله فيها، فالقرآن الكريم يقرر حرية الاعتقاد للكافر الأصلي الذي يحترم قواعد النظام السياسي والاجتماعي الذي يعيش في ظله في الدولة الإسلامية ، فالسنة المطهرة إذن لم تعارض هذا الحكم.
فهل هذا الحكم الشرعي يتناقض مع العقل السليم؟ وهل الأخذ بمبدأ التعددية العقائدية بشكله الغربي هو الأقرب للعقل من رفضه؟ مشكلة من دخلت عليه هذه الشبهة أنه يحاكم قولنا ويقيسه من منظور الغرب للدين، وكان الواجب عليه أن يحاكم القول ويقيسه من منظور القائلين به للدين، فيحكم عليهم بتناقض قولهم بالقياس إلى منظورهم للدين لا بتناقضه بالنسبة إلى منظور غيرهم إلى الدين وهو نظر يناقض نظرنا تماما.. فنحن نؤمن بتناقض حد الردة لأحكام العقل السليم إذا قيس ووزن بمنظور الغرب للدين ولكننا نؤمن بتناسقه التام إذا قيس بمنظورنا للدين، وبيان ذلك كالتالي.
ساهمت العلوم الطبيعية والإنسانية " كلٌ بدورها في تقويض جزء من بناء العقيدة الكاثوليكية حتى بدا لكل إنسان واع ومثقف تقريبًا أن أكثر ما هو جدير بأن يدافع عنه في الدين إنما هو روح داخلية، أمل غامض وإحساس غير واضح تمامًا بواجب أخلاقي" ( أسس لإعادة البناء الإجتماعي: ص 161) كما يقول " برتراند راسل" إن هذا المآل انطبق على الأقلية المثقفة وعلى غيرهم من الشعوب الغربية وإن كانت هناك أكثرية أخرى إلى الآن تؤمن بالدين المسيحي باعتباره موضوعا لم تقوضه العلوم الحديثة إلى الآن.
 برتراند راسل من أكبر الملحدين الداعين إلى الإلحاد في هذا العصر فهو ينكر وجود الله، وسأنقل خلاصة كلامه الذي هو خلاصة مشروعه الإجتماعي لإعادة أسس لبناء اجتماعي عالمي أفضل من البناء العالمي الحاضر يقول برتراند راسل: إن الدين كموضوع قُوض باكتشافات العلوم الحديثة ويعني بالموضوع : (الفكر والحكمة والعقيدة ) وهذا الموضوع قد حكم عليه القرآن الكريم بأنه محرف أغلبه كما قال الله تعالى {يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا }"البقرة:79"، وقال{قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا}"الأنعام:91" وأمثال هذه الآيات كثير، وفصل ذلك علماء المسلمين القدامى كابن حزم وابن تيمية وأمثالهم، فلم يتبق من هذا الدين بعد أن قوض موضوعه إلا القوة المبهمة أو الخيال ، وهذا الدين بهذا الاعتبار كما ترى لا يكفر به أحد لأنه متجذر في الإنسان كتجذر العقل فيه  لا يستطيع أحد إنكاره إلا إذا تنكر لطبيعة الإنسان، بل إن برتراند راسل يعتبر هذا الدين أهم من السياسية في العالم الأفضل الذي يدعو المفكرين إلى اكتشاف معالمه ثم فرضها على العالم بعد أن تتضح في عقولهم ويؤمنوا بها، ويشرح برتراند راسل منهجه قائلا " يمكن اشتقاق كل نشاطات الناس من ثلاثة مصادر، ليست هي في الحقيقة منفصلة عن بعضها ولكنها متميزة كغاية، تسمى بإعطائها أسماء مختلفة. هذه المصادر الثلاثة التي أقصد، هي الغريزة والعقل والروح، ومن بينها حياة الروح التي تكوِّن الدين" (ص 167) أي الدين الذي يدعو إليه ويصف الغريزة بأنها " تشمل كل الدوافع التي تهتم أساسًا بنجاح الفرد البيولوجي ونجاح جماعته لأن حياة الغريزة في الحيوانات الاجتماعية تشمل حياة الجماعة" ، لكن تغوُّل العقل على هذه الغريزة قد يدفع بها في اتجاه أناني جدا يفسد النظام الاجتماعي العالمي كما هو فاسد في عصرنا الحاضر على ما حلله من طبيعة