علم الاجتماع والإسلام (2).



علم الاجتماع والإسلام (2).
لا يزال المتخصصون في علوم الشريعة اليوم يعتقدون أن العلوم الإنسانية المستوردة من أوروبا هي علم مغاير للعلم الإسلامي كمغايرة علوم الطب والهندسة والزراعة والتجارة ...الخ للعلم الاسلامي! وهذا ضلال مبين انتبه له المجددون المعاصرون ووجهوا كل علمهم وفكرهم نحوه كالمشايخ محمد عبده ومحمد رشيد رضا وعبد الحميد ابن باديس ومحمد دراز، بل محمد دراز هو أول من توجه نحو هذه الدراسة أكاديميا (لتوفر ظروف الأكاديمية له خلافا لمن قبله) فكانت دراساته الأكاديمية الليسانس والماجستير والدكتوراة منصبة على علاقة الإسلام بما وقع اختياره عليه من مشكلات العلوم الإنسانية الأوروبية! هذا غير دراساته العامة الحرة الأخرى وكل تفكيره عموما، ولكن للأسف قادتنا وعلماؤنا لا يزدادون إلا تخلفا وبعدا عن منهج المعاصرين المجديين، فأريد الآن أن أنقل نصا كتبه "إميل دوركايم" الرائد الأكبر لعلم الاجتماع الحديث، يبين أن علم الاجتماع ينازع الإسلام موضوعه لا أنه مجرد مغاير له! يقول دور كايم:" المرء لا يسلك سلوكا أخلاقيا إلا حين يستهدف غايات تسمو عن الغايات الفردية، وحين يتفانى من أجل كائن أرفع منه ومن كل من عداه من الأفراد، وما دمنا قد حرّمنا على أنفسنا الاستعانة بالأفكار اللاهوتية، فلن نجد كائنا معنويا واحدا يسمو عن الأفراد، ويمكن ملاحظته تجريبيا، سوى ذلك الذي يكوّنه الأفراد عند اجتماعهم، وأعني به المجتمع. فمتى سلَّمنا بأن الأفكار الأخلاقية ليست نتيجة أوهام مشتركة بين الجماعة، فإن الكائن الذي توجه الأخلاقُ إرادتَنا نحوه وتجعل منه هدفا أسمى للسلوك، لن يتعدى واحدا من اثنين: إما الكائن الالهي أو الكائن الاجتماعي، أما الفرض الأول فنستبعده على أساس أنه بعيد عن متناول العلم، فلم يبق إلا الثاني، وهو يفي – كما سنرى- بكل حاجاتنا ويحقق كل أمانينا، ويشتمل – فضلا عن ذلك – على كل ما في الأول حقيقة، فيما عدا الرمز"
فالواجب إذن أن تتخصص فئة من أهل العلم الاسلامي وطلابه، في دراسة هذا العلم ليعرفوا أوجه منازعته للإسلام، لأن هذا الاستبدال بين الله والمجتمع يستلزم ضرورة منازعة موضوعية تأسيسية جدلية تداخلية كتداخل الروح في الجسد وتأثيرها الخطير في طبيعته ووظائفه أو كتداخل القلب والعقل في الجسد، فيجب أن يدرس أهل الإسلام أوجه المنازعة وأوجه الاتفاق ثم يبينون هدي الإسلام في ما اتفق فيه وفيما تنازع فيه، ويبينوا براهين التفكير الاسلامي على الوفاق او المنازعة ويبينوا بدائل الإسلام فيما نازع فيه، ويسيروا على نهج من سبقهم من المعاصرين في هذا التوجه كالشيوخ الأربعة السابق ذكرهم.
تنبيه: العلامة "دور كايم" كما يصفه الدكتور محمد دراز بالعلامة، لا أراه منحرفا في توجهه هذا ، فهو أول من فصل بين الفلسفة والدين وبين علم الاجتماع، فدوركايم في نصه وتوجهه هذا كان متبعا لنبينا عليه الصلاة والسلام، بل نبينا كان أكثر تشددا منه! لأن دور كايم يرى أن الله (الذي وُصف له) بعيد عن متناول العلم، بينما نبينا بعد أن بعثه الله صرّح بأن الله المعروف في زمنه وهم أصلاً، لا أنه بعيد عن متناول العلم وحسب! فهو في متناول العم ثم حكم العلم عليه بأنه وهم! حتى حكم القرآن الكريم على اعتقاد الله الموجود في زمنه بأنه "سوء ظن بالله الحق" قال الله تعالى {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ} (الفتح:6) قال الإمام ابن عطية في تفسيره :" قيل: ظنوا بالله تعالى ظن سوء إذ هم يعتقدونه بغير صفاته، فهي ظنون سوء من حيث هي كاذبة مؤدية إلى عذابهم في نار جهنم"
 إذن فإعراض "دوركايم" عن الله هو إعراض يقره بل يوجبه الإسلام! ولكن للأسف لم يتوفر لدوركايم البديل الحق الذي توفر لنبنيا وهو الإسلام لأنه لا يتمكن من معرفته بشكل مفصل يرقى إلى مستوى التفصيل العالي لمشكلاته ومضوعاته الفكرية الجدلية.
فهل يفكر علماؤنا أو طلابهم؟!
خالد المرسي

تعليقات

المشاركات الشائعة