دور الرباني أو التقي.

دور الرباني أو التقي.
الرباني أو التقي، هي مرتبة (دور) أوجبه الله على كل عباده، إلا أن طبيعة هذا الدور تختلف من مستوى إلى آخر، فمقتضيات ومتطلبات هذا الدور للعوام يختلف عنه بالنسبة إلى العلماء ولذلك قال الإمام أبو حامد الغزالي :"العالِم إما مالك وإما هالك ولا مَطمع له في سلامة العوام"
هذا الدور شأنه كشأن أدوار الدنيا المهنية والحيايتة العائلية، تختلف تلك الأدوار مع بعضها من حيث المقتضيات العلمية والتوافق الانفعالي الذي يتطلبه دور ما (كدور الأب أو الابن أو الظابط أو التاجر أو أو...)
دور التقي بالنسبة إلى العلماء يحتاج إلى مقتضيات ومتطلبات علمية وتوافق انفعالي يلائم الدور أكثر بأضعاف مضاعفة عما يحتاجه الدور نفسه بالنسبة إلى العامي، والسبب في هذا الاختلاف هو كم ونوع الحمولة (المسئولية) التي يحملها العامي أو العالم، فالعالم تحمل علما أكثر من العامي وتحمل مسئولية واقعية أكثر منه، فهذه الأكثرية هي التي تتسبب في اختلاف مقتضيات الدور ومؤهلاته ومتطلباته، حتى أن المتعالم الذي يرى نفسه عالمًا أو مفكرًا هو حمل حمولة أكثر وحمولته عبارة عن الجهل المركب الذي يمارسه والتفكير الفارغ الذي يدأب على التعبير عنه في مقالات وأبحاث وكتب، وأغلب أو كل القيادات والمفكرين والشيوخ الإسلاميين البارزين في عصرنا هم من جنس "المتعالم" الذي تحمّل حمولة ثقيله (هي التفكير الفارغ أو الشكلي) ونحن نحتاج إلى تحاليل تفصيلية لطبيعة ووظيفة هذه الحمولة الفارغة في شخصية حاملها وفيمن حوله من المجتمع.
ما من أحد من هؤلاء القادة والمفكرين والشيوخ البارزين إلا وهو يعتقد في نفسه – شعوريًا أو لا شعوريًا- أنه (تقي ورباني!)، ولا تغرنكم الجمل الأثرية الموروثة المعبرة عن ظلم قائلها لنفسها وتواضعه وحطه عليها، والتي تلوكها ألسنة هؤلاء المتعالمين! لأن أراء الإنسان واتجاهاته وسلوكه الحقيقي لا يؤخذ من ألفاظه التي يتفوه بها والتي ينفي بها عن نفسه التقوى بشكل مباشر أو غير مباشر، يقلد بها أحوال الأتقياء الحقيقيين المتواضعين المنقولة لنا في كتب التراث، فقد يتعمد النفاق والكذب (وهذا نادر فيهم) وقد لا يشعر بمناقضة سلوكه واتجاهاته ودوره كما يمارسه واقعيا لألفاظه تلك (وهو الغالب عليهم)
فالمتعالم كالطفل حدث السن لا يعي ولا يدرك الآثار الطبيعية والحقيقية والذوقية والجمالية لكلامه الذي يتفوه به أو سلوكه الذي يسلكه، ولذلك قال سهل التستري "من أعظم المعاصي الجهل بالجهل".
كل الويل الذي حاق ببلادنا هو بسبب هؤلاء! هؤلاء لا يدركون خطورة إدمانهم على ممارسة الدعوة الإسلامية بتفكير شكلي فارغ! يظنون هذا الكلام الفارغ يطير ويتلاشى في الهواء! هيهات هيهات ، إنه المارد الذي يطلقه المتعالم بلا حدود ليعود إليه في عنف ضاربا إياه فجأة أو بين الفينة والفينة، وللأسف كثيرا ما يعود هذا المارد بالعنف على من هم حول ذلك المتعالم! إن الفكر (سواء كان حقا أو باطلا - ممتلئا أو فارغا-) هو كائن حي مستقل عن أشياء الدنيا، إما أن يتحكم فيه مُصدِره (لو كان عالما حقيقيا) فيسعد به ويسعد المجتمع، أو لا يتحكم فيه (لو كان متعالما) لأنه يصدره بلا التزام لحدود المنهج العلمي، وأصل الدمار الإنساني هو في عدم التزام الحدود الواجب التزامها، كما شرح ذلك بتفصيل العلامة"إميل دور كايم" فينتج عن ذلك موجة أسى واكتئاب وعنف تنتاب المجتمع لتظهر في صفحة الخط البياني لمعدلات الانتحار مثلا كما يقول دور كايم، فهل بعد أن عرفنا أهمية الحدود في تقدم الدنيا سنعجب إذا رأينا مؤسسة تدعي الريادة الفكرية ضخمة التمويل تسمي نفسها "مؤمنون بلا حدود"!!!
خاد المرسي

تعليقات

المشاركات الشائعة