المؤسسات والأفراد في دول العالم المتقدم المتحكمة في العالم، فهو  يضع الأهمية الكبرى للدين الذي يضبط سير هذا المركب الثلاثي في الإنسان لينضبط مع الصالح العالمي" الغريزة والعقل والروح" يقول" يبدأ الدين من الروح ويحاول أن يهذِب حياة الغريزة"، ويقول إن هذا التناسق المرجو بين هذا المركب الثلاثي قد حدث في صورة أكمل وأفضل مما هو الآن وذلك في العصور الوسطى بفعل الكنيسة لكنه " كان كمالاً ضيق المجال إذ أن كلا من الغريزة والعقل والروح عانى كثيرا من البتر والتقطيع حتى يتم تناسبهما مع الخط العام" يقصد بالخط العام ذلك الموضوع الديني الذي كشفت بطلانه العلوم المعاصرة. كل ذلك الشرح يفيد الأتى: أن الدين بهذا المعنى عند الغرب بمن فيهم الملحدين المنكرين لوجود الله هو مصلحة عامة وأهم من السياسة (هذا هو حكم العقل المحض)  وكذلك دين الإسلام عندنا مصلحة عامة ولذلك يتناسق تمام التناسق حكم الردة في الإسلام، ولا يناقض العقل السليم ألبتة لأنه يكفر بالله ويفارق الجماعة كما سيأتي شرحه، ولكنه يتناقض من منظور هذا الغرب للدين، فكيف خرجنا بحكم مختلف رغم أن مناط تحقيقه واحد في كلا المنظورين وهو " المصلحة العامة"؟ ذلك لأن الإسلام عندنا مصلحة عامة من حيث كونه موضوعا ( عقيدة وشريعة وفكرا وحكمة ومنهج حياة) وبطبيعة العموميات هي منظمة؛ إذ لا يكون الرأي أو النظرية أو العقيدة أو القانون او السياسة عامة وعمومية حتى تكون منظمة في ذاتها فتقبل التعميم على جماعة صغيرة أو كبيرة ومن ثَم تقبل الاختراق والانخرام والهدم ، هذا مفهوم المصلحة العامة حين تكون موضوعا ( دينا أو رأيا أو أيدلوجية الخ) أما الدين عند الغرب فهو وإن كان مصلحة عامة فهو لا ينطبق عليه ما سبق انطباقه على المصلحة العامة المذكورة آنفا لأن هذا الدين عندهم ليس مصلحة عامة في ذاته؛ إذ هو في ذاته – كما مر بنا -  قوة مبهمة وخيال والمبهمات لا تقبل الفهم فهي لا معنى لها وما لا معنى له لا يمكن تعميمه بشكل يقبل النظام في ذاته ومن ثم لا يتصور فيه أن يُخرق أو يُهدم، إنما هذا الدين المبهم هو مصلحة عامة باعتباره الدافع العميق الذي يضبط المركب الثلاثي حين  يلتزم المجتمع - مؤسسات وأفرادا - بالموضوع ( الفكر والحكمة والتشريع والعقيدة) الذي يكون حينها من الابتكار والإنشاء العقلي المحض المستقل عن خالق الكون الذي يمارسه مفكرو الغرب وفلاسفته وساسته ويعمموه كنظام على العالم كله ، فالدين مصلحة عامة عندهم باعتباره خادما أساسيا لموضوعهم العقلي المحض الذي يكرهون العالم على احترامه والانضواء تحته ، وفيما سوى ذلك فهم يقررون أن هذا الدين ( القوة المبهمة) يُترك لأهواء الأشخاص يستعملونه فيما يحلو لهم ويستفيدون منه كيفما يشاءون، وهذا المفهوم مختلف تماما لمفهوم الإسلام عندنا ولذلك يتناقض جدا حكم الردة من منظور الغرب للدين لأن القوة المبهمة لا معنى لها في ذاتها  حتى نتصور أن يخرقها أحد فيستحق العقاب كما يُعاقب مخالفو النظم والقوانين العامة  التي تحمي مصالح المجتمع، ثبت بذلك أن منظور الغرب للدين يترك للأفراد  يكيفه كلٌ منهم كما يشاء ويريد، ولا يكون له معنى في ذاته إلا إذا ارتبط بموضوع ( من صنع العقل المحض) فتكون العقوبة لمن يخرق هذا الموضوع ذاته لا لخرق القوة المبهمة التي لا معنى لها كما سيأتي توضيحه في آخر المقال..
