عن موازين غير المؤهلين ونظرهم في الأئمة المجددين وفي شئون الفكر والدين للدكتور "حاتم العوني"



عن موازين غير المؤهلين ونظرهم في الأئمة المجددين وفي شئون الفكر والدين للدكتور "حاتم العوني"
في الدين الإسلامي يكون الأصل هو مواجهة الحقيقة والتعريف بها ليقدرها المهتمون حق قدرها – هذا هو الأصل – ونحن في الساحة الإسلامية طيلة التاريخ الإسلامي كان ينشغل بحفظ الدين والدعوة إليه أناس كثيرين منهم المبتدع ومنهم الزنديق – في الحقيقة – مسلما – في الظاهر – ومنهم الوعاظ والقصاص الذين يدعون إلى الدين بالخرافة لا بالعلم، ومنهم الحفاظ الذين يظهرون أنفسهم بمظهر العلماء ومنهم ومنهم! وكل من هؤلاء يظن نفسه على حق ويعتقد في منهجه المنطقية والعقل المتفق مع الشرع – ولن يظهر لهم تناقضهم وخطئهم إلا بالحوار والنقاش الحي المفتوح الحر مع العلماء القادرين على توفية مثل هذه النقاشات حقها من التقدير .
فكل من يعتقد اعتقادا ومنهجا يرى نفسه صادقا ومتفقا مع الشرع ويرى نفسه من أهل العلم في هذا الباب، ومن الناس من يرى نفسه من أهل العلم وهو ليس منهم في الحقيقة ولذلك فإن العلماء الذين منعوا " الحسبة – أي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر -" إلا بإذن من السلطان كانت علة منعهم هذه هي أن لا يخرج هؤلاء – بأصنافهم المختلفة – الذين يظنون بأنفسهم الأحقية والتأهيل للتعريف بالدين والدعوة إليه وهم في الحقيقة غير مؤهلين.
فهؤلاء موجودون في كل زمان وتكلم عنهم العلماء والواقع أن أبنيتهم الفكرية والدماغية تحتاج لمزيد تشريح وتفصيل ومتابعة من العلماء وهذه الدراسات هي التي يمكننا أن نسميها ب – الأنثروبولوجيا الإسلامية – كما يدعو لها بعض الإسلاميين منذ سنوات عديدة ، هي الدراسات النافعة التي ستخدم الدين وتستحق تسميتها – بأكثر درجات الاستحقاق وأولاها - ب" الإسلامية " .
ومن العجائب كمثال على ما أقول: من يصدق أن الإمام مالك ابن أنس المتبوع من أغلبية المسلمين على مر التاريخ وعلى وجه العالم الإسلامي هذا الإمام كان يوجد في زمنه من يتهمه بالتحرر من النصوص الشرعية! كما حكاه الإمام الشاطبي في كتاب الاعتصام.
ومن يصدق أن الفيلسوف المعاصر " محمد عابد الجابري" الذي يتهمه كثير من الإسلاميين بالزندقة والكفر والطعن في ثبوت القرآن الكريم، وهو أكبر مفكر معاصر أثر في الساحة الفكرية العربية المعاصرة النخبوية، من يصدق أنه يمتدح عقلانية الإمام الشاطبي ثم نجد أن الشيوخ المعاصرين للشاطبي – خصومه من أهل البدع – كانوا يصفونه بالمتعالم وبالسطحي ( ضع مليون علامة تعجب ) كما حكى ذلك الشاطبي نفسه في مقدمة كتاب الاعتصام.
هذا واقع – تاريخي وحاضر ومستقبلي - يجب على المتدين معرفته لأنه مكلف شرعا بتحديد أهل العلم حيث أوجب الله علينا معرفة دينه بواسطتهم – أي التعلم فقط - .
إلا أنني أظن أن هؤلاء – طيلة التاريخ الإسلامي - لم يحتلوا موقعا مهما في الساحة الدينية كالتي احتلوها في الصحوة الإسلامية المعاصرة لأن في تاريخنا الإسلامي كان العلماء أي غالب علماء أهل السنة علماء عامة - كما قاله الدكتور أحمد القاضي - كانوا يملأون الفجوات الفكرية والثقافية التي تشغل بال المجتمع فلم تكن هذه الفجوات الفارغة كبيرة ومتسعة بالشكل التي هي عليه في صحوتنا المعاصرة حتى سمحت لغير المؤهلين أن يملأوها ويسدون هذا الثغرات بجهودهم الفكرية دفاعا عن الدين .
وهذه خاطرة قيمة للدكتور حاتم العوني وتعليقاتي عليها من صفحته على الفيس بوك ستنفع في هذا الموضوع
الخاطرة:

وسألني أحدهم : ما هي أهم أوصاف أو أصول تيار التنوير الإسلامي ؟
فأجبته : ما المقصود بالتنوير الإسلامي أصلا ؟
فهناك من يجعله صفة مدح ، وأنهم هم المجددون والمصلحون لما أفسد الناس : من ظاهرية سطحية ومن جمود فكري وقيمي وحضاري ، ومن انغلاق دون الإفادة من التجارب الإنسانية .
وهناك من يجعله صفة ذم ، وأنهم هم الذين يخالفون ثوابت الشريعة باسم التجديد ، ويقفزون من فوق النصوص باسم مقاصدها ، وينهزمون تحت ضغط ا

