تفسير العجز عن الإبداع في أمتنا الإسلامية.



تفسير العجز عن الإبداع في أمتنا الإسلامية.
بسم الله الرحمن الرحيم.
تواجه أمتنا الإسلامية في العصر الحديث مشكلة خطيرة هي أمّ لكل المشاكل، وتلك المشكلة هي عجز المفكرين والدارسين عن الإبداع والاستقلال الفكري، وقد أدلى كل الناس بدلوهم محاولين تفسير هذا العجز، حتى ذهبت مدارس فكرية غربية في أن سبب هذا العجز كامن في الجينات الوراثية لدى العرب والمسلمين! ولا شك أن هذا تفسير خطا تكذبه ابتكارات أسلافنا (في المجالات الفكرية والطبيعية) وحضارتهم الزاهرة التي خلت.
فما هو التفسير الصحيح إذن؟ هذا المقال يجيب عن هذا السؤال.
الإبداع هو ابتكار الجديد قفزًا من منصة القديم الأصيل.
الإبداع النافع هو الذي ينجح في تشخيص المشكلات ثم في وضع الحلول حين يدب التكلس الفكري في الأمة.
والإبداع موهبة من الله (تعالى) وتوفيق منه للمبدع إلى الجد والاجتهاد، فلا يملك البشر إخراج موهبة الإبداع من شخص ما لم تكن فيه الموهبة من الله تعالى، وكل الذي في مستطاع البشر أن يوفروا التربة الخصبة والحاضنة الفكرية والمجتمعية، ثم يُعرِّضون المجتمعَ لها، فإذا تعرض أفراد المجتمع لها ظهر المبدعون وتفجرت المواهب بفضل الله.
فما هذه التربة؟ تتمثل تلك التربة في توسيع الخيارات أمام الفرد، فلو كان طالب علم يدرس ترشده إلى كيفية التعليم الذاتي الحر ولا يقتصر على التعليم المدرسي، ولو كان مفكرًا يدرس أحوال الإنسان والمجتمع يجب عليه لكي يبدع أن يلمس بعقله أبعادًا غائبة وزوايا من النظر لم تُطرق من جهة مفكري مجتمعه الذي يشيع فيهم التكلس الفكري، ولن يتاح له مثل ذلك النظر إلا إذا وجه نظره إلى تربة واسعة يستعين بها في رؤية مزيد من خيارات النظر والفكر.
ويجب أن تكون هذه التربة ذات الاتساع والعموم مشتملةً على خيارات حقيقية لا وهمية، ولذلك استقر الرأي في العلوم الاجتماعية المعاصرة على وهمية "الحتميات" والحتميات هي عموميات وأطر نظرية وضعها علماء الإجتماع الغربيون وزعموا أن كل مجتمعات الدنيا تسير وفقًا لها ومن أبرز أمثلتهم المضروبة على ذلك هو سقوط الأنظمة الاشتراكية في معقلها روسيا القيصرية عام 1990م، وفي أطرافها، وسقطت الحتميات والتنبؤات الماركسية بذلك السقوط المدوي.
 ونحن المسلمين لدينا تربة ذات اتساع وعموم ليست من وضع البشر القاصر ولكنها من لدن حكيم خبير لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، تلك التربة هي هداية الإسلام (القرآن الكريم والسنة والنبوية وفهم وسلوك السلف الصالح) التي بها ينجح الناس في تشخيص الداء ووضع الدواء للأفراد والمجتمعات إلى يوم الدين، فلو اهتم مفكرونا بتوفير هذه التربة وتوفير العلماء القادرين على دراستها بالمنهج الصحيح الذي عليه جماهير الأمة سلفًا وخلفًا بدون تقليد لأي من المذاهب والعلماء، وأشاعت تلك التربة في المجتمع ليتعرَّض لها المهتمون بدراسة الفرد والمجتمع لتفجرت المواهب وتفتحت القدرات، ومن أجل حماية تلك القدرة الإبداعية التي بها تُّحل مشاكل المجتمعات وتنهض من كبوتها، أجمع علماء الإسلام على حرمة التقليد في العلم، كما أوضح ذلك الإجماع الإمام "محمد بن علي الشوكاني" في كتاب " القول المفيد في أدلة الإجتهاد و التقليد" والتقليد هو الجمود على تفكير أحد المذاهب جمودًا يمنع من تركيز النظر في منابع الاجتهاد التي استمد منها صاحبُ المذهب المتبع تفكيرَه وأحكامه، فيؤدي هذا التقليد إلى تقليص مساحة الخيارات ويعجز المقلدون عن تلبية احتياجات واقعهم المتجدد المأزوم، حتى نصّ العلماء على أنه لا لا يُحترَم ولا يُعتبَر قولُ المقلد في مسائل الخلاف والإجماع لأنه ليس من أهل العلم الاستقلالي.
فهل يستجيب مقلدو هذه الأمة المنتسبون إلى العلوم الشرعية أو إلى العلوم الانسانية الحديثة؟
والحمد لله رب العالمين.
(خالد المرسي)
 لمتابعة النقاش من هنا http://www.liberalls.org/vb/showthread.php?t=111098

تعليقات

المشاركات الشائعة