مفهوم دين الإسلام.
الله أنزل الإسلام لكي ينقل المجتمعات البشرية من حياة الفوضى إلى الحياة المنظمة على وفق المنهج الذي شرعه الله وأحكمه وجعل فيه تبيانا لكل شيء كما يقول الله{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ }"النحل:89" يقول الدكتور محمد دراز – رحمه الله - :"لا شيء من أفعال المكلفين إلا وفي الكتاب أو في السنة بيان حكمه إما بالنص وإما بالمعنى والدلالة"(الميزان بين السنة والبدعة ص: 104) ويقول الدكتوردراز" في شرح حديث نبينا – صلى الله عليه وسلم – الذي قال فيه:" من قال رضيتُ بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمدٍ رسولًا وجبت له الجنَّةُ"(أخرجه أبو داوود" يقول الشيخ" ورضيت بمحمد – صلى الله عليه وسلم – رسولاً فلا أنتظر من بعده رسولا، ولا ألتمس وراء هديه هديا، لأنه خاتم النبيين ومتمم مكارم الأخلاق، وهو اللبنة التي أكمل الله بها بناء الشرائع فلم يبق في بنيانها بعد وضع هذه اللبنة مطمحٌ لمستزيد، ومن التمس علاجًا لأمراض المجتمع في غير شريعته، أو طلب حاجة من حوائج الإلاح لأمر المعاش أو المعاد على غير قواعد دينه {فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا }"(المختار من كنوز السنة: ص 126)، فالإسلام عندنا منهج حياة لإصلاح الفرد والمجتمع المحلي والمجتمع العالمي أي: هو موضوع ( عقيدة وتشريعا وفكرا وحكمة) موضوع بحد ذاته، وهذا الموضوع هو موضوع منظم لا فوضوي عشوائي ومن هنا كان ديننا مصلحة عامة بوصف موضوعا يشبع حاجة العاطفة ( أو الروح) والعقل، بخلاف دين الغرب الذي هو مصلحة عامة بوصفه قوة مبهمة خيالية حالَ ارتباطها بموضوع يخلقه البشر خلقا مستقلا عن الله رب العالمين، ومعنى كون ديننا موضوعا أو كونه تبيانا لكل شيء يعني أن الله أوجب علينا الأخذ بالقرآن والسنة وعدم تجاوزهما في إصلاح شئوننا الفردية والاجتماعية والسياسية  من أفعال العباد الباطنية والخارجية على اخنلاف أزمانهم وأمكنتهم وأجناسهم ويقول الله {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} ومن المسلَّمات المعترف بها بحكم تعريف " الإسلام" أنه لا يُفهم إلا على وفق" العلم" ذي القواعد والأصول والأقيسة الصحيحة المنظمة، فالله أنزل دينه لينقل الناس من الفوضى إلى النظام  وهو "العلم" ولذلك ترى مفهوم " البدعة" الذي هو أصل أصول الدين وفروعه كما يقول د. دراز :" العلمُ بالسنة والبدعة هو علم الدين جملته، أصوله وفروعه ظاهره وباطنه، وإن كان أكثر الخائضين في السنة والبدعة الآن لا يجاوزون بهما دائرةً ضيقةً من الأعمال الفرعية، الظاهرية، العبادية."(الميزان ص:51)
و يُعد الإمام "أبي اسحاق الشاطبي" أول من كتب في البدعة كتابا كبيرا استنبط فيه من نصوص الوحي وفهم الصحابة أسسا وقواعد كثيرة تعصم من الوقوع في البدعة، والروح السائدة في كل هذه القواعد هي روح " العلم" في النصوص وفهم الصحابة، فمن يستهدي بالإسلام أو ينظر في نصوصه وفهم الصحابة من غير " النظر العلمي" أو يخل به شيئا ما سيقع في الضلالة بقدر ما يخل به " الخطأ أو البدعة" فكل بدعة خطأ وليس كل خطأ بدعة، وهكذا لا يُعتمَد كتاب من كتب الدين إلا إذا كان ملتزما بالنظر العلمي حين يستهدي بالدين، فالمسلم مطالب بأن تكون معارفه كلها مؤسسة على الكتاب والسنة وما يرجع إليهما كالإجماع والقياس وما دلا عليه كالعقل المحض كأن يتعلم علوما