أحيانا لا يواجه الفكر إلا بالقوة.



أحيانا لا يواجه الفكر إلا بالقوة.
من رحمة الله بالمستنيرين من خلقه أن جعل بين الكائنات تشابهات كثيرة رغم التناقضات الكلية بينهم! كما قال الله {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} فهذا "تماثل سطحي" بين الانسان والحيوان رغم الفروق الشاسعة بينهما، فمن باب أولى أن تكون تلك التشابهات موجودة بين مسلمي الانس وكافرهم، وأهم هذه التشابهات هو العقل، فالله جعل شرعه لا يتعارض مع العقل الصحيح، بل جعل بينهما تداخل جدلي بحيث لا يستغني أحدهما عن الآخر في تكونه ووجوده، فالجهود التي بذلها أئمة النهضة الأوروبية المعاصرة في هتك أستار مفكري الخرافة حتى نجحت وأفضت بهم إلى الارتقاء في نوعية الحياة، تلك الجهود سنجد فيها تشابهات كثيرة نحتاجها في مواجهتنا لمفكري الخرافة في بلادنا، هذا نص لهيجل يشير فيه إلى أهم سمات مفكري الخرافة في عصره، تتعلق بعجزهم عن التواصل لفقدانهم الاحساس بالمشتركات بينهم وبين مخالفيهم، والتي بدون الإحساس بها يستحيل التواصل والحوار:"وما دام النور المشترك يحتكم إلى العاطفة كأنها صوت الكاهن المستتر داخله، فقد بتّ كلَّ وصل بينه وبين من اختلف منه في الرأي واضطر بذلك إلى أن يعلن أن ليس لديه ما يقوله إن لم يجد في نفسه ذات الحقيقة ولم يشعر بها؛ أي هو بعبارة أخرى يدوس بقدميه جذر الانسانية، لأن طبيعة الانسانية هي النزوع إلى الاتفاق المتبادل ووجودها إنما يقوم في الشركة الناشئة بين الواعين. فأما الانغماس في العاطفة والعجز عن التواصل إلا بها فحرب على ما هو إنساني ووقوف عد الحيواني"
مفكرونا وشيوخنا وبالأخص (شيوخ وقادة ومفكري التيارات الاسلامية البارزين) وصلوا إلى هذا المستوى الذي يجعلهم يعرضون تماما عن فكرة النقاش والحوار  إلا من بعيد ليدلسوا على أتباعهم، فتجد أحدهم يرد على أهل الحق بمقالات يكتبها دون مواجهة حية مباشرة، ليظن أتباعه أنه رد وأدى ما عليه، بل وبعضهم يتعمد السكوت والصمت ليظن أتباعه أن صمته لا صمت الجهلاء ولكنه صمت العلماء الوقورين في مواجهة من لا يستحق الرد لجهله أو مرض قلبه! حتى قال شيخي الدكتور "حاتم العوني" إن على الأجهزة الأمنية في مصر مثلا أن تكره شيوخ السلفية على عقد مناظرة على الهوار في فضائية عامة مع أحد العلماء، لينفضح أمرهم اكثر واكثر.
  فائدة هذه المناظرات والحوارات تعود لأتباعهم فقط، أما هم فلا حيلة للفكر معهم، لأنهم لا يفكرون أصلا! هم تعمقوا في الدراسة بلا منهج فهم صحيح حتى صاروا يفكرون بعواطفهم وحماستهم وأوهاهمهم، ولذلك لا يجد كثير منهم محفزا داخليًا يقهرهم على الرد على من يسفه منهجهم، وقليل منهم من يتهور ويرد فتبدوا عوراته،  هؤلاء حقهم أن يواجَهوا بالردع كما فعل صحابة رسول الله مع أمثالهم كانوا يضربونهم ويطردونهم من المساجد إذا رأوهم يخطبون على منابرها، وأبرز نمذوج لذلك هي قصة أمير المؤمنين عمر ابن ابخطاب مع "صبيغ العراقي" الذي تحدث مع المسلمين في الشوارع عن معنى آية قرآنية، فظل يضربه أمير المؤمنين حتى كاد يقتله، ولم يعفوا عنه حتى صرح له بنسيان ما كان يتسائل عنه، فعفى عنه جزئيا  وأوصى المسلمين بمقاطعته حتى يتأكد من توبته قبل أن تزول المقاطعة، فعمر ابن الخطاب لمح في صبيغ حالة فكرية كحالة قومنا الخرافيين، حيث لا يتسائل عن العلم ولا يخوض في الدراسة بمنهجها  وأدابها المعروفة بين العلماء، ولكنه يخوض فيها بمناهج مقلوبة وهمجية وتعالم، وأمثال هذا نهاهم الله عن الخوض في التفكير الذي لا يطيقون ولا يعرفون طرقه المستقيمة المؤديه إليه من بابها، قال الله {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا } قال سهل التستري "من أعظم المعاصي الجهل بالجهل"، فهذه الوسيلة الصحيحة في مواجهة هؤلاء الخرافيين (ما دامت الحكومات لا تقدر على تكميم أفواههم فيما يتعلق بالدين على المنابر والوسائل العامة الحديثة، ولا يقدرون هم على الاعتزال من أنفسهم) فلا أقل من ضربهم وسجنهم وإذلالهم ولو لم تؤد تلك الأساليب إلى تحسين عقولهم، فهي عقوبة لهم على استغراقهم في معصية "الجهل بالجهل" والله يحب أن يثاب المحسن ويعاقب المسيء، وهذا أمر يحبه الله ولو لم ينتج عنه أي تحسين عقلي.
خالد المرسي

تعليقات

المشاركات الشائعة