لواقع باسم مراعاة الواقع .
وقد يصفك قوم بالتنوير المذموم ؛ لأنهم من سطحيي الظاهرية ، ولأنهم جامدون منغلقون .
في حين يصفك أنت نفسك قوم آخرون : بأنك جامد سطحي منغلق ؛ لأنهم ينظرون إليك بمعيار الذين يخالفون الثوابت باسم التجديد ، ولأنهم من غلاة المقاصدية ، ولأنهم هم منهزمون نفسيا !
فإن قلت : لكن الحق واضح ، والوصف بالبرهان ، قال لك مخالفك الكلام نفسه !!
المشكلة في : ضعف العلم الذي صار يقرر نسبيته ويضيع معالمه !
وفي غياب أخلاق المؤمن ، التي تمنع من البغي ومن الكلام بغير علم .
.
تعليق خالد:
جزاكم الله خيرا . ولكن ما هي أوصاف من نعتمد موازينهم العلمية في هذا الموضوع - بالأخص -؟ ما دام أن الجميع المتناقضين يزنون ويحكمون؟
الدكتور حاتم:
هم من يملكون معيار التفريق بين اليقيني والظني وما يسوغ فيه الاختلاف وما لا يسوغ ؛ لأن هؤلاء هم الذين يستطيعون تمييز ما يستحق الذم والإسقاط من المقالات وما لا يجوز ذمه ولا إنكاره منها , حتى لو خالفناه .
فإذا رأيت قوما ليس لديهم معيار صحيح للتفريق بين اليقين والظن وبين الخلاف المعتبر وغير المعتبر , فاعلم أنهم هم الداء , فاحذرهم.
خالد:
جزاكم الله خيرا، وأنا بفضل الله - عندي من الفكر الراق وفقه النفس ما أعرف به من تقصدهم فضيلتك ، ولكن المشكلة الكبيرة عند من لم يصل لمستواي الفكري والفقهي! أليس واجب العلماء أمثالكم حينها وضع ضوابط صريحة لهؤلاء تعينهم على تفادي هؤلاء الحمقى؟ بل ولو كانت المسألة في حقهم مشكلة ولا سبيل - غالبا - للاستهداء فيها أليس من الواجب تعريفهم بأن المسألة مشكلة ليعرفوا حقيقة الواقع المر ، ويعرفوا أن الحدود الفاصلة بين الحمقى والعقلاء وبين العلماء والحفاظ تكاد تختفي بل ولا سبيل لعلمها أصلا – لاسيما في هذا الزمان - لغير أهل الفكر الراق جدا، ولغير من أراد الله لهم الهداية بنور فطرتهم؟.
أرجو من فضيلتك كتابة مجلد ضخم في الجواب على هذا السؤال! لأنه عقليات المتدينين تبلدت في هذا الموضوع بالذات ، ولا بد من تبديد هذه البلادة بأدلة كثيرة ومتنوعة
الدكتور حاتم:

وهذا ما أسعى إليه , وقد صرحت ولمحت وحاولت النصح وحاولت وصف الدواء , فجعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا
خالد :
جزاكم الله خيرا. وهذه الاجابة تحتاج لتأصيل وتأسيس يتناسب مع تغيرات حال الدعوة في هذا العصر بما بعادل ما فعله الشاطبي في زمانه حين كتب الاعتصام ونحو ذلك - لتخاطب به المتدينين طالبي الهدى - بالدلائل - على الأقل - لا ليُحصر على المصابين بهذا الداء -لأنه يبدو أن داءهم في أصل العقل وأصل الطبع والسجية مما يعني أنهم لا يصح مخاطبتهم بحجة أصلا.
--------
وحتى لا ييأس البعض من إمكان التعرف على أهل العلم – الذي ينطبق عليهم هذا الوصف انطباقا جيدا أو جيدا جد أو ممتازا – بخلاف من لا ينطبق عليهم إلا انطباقا رديئا. أقول لهم تمسكوا بطاعة الله تعالى من فعل الواجبات وترك المحرمات والتعبد له ودعائه أن يهدينا دائما حتى يفي الله بوعده ويحققه في الفرد كما قال { [وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ]} وليثق القارئ في أن سنة الله في كونه جارية مجراها وإن غابت قليلا لانقلاب موازين الدنيا فلا يتوهم أحد أنها عُدمت بل هي مختفية فقط عن الظهور – ولكنها موجودة فاعلة -  لعوامل متعددة فإذا انتفت هذه العوامل ظهرت من بعد خفائها لتصحح الأوضاع وتضبط الموازين،  ونحن نثق في سنة الله الكونية هذه التي أجراها على عقول خلقة والتي عبر عنها " الربيع ابن خيثمة" بقوله:" إن للحديث نورا كنور النهار تعرفه، وظلمة كظلمة الليل تنكرها" فابحث واستهد بالله وثق في وعده الذي وعد وفي سنته الكونية التي ضمنها في عقلك.

تعليقات

المشاركات الشائعة