نقض شبهة على العقلية الدينية – الإسلامية -


كنت كتبت هذه الخاطرة على الفيس بوك فطلب مني أحد الاخوة نقل هذه الأمثلة، فشجعني على نقلها وعلى مزيد التفكير في نقض هذه الشبهة، وأدعو الاخوة الأفاضل لقدح أذهانهم في نقض هذه الشبهة.


الخاطرة : "من الناس من يحصر ظاهرة الجمود والتحجر العقلي في علماء الدين أو العقلية الدينية فقط ليؤكد توجهه المناهض للدين أو للاسلام؛ والحقيقة أن ظاهرة التحجر العقلي ظاهرة إنسانية لا مختصة بالعقلية الدينية فقط، وقد قرأت نقولات واعترافات بذلك من كبار علماء السياسة والأدب والفلسفة الغربية وعن الاجتماعيين، كلٌ منهم يعترف بوجود هذه الظاهرة وينسبها لأهل تخصصه".


أحكي الشبهة أولا قبل نقضها: رأيت بعض الناس المناهضين للتوجه الديني – وهم يُدخلون في عموم الدين أيَّ دين بما فيه الاسلام – يتكلمون عن طبيعة العقلية الدينية – الاسلامية – وأنها أقرب العقول للتحجر والجمود والانغلاق ولم أقرأ لهم تفاصيل الشبهة هذه، لكن مجمل الشبهة حريٌّ بالتصديق لأن المنطق والعقل سهل جدا عليه أن يصدق الشبهة هذه، ويصفها بالمنطقية ويعللها بأن العقل الاسلامي أو عقلية المتدين تستند الى ميراث معصوم مليء بالنصوص المعصومة – القرآن والسنة – ثم ما تفرع عنهما من قياسات وإجماع وإجتهادات تتصل بها بحبل وتأخذ من قداستها نصيبا ما، أما العقول العالمانية أو غيرها المناهضة للدين فليس عندهم هذا الكم الهائل من المقدسات بل لا يوجد عندهم مقدسات أصلا إنما هي نتائج عقول الفلاسفة وهم في النهاية بشر مثلنا.


ولنقض هذه الشبهة سأحاول التدرج من الأعلى الى الأسفل بتسلسل منطقي لا أتجاوز مرحلة إلا بعد أن أقول فيها ما هو كاف في نقضها – في رأيي – .وأنتظر مزيد من الشبهات إن وجدت لنفكر فيها سويا .


أولا النقول التي تثبت أن الجمود والتحجر طبيعة عقلية إنسانية عامة لا تختص بالعقلية الدينية ومن ثم فإدعاء من يزعم إختصاصها بالعقلية الدينية – وأعني الاسلامية فقط – إدعاء باطل وبالطبع فما بُني عليه باطل أيضا.


أولاً:الفلاسفة – وانتبه الى أنهم أكثر الخلق إعمالاً لعقولهم كماً لا كيفًا – ورغم ذلك لم ينجوا من هذه الطبيعة الانسانية:






"برتراند رسل" (1)يحكي عن نفسه في محاضرة له بعنوان " العلم والتقاليد" وفي احدى عناصرها الذي بعنوان " الملاحظة في مقابلة الرواية"ولا يزال أكثرنا يعتقد أشياء كثيرة ليس لها في الحقيقة أساس إلا تأكيدات الأقدمين. ولقد قيل لي دائمًا إن النعامة تأكل المسامير، ومع أنني تحيرت في كيفية عثورها على المسامير في الغابة، لم يخطر على بالي أن أشك في القصة. وأخيرًا اكتشفت أن القصة جاءت مما كتبه بليني pliny"" ، وأنها لا ظل لها من الحقيقة. ويجري تصديق بعض الأشياء؛ لأن الناس يحسون أنها يجب أن تكون صادقة، وفي مثل هذه الحالات يصبح من الضروري إيجاد أدلة ضخمة لإبطال الاعتقاد".


