رسالة وتعليق الى الدكتور/عبدالله حامد

بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

للدكتور مقال بعنوان"لا تصدق أن الرسول يقول: أطيعوا الأمير و لو سلب الأموال وضرب الظهور" ويُقرر أن أي حديث بهذا المعنى ولو كان متواترًا لاينبغي العمل به لأن يخالف قطعيات في الدين ثابتة
وأقول للدكتور
أن ليس الخلل في هذه الأحاديث، فالمتواتر يجب العمل به اجماعًا، ولكن الخلل في عقول من يعمل ويطبق هذه الأحاديث على الواقع – وكثيرٌ ماهم – وهؤلاء يتحملون مسئولية انتشار من يناقض ويُشكك في الحقائق الشرعية كما بينت هذا في هذا الموضوع وهو بعنوان" سؤال إلى الرادين على المشروع التغريبي وأرجو الإجابة"
http://elmorsykhalid.blogspot.com/2010/09/blog-post_7747.htm1
كما نعلم أن الإسلام يحثنا على دفع الظلم على المظلومين والدفاع عن العدالة الإجتماعية بكافة صورها ويحثنا على الجمع بين النصوص الثابتة – وطرق الجمع معروفة في كتب العلماء – لأن نصوص الشرع لاتتعارض أبدًا.


يقول العلامة الدكتور/محمد عبدالله دراز(رحمه الله )


كانت أول حملة تطهيرية أعلنها القرآن في مكة – بعد حملته على الشرك والوثنية – حملته على ذلك الداء الاجتماعي الوبيل، داء تكريس الأموال وتجميعها، وحبسها من الانتفاع بها في وجوهها المختلفة، لخدمة الفرد والمجتمع) منقول من كتاب "زاد المسلم للدين والحياة" ص90


ويقول في ص 40-37 (إن عدة السور المكية بضع وثمانون سورة، إذا استثنينا منها السور المتصلة بالعقائد والقصص والكونيات وماإليها، من الحقائق النظرية أو المبادئ الكلية فحسب، وهي زهاء نصف هذا العدد وجئنا إلى النصف الأخر الذي ورد فيه شئ من الوصايا العملية وموضوعها، فإننا سنرى عجبًا.. سنرى أن ثلاثة أرباع هذه السور، أو على وجه التحديد ثلاثًا وثلاثين سورة توجه حملتها لاستئصال مرض بعينه، إما على الإفراد أو بضميمة أمراض أخرى إليه.


أتدري ماهذا المرض؟ إنه مرض الشُح والمنع للخير. مرض الإمساك خشية الإنفاق. مرض إنطواء الأغنياء على أنفسهم ولإغماض عيونهم عما حولهم من حاجات الأمة والأفراد. إنه مرض الإسراف في حب المال، مرض الحرص العضوض على هذا الحُطام.


فلنستمع الى نموذج من وصايا هذه السور الأولى، إنها ثورة غاضبة على النفوس الشحيحة والثروات المكنوزة والأموال المضمونة على أهلها أو على أبواب استحقاقها، وهي في الوقت نفسه دموع رحمة وحنان على اليتيم والمسكين والأسير والرقيق والسائل والمحروم، فمن شاء أن يستمع اليها، وهي في ثورة غضبها على ذلك المجتمع المادي الحريص الشحيح الكنوز، فليستمع الى هذه الصيحات المزمجرة:{ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ} (6)سورة الهمزة. وويلٌ للمشركين الذين لايؤتون الزكاة:{ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} (8) سورة التكاثر..{ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} (7) سورة الماعون.{ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44)}سورة المدثر..{ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32) إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34)}سورة الحاقة. ومن سرّه أن ينظر الى الآيات الكريمة، وهي تَقطُر حنانًا ورحمة على الفئات البائسة المحرومة، فليستمع الى هذه المناشدة الحارة العطوفة: { فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18)}سورة البلد.{ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20)}سورة الفجر


هكذا يضع القرآن يدنا من أول يوم على موطن الداء الدوي، ومكمن المرض العُضال{ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} هاهنا رأس كل خطيئة. هاهنا أُس كل دنيئة.. إنه مرض ذو شعبتين: شعبة تنخر في نفسية الفرد، وشعبة تفت في كيان الأمة والدولة. فالإسراف في حب المال إذا نبت في قلب امرئ أذل عنق صاحبه، وهوّن عليه كل مهانة في سبيل طلبة، وقعد به عن كل مكرمة في أسلوب إنفاقه فأصبح هو السيد المالك، وأصبح هو العبد المملوك.. من زرع الحرص حصد التنافس والتحاسد،ثم انشقاق الخصام ثم تقطيع الأرحام، ثم سفك الدماء، ثم ماشئت من محن تتوارثها الأجيال.. والشًح مرضٌ وبائي سريع العدوى والانتقال، إن فلانًا أيسر مني وأقدر، ولم يبذل في هذا السبيل شيئًا من المال. ألست أحق منه بحفظ مالي وادخاره؟.فإذا تفشى في أمة، هذا التنافس في الحرص والشح، وقف دولاب حركتها وتعوق سير نهضتها، وبدأت الشيخوخة تَدُب في أعضائها، وطمعت فيها أعداؤها، بل غدت نهبًا للمطامع ، وسلعة يسومها كل مشتر وبائع.


الشح إذن داء تتولد منه أدواء . غنه عشٌ تفرخ تفرخ منه الأورام ووكرٌ يسكن فيه وحي الشيطان في روع صاحبه ليزين فاحشة البخل، وليجعله من خوف الفقر في فقر....... انتهى كلامه (رحمه الله)


والمعلوم من قصص الأنبياء – عليهم السلام- أنهم كانوا يكافحون في سبيل تغيير العادات الاجتماعية السيئة المنتشرة في زمان كل نبي، من اللواط والشُح والتطفيف في الميزان وغير ذلك كما حكى الله – تعالى - لنا في آيات القرآن الكريم، ولم يرَوا الأنبياءُ –عليهم السلام – تعارضًا بين الدعوة الى العدالة الإجتماعية وبين الدعوة الى التوحيد! كما يفعل البعض الان يختبئون تحت مظلة (التوحيد أولاً) وكأن هناك تعارض! وكأن التوحيد جزءٌ فقط من الدين وليس الدينَ كله!


ولكن ماذا نقول فيمن ألِف القبيح؟ نقول مثل ماقال العلامة محمود شاكر – رحمه الله – "إلفُ القبيح متلفةٌ للإحساس والعقل جميعا"


والحمد لله رب العالمين


خالد المرسي






تعليقات

المشاركات الشائعة