معضلة خطيرة تعيق سير الصحوة الاسلامية ، وحلها للعلامة محمد عبد الله دراز

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:







كنت طرحت هذه المشكلة في أحد المنتديات ثم وجدت لها حلاً في كلام الدكتور محمد دراز وإليكم المشكلة ثم أردفها بالحل






ما حل هذه المعضلة؟. الاسلاميون نظرا لانشغالهم بالمقدسات كالعلوم الشرعية وارتباط تاريخها بتاريخ حضارة الأمة الاسلامية؛ ضف الى ذلك وجود قوى عالمانية وليبرالية وغيرهم - من المسلمين الجغرافيين - نتج عن هذا : أن تحليل الاسلاميين وردود أفعالهم على هذه القوى المناهضة المنتسبة للاسلام تتسم وتنحاز الى الصدام والتخوين والزعيق والكلام النابي والصوت العالي متأثرين بتربيتهم وانتسابهم الراقي للمقدسات والحضارة القديمة في مقابل انتساب القوى المناهضة لفسلفات كفرية في الحقيقة - وإن كانوا يتبرءون من هذه التهمة. وإن قلنا لللاسلاميين التزموا بهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في هدوءه وتعايشه وعمله الخيري في مجتمعه مع الكفار ودعوتهم بالتي هي أحسن!!!، قد يقولون لنا هؤلاء كانوا كفار أصليين أما قومنا فمرتدون في الحقيقة. نتج عن هذا : عدم ثقة كثير من قطاعات المجتمع - وأنا كل ما مر الوقت يزداد انحيازي لهذه القطاعات - في أراء الاسلاميين لمعرفتهم بخلفيتهم النفسية والعلمية التي تدفعهم دائما للصدام والعنف - اللفظي لا عنف الحركات -. ما حل هذه المعضلة التي توقف سير الدعوة الاسلامية؟! لأن الأفكار والدعوات لا تنتشر الا في جو هادئ يشعر فيه كل الأطراف بالاحترام المتبادل، بالاضافة الى تبديد القوى الفكرية والنفسية والبدنية في هذه الصدامات والتربصات على حساب البناء والارتقاء بالخيرات البشرية الموجودة في المجتمع.






---------






وقد وقفت على كلمة فيها الحل من إمام مجدد هو الدكتور العلامة/ محمد عبد الله دراز- رحمه الله – يوجهها لبعض الدعاة المتشنجين في زمنه – كحال زماننا وأعتقد أنهم في زماننا أكثر بكثير جدا جدا منهم في زمنه - أنقلها لكم لعلها تجد أذانا صاغية وقلوبا واعية . والدكتور محمد دراز سلفي العقيدة وهو من خيرة العلماء الذين أنجبهم الأزهر الشريف في هذا العصر الحديث ، ومقامه في العلم والمناقب يطول الكلام عليه، وأكتفي هنا بالإشارة لنذر منها لمن لا يعرفه، فهو مؤسس علم الإعجاز الأخلاقي في القرآن الكريم، وهو الذي يقول عنه الدكتور/ عبد العظيم المطعني:" إن الدكتور دراز لم يأخذ حقه من إعلامنا لأنه الأزهري الوحيد الذي استطاع أن يهزم العلمانية في عقر دارها باريس" في لقاء شخصي بين الدكتور عبد العظيم وبين محقق تراث الدكتور دراز الشيخ أحمد فضلية، وهو الدكتور دراز الذي " عرض عليه رجالُ الثورة بواسطة مندوبين منهم: منصب مشيخة الأزهر، وحسبوا أن الرجل سيسارع بالقبول والتلبية، ولكنهم فوجئوا به يشترط شروطًا لقبول المنصب، ومنها: أن تُطلَق يدُه في إصلاح الأزهر، فخرجوا من عنده ولم يعودوا اليه، إنهم لايريدون من يشترط عليهم شرطا، بل من يقبل بلا قيد ولاشرط، ويقدم اليهم الحمد والشكر. ولم يكن هذا شأن الشيخ الذي يرى في المنصب تكليفًا لاتشريفًا وفرصة للاصلاح والبناء، لاللظهور والأضواء" بنص كلام الدكتور / يوسف القرضاوي، وقد وعد شيخنا/ محمد إسماعيل المقدم بأن يخصص له حلقة من حلقات دروسه المسماة ب " أحبوا هذا الرجل".






