إعصار ساندي يُبرز واقعنا المؤلم


إلى من يفرح في أمريكا بسبب اعصار " ساندي " وينسبون فرحهم لفقه الدين وللنصوص القرآنية والنبوية الكريمة، ماذا ستقول إذا سُئلت عن التعليل العقلي لفرحك، وكيف ستبرر فرحك الذي أخرجته مخرج الشرع الإلهي تبريرا عقليا يُفهم؟
لو قيل لك: إذا كان الله ابتلى أمريكا لأنهم كفار فلماذا فتح عليهم من الفتح المبين في الحضارة وهم كذلك كفار؟ وإذا كان المسلمون مسلمين فلماذا ابتلاهم الله في هذا العصر بما لم يبتل أمةً بمثله في تاريخ البشرية المدون من آلام وعذابات وذل وهوان؟
وبالطبع سيعجز عن الإجابة أو سيجاوب بإجابات يُخيل إليه أنها مفهومة والحقيقة أنها لغو لا يُفهم! فإذا كنا قد وصلنا لحالة عقلية ميؤوس منها فلماذا لا ندع نصوص الدين جانبا حتى لا يطالها من عار الجهل والظلام فنتسبب في رؤية البعض لها وتصوره أنها سبب يدعم الظلام والجهل؟ ولأن نُسأل يوم القيامة عن جهلنا بصحيح الحق أهون من أن نُسأل عن تسببنا في تشويه الدين ذاته، فلنفرح – إذا كان لا بد - من غير أن نقحم الدين في الموضوع حتى لا تكون مصيبتنا مصائب.
وليتنا رأينا - قبل الآن - من حال ومقال هؤلاء الفرحين أسفا وحزنا على من يموت من الغرب قبل أن يتعرف على رسالة الإسلام، وليتنا رأينا من حالهم أسفا على أنفسنا لتقصيرنا في تبليغ رسالة الإسلام رغم توفر وسائل الإتصال التي لم يكن يحلم بها من قبلنا كما كان حال نبينا - صلى الله عليه وسلم - فيما قصه الله علينا {(فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا) الكهف 6 ، وكما حكى الله عن الرجل الصالح حبيب النجار {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلا يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (24) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25)قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27) } يقول الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآيات :" قال ابن إسحاق -فيما بلغه عن ابن عباس وكعب ووهب-: فلما قال ذلك وثبوا عليه وثبة رجل واحد فقتلوه، ولم يكن له أحد يمنع عنه.

وقال قتادة: جعلوا يرجمونه بالحجارة، وهو يقول: "اللهم اهد قومي، فإنهم لا يعلمون". فلم يزالوا به حتى أقعصوه وهو يقول كذلك، فقتلوه، رحمه الله."، وقال:" قال محمد بن إسحاق، عن بعض أصحابه، عن ابن مسعود: إنهم وطئوه بأرجلهم حتى خرج قُصْبُه من دبره وقال الله له: ( ادْخُلِ الْجَنَّةَ ) ، فدخلها فهو يرزق منها، قد أذهب الله عنه سُقْم الدنيا وحزنها ونَصَبها.

وقال مجاهد: قيل لحبيب النجار: ادخل الجنة. وذلك أنه قُتل فوجبت له ، فلما رأى الثواب ( قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ) ." وقال :" وقال ابن عباس: نصح قومه في حياته بقوله: يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ [يس: 20] ، وبعد مماته في قوله: ( يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ) رواه ابن أبي حاتم. وقال سفيان الثوري، عن عاصم الأحول، عن أبي مِجْلَز: ( بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ) بإيماني بربي وتصديقي المرسلين.

ومقصوده أنهم لو اطلعوا على ما حصل من هذا الثواب والجزاء والنعيم المقيم، لقادهم ذلك إلى اتباع الرسل، فرحمه الله ورضي عنه، فلقد كان حريصا على هداية قومه.".
 ويقول الله تعالى في نص كريم لا يدع مجالا للشك في أهمية الرحمة بجميع البشر  {{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}. نعم لقد فرح أنبياء الله بهلاك بعض الظالمين كما في قوله تعالى { فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام: 42 - 45] ولكن مخرج هذا الفرح ليس مجرد الانتقام وإنما هو لكف شرهم عن أهل الإيمان حيث كانوا مصرين على أذيتهم، وهو فرح مخلوط بحزن عليهم إذ ماتوا قبل أن يهتدوا كما تدل النصوص الأخرى في نفس الباب وفي الحديث المتفق عليه أنه لما اشتد الأذى على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاة أبي طالب وخديجة رضي الله عنها، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف فدعا قبائل ثقيف إلى الإسلام، فلم يجد منهم إلا العناد والسخرية والأذى، ورموه بالحجارة حتى أدموا عقبيه، فقرر صلى الله عليه وسلم الرجوع إلى مكة. قال صلى الله عليه وسلم : { انطلقت – يعني من الطائف – وأنا مهموم على وجهي، فلم استفق إلا وأنا بقرن الثعالب – ميقات أهل نجد – فرفعت رأسي فإذا سحابة قد أظلتني، فنظرت، فإذا فيها جبريل عليه السلام، فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردّوا عليك، وقد أرسل لك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، ثم ناداني ملك الجبال، قد بعثني إليك ربك لتأمرني بما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين – جبلان بمكة – فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً } [متفق عليه]. أرأيتم هل يوجد كفر وفجر أشد من قوم فعلوا ذلك مع نبي الله بشخصه وعينه؟!! وكان في إمكانه أن يأذن لجبريل عليه السلام بإهلاك القوم ولكن لم يفعل رغم أنهم أكفر أهل الأرض وأفجرهم على الإطلاق!!.
وأنت إذا جئت لموضوعنا تملكك العجب من وجوه كثيرة لا من وجه واحد حتى أنك لتكاد توقن أننا نعيش في ظلام دامس وأن لا رجاء في صلاح عقولنا، فستجد أننا لم نفرح في الحكومة الأمريكية ذاتها المسئولة عن السياسات الخارجية ولكننا فرحنا في الشعب الأمريكي الذي لا يد له في سياسات حكومته!!.
أكبر خطر يواجه الصحوة الإسلامية المعاصرة أن المتدينين لا يُحكمون العقل ولا يعرفون طريق العلماء ليتعلموا منهم!، وإنما لا يعرفون غير الدعاة المعاصرين الذين لا يعرفون غير الوعظ الفارغ أو البكاء على الأطلال والنياح أو الزعق وجلد الآخرين بسئ الكلام وبذاءات الأقوال.
ولقد قال ابن تيمية :" :" يحتاج المتدين الورع إلى علم كثير بالكتاب والسنة والفقه في الدين، وإلا فقد يفسد تورُّعُه الفاسد أكثر مما يصلحه" " مجموع الفتواى ج20: ص: 79" 
متى ينصلح حال المتدينين؟ متى متى متى؟ حتى يعرفوا طريق العلماء ويعرفوا طرق طلب العلم ويقاطعون أهل الوعظ والزعق .

تعليقات

المشاركات الشائعة