الحفاظ على النظام المجتمعي العام وإلا فالحرب الأهلية

هذا مفكر عبقري مصري نصراني - مسلم الثقافة والحضارة - يؤكد ضرورة الحفاظ على النظام المجتمعي العام وإلا فالبديل هو الحرب الأهلية؛ لا كما يزعم التغريبيون أن البديل هو التفوق الدنيوي!!! وجادلناهم بالدين ثم بالعلم ثم بواقع من يقلدون ولم يقتنعوا فلعلهم يقتنعوا بمقال الدكتور.

لاستقطاب العلماني الإسلامي



د. رفيق حبيب   |  28-09-2011 00:53

من طبائع الأمور أن تختلف التيارات السياسية في تصوراتها، وفي المرجعية أيضا. ومن طبائع الأمور أن تختلف فئات المجتمع في تحيزاتها السياسية والمجتمعية، نظرا لاختلاف طبيعتها وتركيبها الاجتماعي، مما يؤسس لحالة من التعددية، تبدأ على المستوى الاجتماعي، وتنتقل إلى المستوى السياسي والثقافي. ولكن تلك التعددية تظل في إطار نظام عام متفق عليه، أو متوافق عليه بين الجميع، أو إطار عام تنتجه الأغلبية المجتمعية، وتوافق عليه وترضى به الأقلية المجتمعية. بحيث يصبح التعدد في إطار منظم، يحدد القواعد العامة التي يلتزم بها الجميع، رغم اختلاف مواقفهم من تلك القواعد العامة. بمعنى أدق، لا يمكن أن يفتح الباب أمام التعددية إلى الدرجة التي يصبح فيها النظام العام متعدد، لأن هذا يعني عدم وجود قواعد حاكمة للنظام السياسي أو النظام الاجتماعي، إذا اعتبرنا أن النظام العام هو الإطار المنظم للنظام السياسي والاجتماعي. وكلما بني نظاما عاما متسقا ومتكاملا، ويعبر عن الأغلبية المجتمعية، وتتوافق عليه كل فئات المجتمع، فتح الباب أكثر للتعددية والحرية، لأن النظام العام في هذه الحالة يكون كافيا بوضع إطار منظم لحركة جميع فئات المجتمع، مما يحقق التكامل والاتساق والتماسك بين فئات المجتمع.

ولكن وجود تعددية بدون وجود إطار عام متفق عليه، ويحظى بالأغلبية المجتمعية، يؤدي إلى حالة من التفكك المجتمعي، وهي تلك الحالة التي تنتج الاستقطاب السياسي والمجتمعي بمعناه السلبي. فالاستقطاب في حد ذاته ليس المشكلة، على أساس أن كل تيار سياسي يحاول حشد كل المؤيدين له في مواجهة التيارات السياسية الأخرى، ولكن الاستقطاب المفضي إلى تفكيك المجتمع وزيادة حدة وعمق المواجهة المجتمعية، بما يؤدي إلى تفكيك تماسك المجتمع، هو الاستقطاب السلبي الذي يحول التنافس السياسي إلى خصام مجتمعي بين الفئات المكونة للمجتمع.

لذا يصبح كل تنافس أو مواجهة أو حتى خصومة سياسية، تحدث في حالة عدم توفر نظام عام حاكم، بمثابة حالة تفكيك للمجتمع، وتفكيك أي نظام عام يمكن أن ينظم حركة المجتمع. وعندما يفقد المجتمع الإطار المنظم لحركته يتفكك، ويدخل في حالة احتقان مجتمعي، وتصبح حالة الاستقطاب السياسي سببا مباشرا في تعميق حالة الاحتقان المجتمعي، والتي تؤدي إلى خلل واضح في العلاقة بين الفئات المكونة للمجتمع، بما يهدد وحدة المجتمع وتماسكه، ويدخله في شكل من أشكال الحرب الأهلية.

وهذا ما حدث في مصر، فالاستقطاب العلماني الإسلامي، هو خلاف بين تيارات سياسية مختلفة، ويمثل أهم اختلاف على الساحة السياسية المصرية، لأنه خلاف حول جوهر النظام العام، وبالتالي خلاف جول جوهر النظام السياسي، لأنه خلاف حول دور الدين وموضعه في النظام السياسي. ولكن هذه المواجهة السياسية حدثت منذ قرن أو أكثر، في غياب النظام العام المتفق عليه، والمعبر عن التوافق المجتمعي، والمعبر عن الأغلبية المجتمعية في نفس الوقت. وبهذا أصبح الصراع السياسي يدور في حالة من الفراغ المجتمعي، حيث لا توجد قواعد معبرة عن النظام العام، تحكم كل الأطراف، وتسمح بالتعددية داخل إطار نظام عام متفق عليه. وبسبب عدم وجود نظام عام متفق عليه، أصبحت المواجهة بلا قواعد حاكمة، مما يمكن كل طرف من طرح أي أفكار، حتى وإن لم يكن لها رصيد لدى المجتمع، أو حتى إذا كانت تصطدم بقيم وتقاليد المجتمع، مما جعل المواجهة بلا قواعد، وأيضا جعل الاستقطاب يحدث على حساب القيم الحاكمة للمجتمع والمنظمة له، فأصبح الاستقطاب يحدث على حساب تماسك المجتمع، لأن تماسك المجتمع ينتج من توافقه على قيم حاكمة لنظامه العام.

لهذا استمرت حالة الاستقطاب السياسي في كل عهود الاستبداد، حيث سيطرة طبقة حكم لم تلتزم بالنظام العام، ولم تسمح للمجتمع بتحديد نظامه العام. ولنفس السبب تستمر حالة الاستقطاب السياسي العميق بعد الثورة، لأن المجتمع لم تتح له بعد الفرصة ليضع نظامه العام الملزم للجميع، والذي سوف يشكل الإطار المرجعي للنظام السياسي والاجتماعي. ولهذا أيضا نجد أن التيار العلماني يريد حسم معاركه بدون تدخل المجتمع، لأنه يدرك أنه لا يعبر عن النظام العام المتفق عليه، بما يجعله يريد الحد من دور المجتمع في تحديد النظام العام. ولكن ما يغيب عن التيار العلماني ونخبه، أن المجتمع يستطيع حماية التعددية داخل إطاره المرجعي العام، ولكنه لا يقبل بأي تعددية تكون على حساب خيارات المجتمع. وكلما دفع المجتمع بعيدا، أصبح أقل قبولا للتعددية، التي تكون على حساب حريته وخياراته.

http://www.almesryoon.com/news.aspx?id=79638

تعليقات

المشاركات الشائعة