{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى}

{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى} (محمد:17)
تقول هذه الآية الكريمة إن الإنسان إذا اهتدى زاده الله هداية، وهناك قول آخر فيها متعلق بقصة المنافقين المحكية في سياق الآيات كما في الآية التي قبلها مباشرة وفيها {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آَنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} (محمد:16) يقول ابن عطية في تفسير قوله تعالى {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى} :" يُحتم لأن يكون الفاعل في { زَادَهُمْ} قولُ المنافقين واضطرابُهم، لأن ذلك مما يتعجب المؤمن منه، ويحمد الله تعالى على زيادة إيمانه، ويتزيّد بصيرة في دينه، فكأنه تعالى قال: والمهتدون المؤمنون زادهم فعل هؤلاء المنافقين هدى، أي: كانت الزيادة بسببه فأسند الفعل إليه"
هذا يعني أن الانحراف هو سبب زيادة هدى المهتدين، وهذه الآية تدل على أن الإسلام لا يخشى من الانحرافات التي تضاده، و لا يخشى على المتدين به من النظر فيها كالعلوم التي لا يؤمن أهلها بالاسلام كالفلسفة والعلوم الاجتماعية الحديثة، لأن الإسلام يأمر المؤمن به أن يكون إيمانه عن بينة وإيمان مُفكَّر فيه بالعقل لا أنه يؤمن به بقلبه وفقط! فلماذا يخشى الإسلام إذن من الانحرافات الفكرية؟! وكل انحراف من شأنه أن يساهم في جلاء وصفاء ما يقابله من الاستقامة، كما أنه لولا السواد ما نصع جمال البياض، ولولا قبح الشر ما اتضح حسن الخير، ولولا ضرر الكفر لما اتضح صلاح الايمان... الخ، إذن فكل التهم التي يُرمى بها الإسلام من قبل البعض (ومنهم مفكرون إسلاميون منشغلون بعلوم أوروبا الانسانية) الإسلام برئ منها، إلا أن مهنج الإسلام هذا مقيد وليس مطلقا، فالإسلام يشجع المؤمن به على النظر فيما يضاده من انحرافات بشرط أن يكون عن طريق عالم متخصص قادر على وزن الانحرافات بميزان الإسلام الصحيح، وهؤلاء كشيوخي مثلا، بينما غير القادر على ذلك لعدم وجود علماء كشيوخي مثلا، فهذا الأسلم له أن يبتعد عن النظر في هذه العلوم الانسانية غير المسلم أهلها، ليسلم له إيمانه الساذج الصحيح بدلا من أن يفسد عليه، والناظرون المتعمقون في العلوم الإنسانية الأوروبية اليوم كلهم مغزوون ثقافيا (على اختلاف بينهم في الدرجة لا الجنس) وكلهم مجروح إسلامهم بسبب هذا الغزو (حتى من يطلقون على أنفسهم مفكرين وفلاسفة إسلاميين)، ورغم ذلك نراهم يتبجحون بالمطالبة بتشجيع كل الشباب على النظر في علومهم والتتلمذ عليهم! ولا عجب في ذلك فهي مهنتهم ومصدر هيبتهم ومكانتهم الرمزية في المجتمع، ويريدون الاستثمار فيها، كما أنهم كشأن كل المتخلفين عقليًا ونفسيًا، يطلبون حقوقهم دون أن تتوفر فيهم شروط تلك الحقوق، فيطلبون تشجيع النظر في علومهم ويتطاولون على من يرفض ذلك، وهم هم المقصرون لأقصى درجة في تعلم منهج الفهم الصحيح للإسلام الذي يمكنهم من ممارسة الفهم النقدي لعلوم أوروبا، والنجاة من مهالكها بل والفوز بمحاسنها التي سبق وأشرت إلى بعضها كالمتضادات (الخير والشر) وبضدها تتميز الأشياء.
خالد المرسي

تعليقات

المشاركات الشائعة