(هام)هل الدستور أولا أم البيكيني أولا؟ بقلم معتز بالله عبد الفتاح


الذي يهمني في هذا المقال كلامه عن جحا الفهلوي وهو مثال للطوائف التي تريد تشكيل السياسة على هواها وهي جاهلة وليست أهلا للكلام ومنهم ناشطون سياسيون وغيرهم 
هل الدستور أولا أم البيكيني أولا؟
معتز بالله عبد الفتاح
قيل لي ذات مرة إن أكثر فيلسوف أثر في العقل الفرنسي هو رينيه ديكارت، وأكثر فيلسوف أثر في العقل البريطاني هو فرانسيس بيكون، وأكثر فيلسوف أثر في العقل الألماني كان إيمانيول كانط، وأكثر فيلسوف أثر في العقل الأمريكاني هو جون ديوي، وأكثر فيلسوف أثر في العقل المصري هو الباش مهندس جحا الفهلوي.
هذا الرجل جحا، لا هو مهندس، ولا أي حاجة، ولا هو أصلا متعلم، لكنه كعادتنا ناس مجاملة تقول على الميكانيكي باش مهندس، وأهو كله كلام في كلام. ولا حد فاهم حاجة.
المهم أن الباش مهندس جحا الفهلوي أفتى أن علينا أن نعمل دستورا جديدا لأننا، قال إيه، مش عايزين الدستور القديم، رغما عن أنه حتى لم يقرأه ولا عمره شاف شكله.
المهم هذا حقه، فهو مواطن حر يعيش في دولة حرة. ولكن كعادتنا نكون متأخرين ومتباطئين ومستعجلين ومهرولين ومتثاقلين ومهرولين، كله في نفس الوقت. فجأة نكتشف أن الامتحان غدا، فنذاكر بدءا من الساعة الثانية بعد منتصف الليل ونلعن الناس الذين ليست لديهم رحمة لأنهم لا يؤجلون الامتحان حتى نستعد. نذهب إلى القطار، لنكتشف أن "القطار فاتنا" لأن السائق لم يحترم تأخرنا وتحرك بالقطار في موعده؛ الله لا يسامحه.
حين ثار الجدل بشأن الدستور، كتبت مقالا في جريدة "الشروق" بعنوان...أو الحقيقة العنوان مش مهم، لأن الموضوع أصلا مش مهم. لكن ربما يكون مهم أن أذكر فقط بأنني قلت حتى لو قلنا "نعم" للتعديلات الدستورية فإن "الحق في دستور جديد لم يزل قائما: التعديلات لا تلزم الرئيس الجديد أن يغير الدستور، لأنه من الوارد أن يكون دستور 1971 كافيا لتحقيق التوازن المطلوب؛ فالدستور الحالي بعد إقرار التعديلات يقترب بنا من الدستور الفرنسي عبر رئيس له صلاحيات واسعة وبرلمان نزيه يوازيه ويراقبه. وإن قرر المصريون أن هذا لا يكفي فإجراءات تعديل الدستور بالكامل لم تزل قائمة لاحقا." وكتبت في مرة لاحقة ما معناه أننا لو غيرنا فقط في 8 مواد من دستور 1971 فسنكون تقريبا مثل النظم المختلطة (أي الرئاسية البرلمانية، أو شبه الرئاسية) كفرنسا والبرتغال وأوكرانيا وشوية دول سبقتنا في هذا الاتجاه. وهذا يكفينا ولننجز ثورتنا بأيدينا في أسرع وقت ممكن متشابهين في ذلك مع الثورات التي كانت انجازاتها سريعة على نمط الثورة البرتغالية في عام 1974.
ولكن الباش مهندس جحا الفهلوي كان له رأي آخر، وفزغ وأفزغ، وخاف وأخاف، ونط وفط وقفز معلنا عن أن مصر ستضيع لو التزمنا بالتعديلات الدستورية وانتهينا إلى تحويلات عن المسار الأصلي أثبتت أننا مجتمع لا يعترف بالتخصص، وإن اعترف به فإنه لا يعترف بالحوار الهاديء العقلاني الباحث عن الصالح العام، وإن اعترف به لفظا فهو لا يلتزم به عملا.
