مسئوليات أدبية بعيدة المدى للدكتور محمد عبدالله دراز

لمن لم يعرف الدكتور رجاءً أن يدخل هذا الرابط

حُقَّ لكل مسلم أن يشكر الشيخ (أحمد مصطفى فضلية)
هذه مجموعة من حلقات إذاعية أُذيعت في اذاعة القرآن الكريم سنة 1957 م
وهي ملقاة على هيئة حوار بين تلميذ وأستاذ أو طالب ومربي
وتقع كل كلمة منها في 3أو4 صفحات.
وفهرس الكلمات كالتالي:
1- مسئولية التابع والمتبوع.
2- مسئولية الضعفاء والمستكبرين.


3- مسئولية المُغرر بهم.


4- المسئولية عن فعل الغير.


5- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.


6- المسئولية التضامنية في الاسلام.


7- المسئولية عن الأعمال القلبية.


8- مسئولية المرء عن عمره.


9- المسئولية عن أهداف العمل.


10- كل راع مسئول عن رعيته.


11- --------------------------------------------------


1- مسئولية التابع والمتبوع( أُذيع في صباح الجمعة 18/1/1957م


هذه قضية من قضايا المسئولية الأخلاقية، نعرضها ممثلة في محاورة بين معلِّم ثبت، ومتعلم متثبت:


قال المربي: هل تعرف يابني، أن كل امرئ منا مسئولٌ الى حد بعيد، لاعن عمله فحسب، ولكن عن عمل غيره كذلك؟.


قال الطالب: عن شريعة الحق وحكم الاسلام تتحدث؟. أم عن حُكم الجاهلية الأولى، الذي يؤخذ فيه الجار بجرم جاره؟.


قال المربي: بل عن حكم الاسلام، وفي صميم القرآن!


قال الطالب: كيف هذا، ونحن نقرأ ونسمع كل يوم أن المسئولية في الاسلام محدودة، وأنها أبدًا مسئولية فردية، لاتجاوز العامل الى غيره؟. وكيف والقرآن نفسه يقول { لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ }(1) النساء،{وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}الأنعام(164)،{ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ }البقرة(286)،{ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ } الشورى(15)، {أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ }يونس(41)،{ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ }سبأ(25)،{ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ}الأنعام(52)،{ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ }النور(54)الى نصوص أخرى كثيرة مشهورة.


قال المربي: يابني، ان هذا كله لايضيرنا.. انهما حقيقتان لاينقض بعضهما بعضًا، ولكن تكمل احداهما الأخرى. وذلك أننا لن نحاسب على مايفعله غيرنا، الا اذا كان لنا فيه مدخل ما، من قريب أو بعيد.


قال الطالب:هل تقصد من ذلك، أنه اذا كان عمل الغير مسببًا عن عملنا، نكون نحن مسئولين عن فعلنا الذي كان سببًا في ذلك العمل؟.ان كان هذا هو مغزى القضية فنحن أبدًا مسئولون عن عمل وحده، لازائد.