عقلية يحتاجها من أهل الكفر من جنس المعقولات التي ينالها كل مجتهد ( مؤمنا أو كافرا)، فعلى المسلم أن يهتم بربط معارفه بسبب " معتبر على وفق النظر العلمي" إلى الكتاب والسنة، هذا يعني أن الإسلام  بوصفه موضوعا وعاطفة؛ هو أساس وقوام النظم الاجتماعية والسياسية في الدولة الإسلامية، وتاريخ البشر منذ بداياته يعرف قانون العقوبات واجب التنفيذ على من يخالف النظام وكذلك تاريخ عقوبة الإعدام معمول بها منذ الأزل وإلى وقتنا هذا في دول غير مسلمة على وفق ما ينظمه قانونها.
 فمن تحدثه نفسه بالتعدي على الدولة الإسلامية أو إلحاق الأذى بها يسهل عليه جدا ذلك، إذا نفذ إليها من أساسها وهو النظام الديني(*)  فيزرع منافقين يتظاهرون بالإيمان ثم يكفروا بعد حين ليفتنوا الضعفاء فيكفرون ويحدثون اضطرابا  في أساس المجتمع كما قال الله :{ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }"آل عمرانص:72"، وقال :{ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ } وقد يقول قائل: إن غالبية المسلمين يحبون دينهم لأنه دين يستحق كل الحب فلن تؤثر في أساس الدولة تأثيرا يؤبه له مثلُ هذه المحاولات من الأعداء؟ ونحن نقر بجاذبية الإسلام المسيطرة على القلوب ولكن مع ذلك فقول هذا القائل فيه طيبة زائدة عن الحد إذ الله الخبير بعباده أخبرنا بحقيقة نفسيات بعضهم في النصوص سابقة الذكر، كما أننا نعلم أن دين الإسلام لم ينزل من السماء ليقتصر على المجتمعات الملائكية بل نزل للمجتمعات البشرية العادية التي نعرفها في دنيا الناس التي فيها الصالح والطالح ومن دينه رقيق أو متين، والخبيث والطيب الخ، ودوامة الحياة اليومية دائما تسرق الناس وتجعلهم أسرى متطلباتها الملحة وابتلاءاتها التي لا تنتهي ولا تتوقف إلا إذا توقفت دورة الحياة والمجتمع، ولا يقوى البعض أمام هذه التحديات، وما أكثر من يخالفون أحكام عقولهم وعواطفهم لشهوة أو شبهة أو دناءة وخسة أو عن استحماق واستغفال، وإنك لتعجب حين تعلم أن عالمنا المعاصر الذي انتشر فيه العلم وتيسرت وسائله بما لم يكن يحلم به أسلافنا تعجب كيف أن نخبة صغيرة من البشر يوجهون أغلبية البشر – رغما عنهم أو غفلة منهم – إلى حيث يريدون، بل انظر إلى الشعب الأمريكي أفضل شعب في العالم المعاصر حيث يتمتع بالديمقراطية وحرية الرأي وتيسير سبل الوصول للعلم والحقائق أكثر من غيره انظر كيف يستغفله فئة قليلة يقول د  شريف دلاور:" حيث إن صوت الشعب يجب أن يُسمع في المجتمعات الديمقراطية – وذلك بخلاف النظم الشمولية التي لا يهمها سوى طاعة المواطنين بصرف النظر عما يفكرون فيه – فلقد تمكن أصحاب المصالح الأمريكية من تجاوز هذه الإشكالية من خلال غسيل مخ مستمر يصبح فيه حديث المواطن العادي متمشيا تماما مع مفاهيم النخبة الاقتصادية والسياسية، وهو ما عبر عنه Edwards Barays  بعملية " هندسة الموافقة The engineering of consent"  فعمليات السيطرة على العقل العام الأمريكي تتم بشكل مستمر ومتكرر وتصل إلى ذروتها في فترات الأزمة"(من تقدمته لكتاب" الاغتيال الاقتصادي للأمم ، اعترافات قرصان الاقتصاد ، تأليف جون بركنز، ط: الهيئة المصرية العامة للكتاب)، ولذلك يهتم مفكروهم بالبحث عن نظرية أخرى بديلة عن الديمقراطية، التي لم تعد تعبر عن مصالح الشعب!، كل ذلك يدل على أن قول هذا القائل فيه طيبة وسذاجة وجهل بطبيعة البشر وواقعهم المعاش.
