اقتراح في موضوع المادة الثانية من الدستور.


اقتراح في موضوع المادة الثانية من الدستور.
نعلم جميعا الجدل المثار بخصوص المادة الثانية في الدستور المصري بين من يريد الإبقاء عليها كما هي وبين من يريد إضافة مواد تفسر معنى " المبادئ الإسلامية" وأن تكون المؤسسة الرسمية الدينية صاحبة هذا الحق في التفسير، وهذا اقتراح لعله يفيد خبراءنا الناظرين في هذا الجدل. أقول :بخصوص النص على مرجعية الأزهر في تفسير الشريعة ،
لا بد من وجود مرجعية فيما يتعلق بشئون الدين ومشكلاته وأحكامه حتى لا يتعطل العمل بالدين - إذ العمل به يجب أن يكون بالعلم وفقا لما يقرره العلماء كما السياسة وباقي العلوم الانسانية تماما - وأقترح أن تكون المرجعية النهائية هي ل " أهل الحل والعقد" بمفهومه المعاصر الذي بينه الأئمة المجددين كرشيد رضا وأشباهه، ويدخل فيهم خبراء العلوم الإنسانية ورؤساء تحرير الجرائد المحترمة وكبار رجال الأعمال وعلماء العلوم الطبيعية ومن في مثل مواقعهم الحيوية في المجتمع، كل هؤلاء يشتركون مع علماء دين كبار موثوقين  للنظر فيما يتعلق بشئون الإسلام لأن الحكم الشرعي لن يكون منضبطا إلا إذا كان معتمدا على نظر عابر للتخصصات نظرا للوعي الكوني المعقد المعاصر، والعالم الشرعي لن يستطيع ذلك لأنه فوق طاقته كما أن المتخصص في غير الدين لن يستطيع تحصيل كل العلوم اللازمة له لكي يأخذ قرارا سياسيا مجتمعيا - لاسيما في عصرنا الحاضر - فوجب أن يكون النظر جماعيا ، وهو نظر " أهل الحل والعقد مجتمعين محددين".
ومثل اقتراحي هذا مطروح في الساحة السياسية الأكاديمية على مستوى أخذ القرار السياسي الداخلي والخارجي، لا بد من اختيارهم خبراء وعقلاء بحيث يستطيعون تسوية الخلاف بينهم سياسيا حين يعدمون تسويته عقليا بواسطة البحث العلمي ولن نعدم هؤلاء العقلاء في مصر من كافة التخصصات ثم لا مانع من أن يكون علماء الدين أو المفكرون الذين سينضمون لهذه المؤسسة الجديدة هم من علماء الأزهر وخريجيه كالدكتور محمد عمارة مثلا أو الدكتور حسين حامد حسان وأشباههم.
هذا أفضل حل نضمن به احترام كل منهم لأهل التخصصات الأخرى فنضمن سلامة القرارات النهائية وصوابيتها، ولا مانع من إنشاء مؤسة خاصة بهؤلاء ولا مانع من جعلها مؤسسة ضمن مؤسسات الأزهر – ونحو ذلك من الإجراءات الإدارية والتنظيمية - .
وبدون هذا الحل لن يكون أمامنا إلا خيارين أولهما: ترك المادة بدون تفسير مفصل يبين ويفصل مضامين المبادئ العامة التي تتفق عليها الإنسانية " كالعدل والحرية والمساواة والإخاء ونحو ذلك" وهذا لا يرضي قوى سياسية كثيرة في المجتمع المصري - ولو كان يرضيها لحلت المشكلة ولصار المجتمع المصري كالمجتمعات الغربية التي يبين فيها فلاسفتُها ومفكروها هذا المجمل ويفصلوه بأطروحاتهم العقلية البشرية دون أن يكون هناك مقدس الاهي – وإن كان لا بد من أن يخلعوا عليها قداسة بشرية وليست هذه الجزئية محل اهتمامنا هنا - ، وهذا غير ممكن في مصر لوجود قوى سياسية لا تقبل ذلك.
وثانيهما: تحميل مسئولية التفسير لمؤسسة بعينها وهي الأزهر – كما هو مُقترح - وفي هذا خلل كبير لن ترضى به قوى سياسية كثيرة لأنه - كما سبق بيانه - القرار السياسي والمجتمعي يعتمد على تخصصات كثيرة لا على تخصص واحد - وهو علم الدين الذي يُدرس في الأزهر - وهنا قد يفسر الأزهر هذه المادة عند نظره في شئون المجتمع تفسيرا غير صواب لأنه غير مكتمل البحث في باقي التخصصات التي هي شريك والتي يكون النظر فيها قبل إصدار الحكم الشرعي واجبا شرعا بنص القرآن والسنة.
 الذي سيحدث في هذه الحالة أنه لو أخل الأزهر بخطوات البحث واختزلها في تخصصه الديني قبل إصدار الحكم سيكون الحكم خطأ وغير سديد ولن يستطيع أحد من أهل التخصصات الأخرى الاعتراض لأن الدستور يعطي حق إصدار الحكم كاملا  للأزهر! وهذا فيه فساد للدنيا والدين والحقيقة أنه سيجر حتما إلى حرب أهلية في مصر واستهداف مؤسسة الأزهر بغية هدمها كما فعل مفكرو التنوير في عصر الأنوار في أوروبا مع الكنيسة، كما سيجعلها مستهدفة بكافة ألاعيب السياسة.
الوضع الذي أقترحه هو الوضع الطبيعي لا وضعا - طارئا - كما يفهم البعض؛ إلى حين يؤهل الأزهر علماءه تأهيلا عاليا! لأن الحكم السياسي أو الديني أو المجتمعي - كما سبق بيانه - صار - لا سيما في عصرنا - يحتاج إلى نظر عابر للتخصصات ، وتحصيل العلوم اللازمة لهذا النظر لا يطيقها فئة ما من المتخصصين في الدين أو السياسة أو الاجتماع أو حتى الموسوعيين - الذين تخصصهم هو التوسع كعلماء الاجتماع مثلا وأشباههم-.
نسأل الله أن يؤلف قلوب خبراءنا وكل القوى السياسية إلى ما فيه مصلحة الوطن.

تعليقات

المشاركات الشائعة