قال المربي: ليس ذلك فحسب، والتعبيران ليسا سواءً. ان ها هنا بُعدًا شاسعًا بين أن تحاسب على شيء واحد، هو فعلُك، وبين أن تحاسب على شيئين اثنين؛ على فعلك الذي كان سببًا في فعل غيرك، وعلى الفعل الذي صدر عن الغير، من جراء فعلك.. يا بني ان عملك المباشر حركة معينة، لها صورة محصورة، محدودة بنطاق زمانها ومكانها وملابساتها، ومهما تتكرر هذه الصورة فإنها لن تجاوز مجال حياتك... أما عمل غيرك فإنه يمتد طولاً وعرضًا حتى يستغرق الأشخاص، ويستوعب الأجيال، وقد يدوم مادام الناس يمشون على الأرض.. فان كنت تظن، أنه لايحسب عليك الا عملك في صورته الضيقة المحدودة، فما قدّرت عدالة الله حق قدرها، ولاعرفت دقة موازينها.. إن الله لايقيس الأعمال بمقياس مادتها وحدها، ولايحدد مدتها بساعة مباشرتها، ولكنه يقيس الى ذلك صداها وإشعاعها، ومدى تكررها وتجدُّد أمثالها. ألاتسمع الى قول الله –عز وجل – {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ }يس(12)؟.فهذا ارشاد بينٌ الى أن مسئوليتنا لاتقف عند حدّ أعمالنا المباشرة، بل تجاوزها الى آماد بعيدة، حتى تتناول كل ذيولها وأعقابها، وكل أصدائها وآثارها، في حياتنا وبعد موتنا.. ياليتنا يابني نتدبر هذا حق تدبره، قبل أن نقدم على أعمالنا! إذًا لكان لنا منه نعم النازع الى فعل الخير ولو يسيرًا، فلاتحقر منه في مثقال ذرة، فرُبَّ حسنة أو سيئة كانت صغيرة في نفسها ولكنها كبرت وعظمت. بما كان لها من أثر، ومانجم عنها من نفع أو ضرر..ألاترى أن ترويج قطعة صغيرة جدًا من النقد الزائف، قد يكون أمرًا هيّنًا في نفسه، ولكنه إذا بقي جرم هذه الجريمة، واستمر تداولها بين الناس كانت جملة الصفقات الباطلة التي عقدت عليها، وجملة السحت الذي أكل بها، أشنع وأفظع، من سرقة قناطير مقنطرة من الذهب والفضة؟.


قال الطالب: هذا حق. ولقد كنت أفهم من كلمة الكتاب العزيز: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ}يس(12). أن الآثار التى تكتب في صحائف أعمالنا إنما هي الآثار التي ينطبق عليها هذا المثل، أعني الآثار التي تكون امتدادًا حقيقيًا لأعمالنا، والتي ينطبق عليها هذا المثل، أعني الآثار التي تكون امتدادًا حقيقيًا لأعمالنا، والتي تبقى فيها مادة صنعتنا، من علوم نافعة نخلفها وراءنا، وصدقات جارية نورثها لمن بعدنا، ومنشآت صالحة يسري نفعها ويمتدّ بها مادامت قائمة. وكذلك في الجانب المقابل؛ ماكنت أعد الا أثرًا يبقى به جرم الجريمة ماثلاً، في نقد زائف، أو بضاعة مغشوشة، أو اختراع مدمر، أو ما الى ذلك.. فهذا كله وأمثاله جدير بأن يُعد من عمل العامل نفسه، وليس بدعًا أن يضاعف له أجره أووزره، مضافًا الى جزاء عملنا، فهل نجد لذلك شاهدًا في القرآن الكريم؟.


قال المربي: نعم. اننا نجد له شواهد كثيرة، أكثر مما قد يظن، وعلى نطاق فسيح، أوسع مما قد يُحتسب.


قال الطالب: هل لك في أن تعرض علينا نماذج من ذلك؟.


قال المربي: سأفعل ان شاء الله! ولأُعجل لك الآن بهذا المثال الواضح القريب: أقرأ ان شئت قول الله تعالى {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ} العنكبوت(12-13). أتدري مالأثقال التي يحملونها مع أثقالهم،. انها مفسرة في الآية الأخرى: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ}النحل(25). فهم يحملون أوزارهم كاملة، من أعمالهم المباشرة، ثم يحملون فوق ذلك نصيبًا من أوزار أتباعهم، لاعلى معنى انهم يخففون عن الأتباع نصيبًا من جزائهم، فالآية صريحة في عكس ذلك، اذ تقول {وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ }العنكبوت(12) وإنما المعنى أن المتبوعين تجتمع لهم عقوبتان: عقوبة على فعلهم، وعقوبة على فعل أتباعهم الذين كانوا هم سببًا فيه، بأمرهم ونهيهم أو بإيحائهم وإغرائهم.


وهكذا كل دُعاة السُوء، ينالهم كِفلٌ من وزر الفعل الذي أغروا الناس به وحرضوهم عليه.


كما أن دعاة الخير، ينالون نصيبًا من أجر البر الذي رغبوا فيه ودعوا اليه، فإن الدال على الخير كفاعله.


جعلنا الله واياك هادين مهتدين، غير ضالين ولامضلين..آمين


تعليقات

المشاركات الشائعة