وأخيرا: أنبه إلى أن الغرب المعاصر ينتقد حد الردة عندنا قياسا إلى منظورهم للدين وقد مر نقضه، ولكنهم ينتقدونه أيضا باعتباره وحشية! وهنا أريد أن  أنبه إلى حقائق خطيرة جدا وهي: إن حد الردة في الإسلام يدرء بالشبهات (وهي نوع علم) وبالجهل( سواء في الاعتقادات أو العمليات) بينما الغرب المعاصر يدمر الملايين من البشر بالقتل الحسي والقتل المعنوي بمجرد أن خالفوهم في الرأي – رأي عقولهم المحض!- ولا يعذرون بالجهل أو بالبراءة! فلو خالف أحدُ الساسة في دول العالم الغربية أو الشرقية أراءَ القيادة الدولية العالمية في السياسة أو الاقتصاد أو الاجتماع أو الحرب، مخالفة تتجاوز الخط المسموح به قد يغتالوه أو يقلبوا نظام حكمه، أو يدمروا بلده ويحتلونها فيقتلون الملاييين من الشعوب بسبب ذلك وهم أبرياء ، هذا القتل الجماعي  للأبرياء بسبب مخالفة ساستهم لأراء القيادة العالمية – وهي أراء ثبت بطلانها وفشلها – قد يتم بمباشرة أمريكا للقتل أو بطريقة غير مباشرة كنشر السلاح في الدول وضرب بعضها بالبعض الآخر هذا فضلا عن القتل المعنوي الذي يعاني منه البشر من انتشار الجريمة والأمراض النفسية والتفسخ العاطفي والفقر والبطالة بسبب سياسات القيادة العالمية التي هي أراء فاشلة دمرت عالمنا والبيئة الطبيعية لصالح فئة قليلة من الأثرياء  ولكن القيادة العالمية حولت  أراءها الفاشلة إلى اعتقادات! انظر في تفصيل ذلك وإثبات بعضه بالحقائق والأرقام والإحصائيات والاعترافات كتاب "السطو على العالم التنمية والديمقراطية فى قبضة اليمين المتطرف" لشريف دلاور، وكتاب " الاغتيال الاقتصادي للأمم".
والحمد لله رب العالمين
كتبه/ خالد المرسي

(*)عن هذا الأساس يقول "راسل" إن الدين أهم من السياسة ( كقوة مبهمة) لأنه الأساس وهذه نظرة صحيحة كما يقول د " دراز":" الإنسان يُساق من باطنه لا من ظاهره، وليست قوانين الجماعات ولا سلطان الحكومات بكافيين وحدهما لإقامة مدينة فاضلة تحترم فيها الحقوق، وتؤدى الواجبات على وجهها الكامل؛ فإن الذي يؤدي واجبه رهبة من السوط أو السجن أو العقوبة المالية، لا يلبث أن يهمله متى اطمأن إلى أنه سيفلت من طائلة القانون"(الدين:ص 152) فكيف بديننا وهو عاطفة وموضوع أيضا! فكان النفاذ منه يمكن أن يحدث أعظم الاضطراب في الدولة الإسلامية ومعلوم أن أغراض الساسة الخبيثة في الدول المجاورة تتنوع إما لأغراض اقتصادية أو سياسية أو حسد على الدين كما قال الله {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ }"البقرة:109" إلى آخر أغراض البشر المتعارضة.


تعليقات

المشاركات الشائعة