وأنقل لكم بعض كلامه من بحث بعنوان " المجتمع الصالح وعلى أي أساس يقوم؟






" تحدث به الشيخ في الإذاعة المصرية على حلقات في سنة 1954 م ثم فُرغ هذا البحث وطُبع، وفي هذا البحث بعد أن تكلم عن خصائص المجتمع المسلم من شريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحوها، استحضر إشكالاً قد يخطر في ذهن السامع لا سيما في هذا العصر الحديث فيذكر هذا الإشكال أو السؤال ويرد عليه كما سأنقله لكم الآن .






المجتمع الصالح وعلى أي أساس يقوم؟






-6-






تربية الوجدان الاجتماعي والخلقي(أذيع في صباح الأحد 28/2/1954م):






قلنا إن العنصر الثاني من عناصر الوجدان الاجتماعي هو شعور كل فرد منا بأن عليه نصيبا من التبعة في كل ما يصل إلى علمه أو يقع تحت سمعه وبصره ومن أعمال الآخرين حتى يصبح المجتمع نقيا من كل عيب وخلل.






هذا العنصر يعوزه عنصرٌ ثالث ، يلطف من حدته ويلين من شوكته، فإنه لو كان كل انحراف نلاحظه عند غيرنا فيما صغر وكبر، وفيما خفي وظهر، في الآراء والعقائد، كما في الأقوال والأفعال، يقتضي منا مقاومة ومكافحة دون هوادة ولا مسامحة، إذًا لانقلبت حياة المجتمع، جحيما مسعّرة ومصادمات مستمرة. لا بد إذًا من اتخاذ خطة حياد تقوم فيها مسالمة يتوادع الناس فيها. فلا يلوم بعضهم بعضا، على الرغم من إختلافهم في المشارب والمذاهب.






ألا وإننا نرى الإسلام يقرر هذه الهدنة الأدبية في ميدانين اثنين على الأقل: ميدان الهنات الهينات من الأعمال التي تختلف فيها الأنظار والتي يجب أن يترك أمرها في النهاية إلى ضمير كل امرئ وتقديره، وميدان الآراء والإعتقادات بالغة ما بلغت من الضلالة والخرافة، ما دامت لا تتحول إلى حركات ضارة أو أعمال عنيفة، وتلك الآراء والإعتقادات بعد الإرشاد إلى الصواب فيها، يجب أن تترك أخيرًا إلى عقل كل امرئ وتفكره، ذلك أن واجب التناصح في الحق له حدوده لا ينبغي أن يتجاوزها وإلا لكان إقتحاما لحظيرة الضمير المقدسة...فعند عتبة باب الضمير يقف واجب التناصح ليحل محله واجب التراحم والتسامح وذلك بترك الحرية لكل أحد في الإستمساك برأيه أو العدول عنه تبعًا لإقتناعه هو..






وهذا هو معنى التسامح في الآراء والاحترام المتبادل للعقائد. وليس من التسامح في شيء حين تختلف الناس في آرائهم وعقائدهم، أن تحظر على المخطئ إعادة النظر في خطئه، وأن توجب عليه التمسك بوجهة نظره والتعصب لها والإصرار عليها إلى النهاية فإن التسامح الصحيح يجب أن يسير طردًا وعكسًا، على معنى أنه كما ليس لك أن تلزمني بإعتناق رأيك كرهًا، ليس لك أن تلزمني أن أصرّ على رأيي حتى لو كنت مخطئا، بل يجب أن تترك الباب أمامي مفتوحًا في كل لحظة لاستدراك خطأي ولتجديد عزمي على تلمس طريق الصواب، ومحاولة الوصول إليه.






إننا لا نجد في قواعد العقل ولا في أحكام الضمير، ولا في أوامر الدين ولا في مبادئ السياسة الرشيدة ما يبرر هذه الدعوة إلى تعصب كل ذي رأي لرأيه، وكل ذي عقيدة لعقيدته، فذلك أول كل شيء حَجرٌ على حرية التفكير ثم هو عدوان على حرمة الضمير، ثم هو صد عن سبيل الحق، وأخيرا هو دعوة إلى بقاء الإنقسام مخلدًا في صفوف المجتمع، وتحريض على دوام الفرقة بين أفراد الأمة وجماعاتها أبد الدهر، والعجيب أنه باسم الاتحاد، ويدعو بعض المتحدثين إلى هذا الإنقسام وباسم التسامح يدعو إلى هذا التعصب.






فإلى هؤلاء الأدباء والمتأدبين ، نوجه رجاءنا أن يفكروا مرتين قبل أن يتحدثوا أو يكتبوا.........






منقول من كتاب" حصاد قلم" ص:291 ط: دار القلم، جمع وتحقيق الشيخ أحمد فضلية.






نسأل الله أن يهدينا لصحيح الدين وثاقب الفكر






والحمد لله رب العالمين.


تعليقات

المشاركات الشائعة