وعليه أنا أقترح في "الجمهورية الثانية" أن نلغي التخصصات، ويدرس الأطباء الميكانيكا، ويدرس المهندسون المحاسبة، ويدرس الصيادلة قوافي الشعر، ويدرس القانونيون الفيزياء النووية، وأهي بلد شهادات لا قيمة لها صحيح. وربما يكون أجدى أن نلغي الجامعة وتكون نهاية التعليم عندنا الإعدادية: وما أعظمه من شعور "فتي بلا أي إحساس بالذنب، لأن الذنب وليد العلم، ونحن والحمد لله قوم نكره العلم."
المهم لمن يعنيه الأمر، واستكمالا لحلقات الفتي، تواصلت مع عدد من الأصدقاء ممن يعنيهم الأمر والذين يرون فجأة أن دستور 1971 ليس معيبا لهذه الدرجة. وقالوا لي طيب ما تشرح إيه المطلوب تعديله في دستور 1971 علشان ما نأخرش انتخابات الرئاسة عن يونيو 2012 مع تضمين الدستور الجديد ما أقره المصريون في استفتاء 19 مارس 2011. وها أنا أمارس الفتي في أعظم صوره. وكان تصوري أن التعديلات ستكون في الباب الخامس الخاص بنظام الحكم ثم الباب الأخير الخاص بأحكام الفترة الانتقالية التي لا أستطيع أن أفتي فيها. إذن اقتراحاتي على النحو التالي:
فيما يتعلق بالمادة(87) من دستور 1971 والتي تقول في نصها السابق: "يحدد القانون الدوائر الانتخابية التى تنقسم إليها الدولة وعدد أعضاء مجلس الشعب المنتخبين، على إلا يقل عن ثلثمائة وخمسين عضوا، نصفهم على الأقل من العمال والفلاحين، ويكون إنتخابهم عن طريق الانتخاب المباشر السرى العام. ويبين القانون تعريف العامل والفلاح."
وأقترح مكانها ما يلي: "يحدد القانون الدوائر الانتخابية التى تنقسم إليها الدولة وعدد أعضاء مجلسي الشعب والشورى المنتخبين، على ألا يقل عن ثلثمائة وخمسين عضوا لكل منهما، نصفهم على الأقل من العمال والفلاحين لمجلس الشعب، وأن يكون كل أعضاء مجلس الشورى من الحاصلين على درجة البكالوريوس أوالليسانس أو ما يعادلهما على الأقل، ويمثل في مجلس الشورى بنسبة لا تقل عن 5 بالمائة المصريون المقيمون بالخارج. ويكون إنتخاب أعضاء المجلسين عن طريق الانتخاب المباشر السرى. ويبين القانون تعريف العامل والفلاح على نحو يضمن سلامة تمثيل هاتين الفئتين دون غيرهما."
ولا يحق لرئيس الجمهورية أن يعين في مجلس الشعب أو الشورى أي عدد أو نسبة من الأعضاء. ومع ملاحظة أن تكون صلاحيات المجلسين متوازية مثلما هو الحال في حالة المجلسين الأعلى والأدنى في فرنسا. ولكنهما يجتمعان في اجتماع مشترك عند مناقشة قضيتي إقرار الموازنة وطرح الثقة بالحكومة. والجمع بين أعضاء المجلسين ضروري في هذه الحالة لأن إقرار الموازنة وطرح الثقة بالحكومة أمران جليلان. وعليه لا بد من تعديل المادة 128 التي هي بصيغتها الحالية في دستور 1971 تقول: "إذا قرر مجلس الشعب سحب الثقة من أحد نواب رئيس مجلس الوزراء أو الوزراء أو نوابهم وجب عليه اعتزال منصبه. ويقدم رئيس مجلس الوزراء استقالته إلى رئيس الجمهورية إذا تقررت مسئوليته أمام مجلس الشعب."
إذن كي نقترب من النظام الديمقراطي شبه الرئاسي الذي أظنه أصلح لنا فعلينا تعديلها لتصبح:
"إذا قرر أغلب أعضاء مجلسي الشعب والشورى في جلسة مشتركة سحب الثقة من رئيس الوزراء أو أحد نواب رئيس مجلس الوزراء أو الوزراء أو نوابهم وجب عليه اعتزال منصبه. ويقدم رئيس مجلس الوزراء استقالته إلى رئيس الجمهورية إذا تقررت مسئوليته أمام مجلس الشعب."