عن السياسيين والاجتماعيين : يقول" نسيم طالب نيكولاس"(2) في بعض فقرات له من كتابه " البجعة السوداء"Black swan " يرى نسيم أنه عادة ما يتم التعامل مع نظرية – البجع الأسود – من قِبل علماء العلوم الاجتماعية على أنها غير موجودة، وفسر نسيم ذلك باعتقادهم بأن ما يملكونه من أدوات تحليلية تمكنهم من قياس عدم اليقين، وهذه المشكلة ناتجة عن سوء فهم الحلقات السببية بين السياسة والسلوك" وقد حاول نسيم تفسير عدم القدرة على التنبؤ بالبجع الأسود بثلاثة أسباب رئيسية وسأنقل لكم السبب الثاني والثالث محلا الشاهد: " السبب الثاني : بأن القادة ينزعون للتركيز على ما يعرفونه، وعلى تفاصيل ما يعرفونه، وليس على ما تعنيه التفاصيل من قواعد عامة فعلى سبيل المثال....، والسبب الثالث: المشكلة فيه – وفقًا لنسيم- تكمن في أنه بمجرد تطوير نظرية ما، فإن إحتمال تغير طريقة تفكيرنا محدود. فمثلاً عند تطوير رأي ما استنادا إلى أدلة ضعيفة، فإن هناك صعوبة في تفسير المعلومات التالية التي تتناقض مع ذلك الرأي، حتى وإن كانت تلك المعلومات دقيقة أكثر. فمثلاً عندما تبين للباحثين أن من ينفذون العمليات الانتحارية هم غير عقائديين، وغير متعلمين، وينتمون للطبقة الوسطى، كان من الصعب إدخال هذه المعلومة في الصورة التي لدينا عن الإرهابيين. وقد فسر نسيم هذه الحالة بتأثير ديناميكيتين على كيفية تفكيرنا، هما التحيز والانحراف في التأكيد Confirmation Bias ، والنزوع إلى عدم التخلي عن رأي ما طوره شخص perseverance belief، فنحن نتعامل مع الأفكار كممتلكات. وهاتان الدينامكيتان مسئولتان عن حالة من القصور في الطريقة التي نتلقى بها الأحداث ونفسرها، وفي الطريقة التي نتصرف بها على أساسها" ، ويرى " نسيم" أن قبول منطق البجع الأسود يتطلب من صانعي القرار إدراك خمس قواعد رئيسية – وانقل الثانية والثالثة محلا الشاهد – " وتتمثل القاعدة الثانية في القبول بفكرة التجربة والخطأ، وهي تعني التجربة كثيرا، حيث لدينا صعوبات نفسية وفكرية في التجربة والخطأ، وتقبل عدد من الإخفاقات الصغيرة الضرورية في الحياة. فلعى سبيل المثال.....، وتنصرف القاعدة الثالثة إلى عدم السعي وراء ما هو محدد ومحلى، بمعنى تجنب ضيق الأفق وبحسب عبارات نسيم " كن مثل الثعلب وليس مثل القنفذ" ولعل لو اطلع أحد على الكتاب بنسخته الانجليزية لرأي كثير من الفقرات بهذا المعنى.


أهل الأدب: أوضح " توفيق الحكيم" هذا المعنى وقرره بشكل جلي في مقال بعنوان"الخلق الذي يبتكر " من هذا الكتاب وأرجو قراءة المقال كاملا






http://www.4shared.com/file/35413008/37d2e64b/____.html?s=1


يتبع
---------------------------
(1) واحد من أكابر فلاسفة الإنجليز المعاصرين


(2) هو الذي أطَّر نظرية سياسية تُسمى ب" البجعة السوداء" Black swan في كتابه" البجعة السوداء" والذي أصدر طبعته الأولى في عام 2007، قبل أن ينقحه ويكمله في طبعة ثانية عام 2010، وهذه النظرية من أهم وأحدث النظريات في تحليل السياسة الدولية وتلقى اهتمامًا واسعا في الأوساط السياسية العالمية ويمكن البحث عن معلومات هذه النظرية عبر محرك البحث جوجل. والمنقول من كلامه نقلته بواسطة ترجمة ملحق مجلة السياسة الدولية الصادرة عن مركز الأهرام بمصر عدد يوليو 2011


تعليقات

المشاركات الشائعة