إلى علماء السياسة وعلماء الاجتماع وطلابهم، حول مشاكل الفهم والتحكم.

إلى علماء السياسة وعلماء الاجتماع وطلابهم، حول مشاكل الفهم والتحكم.
تقول "مادلين غراويتز" في كتاب "منطق البحث في العلوم الاجتماعية" ترجمة الدكتور: سام عمار، نشر المركز العربي للتعريب والترجمة والتأليف والنشر بدمشق ص 159
"مفهوم المثال la notion de paradigme
1(إننا نستطيع دون تسامح أن نصرح أن علماء السياسة وعلماء الاجتماع، في حالة عدم التوصل إلى تفسيرات ونظريات، يخترعون كلمات)، 2(أو على العكس عندما نبدي تفهمًا لمشكلاتهم نستطيع أن نقول مع توخي الحذر: إنهم يستعملون مصطلحات تبين مراحل جهودهم: نماذج، وأطرا مرجعية، وأخيرا المثال. واختيار هذا المصطلح المتعدد المعاني ليس سعيدا)"
أنا أفهم الشطر الأول "يخترعون كلمات" بأنه بلغتنا العامية (اشتغالة) وهذا الشطر ينظر لنتاجهم الفكري نظرة ظاهرية من حيث نتيجة ذلك التفكير، وهم في ذلك يشتركون مع الأغلبية من مفكرينا المتخلفين الذين يحسنون (الاشتغالة والمزاولة) لا التفكير العلمي، وأفهم الشطر الثاني بأنه نظرة داخل عالم هؤلاء المفكرين لنكتشف أن وضعهم المأسوف عليه هذا ليس نتاج غباءهم وفشلهم الداخلي أو خسة همتهم كما هو حال أهل الاشتغالة من مفكرينا، ولكنه نتاج جهود جبارة يبذلها أذكى أذكياء العالم وأعلاهم همة ونشاطا (وهم علماء الاجتماع والسياسة الغربيون)
إلى أن تقول مادلين عن هذا المثال:"ومزية استعمال مصطلح بهذا الغموض (أو الاسراف في استعماله)، بين الكثير من السلبيات، هي أن طابعه المحدد بشكل سيء والأقل وضوحا من نظرية، يثير معارضات أقل. فلا إجماع ولكن لا خلافات. وبشرط المعاملة بالمِثل يتقبل الجزءَ من الحقيقة الذي يقترحه الآخر. ومن المؤسف مع ذلك أن يكون علماء السياسة وعلماء الاجتماع بحاجة إلى تشجيع لغة قليلة الدقة من أجل أن يتخيلوا التصرف العلمي"
وهي تقصد بقولها "يتخيلوا التصرف العلمي" أي يتخيلوا أنهم باحثون علميون يمارسون العلم حقا.
وبيان ذلك أن الباحث لما كان مغروزا في فطرته غريزة تنظيم المشاهدات المختلفة والمتشابهة في عموميات وقوانين تنتظمها، لما كان أيضا (في حالة العباقرة الغربيون) نتاجُهم العقلي بطبيعته عاجزا عن الوصول إلى عموميات تشبع غريزتهم العلمية في الفهم والتحكم والتغيير، وكانوا (أيضا) مع ذلك ذوي همة عالية وحرص على فهم الواقع والتحكم فيه؛ لما كان فيهم ل ذلك أنتج لا وعيهم تلك اللغة ليتخيلوا بها ممارسة العلم الصادق، لكن لا يزال في وعيهم ثقب يرشدهم حين التحليل الصادق إلى أنهم يتخيلون لا يمارسون حقيقة، وهذا الخلل منهم نتاج عجز علومهم لا نتاج عجز في عقلهم لأنهم ليسوا أغبياء.
وحل هذه المشكلة موجود لكن في الأمة الإسلامية لأن أعضاءها ورثوا الإسلام، وفيه التصورات النظرية والابستمولوجية اللازمة لفهم الواقع النفسي والاجتماعي والسياسي فهما علميا ثم التحكم فيه معياريا، وهذا ما يعوز العلوم الغربية، ولا يمكن أن تصل إليه أبدا، فالواجب إذن بالاضافة إلى دراسة العقل الغربي وبالموازاة مع هذه الدراسة أن يدرس الطالب العلم الشرعي لكن يدرسه بالشكل الذي درسه به المجددون الاسلاميون الذين ركزوا على التفكير المعاصر أكثر من التراث وغيرهم، وذلك لأنهم درسوا الإسلام بشكل صحيح أي درسوا جزيئاته بشكل صحيح ليكون منها عموميات تنتظمها ليتشكل لدينا فكر متكامل متماسك متكون من أجزاء تجمعت وكونت بُنى كانت خصائص تلك البنى غير معادلة لخصائص أجزائها، وذلك شأن كل فكر مكتمل متماسك.
وستجدون في كثير من غيرهم من علماء الإسلام من درس الإسلام بشكل خطأ إما بجمود، أو بتحرر وحيوية لكنها في طريق خطأ تشوه الجزئيات أو تُعرض عنها ولا تنظر فيها، وإذا تشوهت الجزئيات تشوهت البُنى، ولذلك لو نُظر في نتاجهم نظرا يستهدف اقتناص ذلك الفكر بافتراض أنه علمي (كما يدعي اهله) لاكتُشف في النهاية أنه ليس كذلك، والسبب إما أن يكون في الإسلام ذاته فيكون خرافة لا حقا (كما يدعي المسلمون) أو يكون السبب في هؤلاء العلماء حيث يسيئون دراسة الإسلام، هذا حالَ نُظر في نتاجهم بهدف الاستهداء العلمي (من عقول علمية). وسبب شهرتهم في بلادنا عاطفي لا علمي.
وبالطبع يجب أن يتزامن النظرُ في نتاج شيوخي مع النظر في التراث القديم ليتحقق للدارس في النهاية الاستقلال في اقتناص التصورات اللازمة من التراث وفقا للمنهج والملكة التي تعلمها من شيوخي.

تعليقات

المشاركات الشائعة