ويمكن أن يظل أمر طرح الثقة بيد مجلس الشعب منفردا لكن بشرط ألا يتم طرح الثقة إلا بعد وجود حكومة أخرى قد تم بالفعل الموافقة عليها بأغلب الأعضاء كما هو في النظام الألماني. وهو إجراء يسميه الدستور الألماني تصويت طرح الثقة البناء (المادة 67 من الدستور الألماني).
وكذلك لا بد من تعديل المادة (137) من دستور 1971 والتي تنص على: "يتولى رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية، ويمارسها على الوجه المبين في الدستور،" لتصبح: "يتولى رئيس مجلس الوزراء السلطة التنفيذية، ويمارسها على الوجه المبين في الدستور. " وكذلك المادة 138 لتصبح "يضع رئيس مجلس الوزراء بالاشتراك مع مجلس الوزراء السياسة العامة للدولة ويشرفان على تنفيذها على الوجه المبين في الدستور."
وأقترح إضافة مادة للفصل الخامس من الباب الخامس الخاص بالمحكمة الدستورية العليا يقول: "كما يحق للمحكمة وحدها أن تطلب تدخل وحدات من القوات المسلحة لإعادة الأمن والانضباط بناء على طلب من رئيس الجمهورية أو أغلب أعضاء مجلس الشعب. ويصدر قرار الاستدعاء بعد موافقة أغلب أعضائها على أن هناك ما يهدد عمل مؤسسات الدولة والمباديء الواردة في الدستور. ويكون طلب تدخلها محددا بتكليفات واضحة ولفترة زمنية محددة لحين زوال التهديد المشار إليه."
وأعرب عن انحيازي كذلك للمادة 13 من دستور 1923 والتي تنص على: تحمي الدولة حرية القيام بشعائر الأديان والعقائد طبقا للعادات المرعية في الدولة المصرية على أن لا يخل ذلك بالنظام العام ولا ينافي الآداب.
وأقترح من دستور 1954 الذي لم تتبناه حكومة ثورية يوليو مادتين خاصتين بمحاكمة الوزراء:
مادة 120: لكل من مجلسى البرلمان من تلقاء نفسه أو بناء على طلب النائب العام حق اتهام الوزراء فيما يقع منهم من الجرائم بسبب تأدية وظائفهم والوزير الذي يتهم يوقف عن العمل إلى أن يقضى في أمره ولا يمنع استعفاؤه من إقامة الدعوى عليه أو الاستمرار فيها.
وتكون محاكمة الوزراء أمام المحكمة العليا الدستورية وفقاً للأوضاع والإجراءات التي ينص عليها القانون.
ويطبق في شأنهم قانون العقوبات في الجرائم المنصوص عليها فيه، وتبين في قانون خاص أحوال مسؤولية الوزراء التي لم يتناولها قانون العقوبات.
مادة 121: لا يجوز العفو عن الوزير المحكوم عليه من المحكمة العليا الدستورية إلا بموافقة كل من مجلسى البرلمان.
طبعا ولا بد من إدخال تعديلات أخرى لتتناسب مع التعديلات المذكورة حتى يستقيم السياق العام.
واضح إن الباش مهندس جحا الفهلوي أثر على دماغي أنا كمان. وعليه، أرجو من حضراتكم تجاهل كل ما جاء في هذا المقال ونركز في ما هو أهم: "هل لا بد من وجود مادة في الدستور تحصن حق السائحات من لبس البيكيني أم نترك هذا الأمر لتقدير المشرع الحكيم؟" ونسيت أقول لكم حاجة تافهة: الوضع الاقتصادي في مصر مهبب، وعدد العاطلين عن العمل يتضاعف، ومعدل الفقر بيرتفع، ومعد الجريمة بيزيد. بس مش مهم، نحل مشكلة البيكيني أولا. ولا دستور أولا ولا انتخابات أولا: "البيكيني أولا."

تعليقات

المشاركات الشائعة