الإعجاز النبوي العلمي في وصف "سفهاء الأحلام"

الإعجاز النبوي العلمي في وصف "سفهاء الأحلام"..(لماذا ألح دائما على تخصيص شيوخي الأربعة؟(5).
هذا الوصف صح عن نبينا (عليه الصلاة والسلام) مخرجًا في الكتب الستة واحدى ألفاظه كما في صحيح البخاري ”يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الأَحْلامِ يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ“
وهو إعجاز علمي ودليل نبوة لأن الكفار أجمعواعلى أن نبينا (عليه الصلاة والسلام) لم يدرس الفكر فترات طويلة تؤهله لمرتبة الفيلسوف كفلاسفة التاريخ الذي قبله وفي زمنه، وذلك الوصف لا يختص بالخوارج الذي يكفرون المجتمع ويخرجون عليه بالسيف، ولكن يدخل فيه أيضا من يسيرون على طريقة الخوارج في فهم الدين وإن لم يكفروا ويحملوا السيف، ولذلك مثلاً وصف الإمامُ الشاطبي بعض طلاب العلم في زمنه الذين كانوا يتهمون الإمام مالك بالعقلانية المفرطة المعارضة للشرعية بأنهم يسيرون على طريقة الخوارج في فهم الدين، لأن نبينا (عليه الصلاة والسلام) أوتي جوامع الكلم فأحاديثه الصحيحة عموميات حتى تلك الواردة في حوادث خاصة لا تتعداها وكثير منها كذلك ولكنها عموميات صغيرة أصغر من عموميات القرآن الكريم.
وهذا الوصف يتضمن فكرًا لا يصل إليه إلا فيلسوف عانى الدراسة سنوات طويلة جدا (هذا لو وصل إليه!) مما يدل أن نبينا(عليه الصلاة والسلام) كان يتحدث بوحي من الله تعالى الذي أحاط بكل شيء علما.
ولشرح الوصف أقول: لماذا خص نبينا (عليه الصلاة والسلام) السفه بهذه المنطقة الغائرة داخل النفس (الحلم)؟ لأنه لو كان السفه ظاهرًا جدا لما التفت إلى "سفهاء الأحلام" أحد ولكان التحذير منهم عبثًا!
إذن سفههم كامن في منطقة غائرة داخل رؤوسهم ولذلك يتبعهم ناس كثيرون ويغترون بهم لسنوات طويلة جدا جدا قبل أن يفيقوا من غروروهم. فلماذا كان ذلك السفه غائرًا غير ظاهر أمام جموع الناس خواصهم وعوامهم، كسفه السفهاء المعروفين لدى كل الناس وقت ظهور سفههم فورا؟ لأن طبيعة الفكر الاجتماعي النفسي التعقدُ المشتملة على عمق وطبقات ومنعرجات لا البساطة، لو مثّلنا بمثال ضابط يلاحق حرامي داخل مغارة معقدة، وهذا الحرامي يهرب في طرق المغارة المعقدة، فلو أراد الضابط النجاح في الإمساك بالحرامي لزمه أن يفهم طرق الحرامي المعقدة ويسلكها ويتتبع أثرَه فيها حتى يلحقه ويمسك به، فكذلك شأن الاصلاح النفسي والاجتماعي، لو أراد هذا الذي يعتبر نفسه "مصلح" أن ينجح في تشخيص الأمراض وعلاجها عليه أن يفهم حركة تلك النفوس والمجتمعات في وضعها الواقعي الكائن ذي التشعبات والالتواءات والتعقيدات، ولفهم تلك الحركة يحتاج إلى شيئين:
1- يقف عليها بعقله (الصياغة الفكرية والإدراك)
2- يمتلك صياغة لغوية ليستطيع بها أن يبين ما أدركه بيانًا علميا للآخرين، كما أن امتلاك هذه الصياغة يعينه على شق الفروق في إدراكه وتحليل صياغته الفكرية ليلحظ حركتها ويتبين مدى ملائمتها لحركة النفس والمجتمع صحةً وتعديلاً وتخطئةً وتجويدًا.
ولا يظن ظان أن هذا الفهم يحتاج إلى عقلية مركبة ومعقدة وفقط! بل إنه يحتاج أولاً (قبل ممارسة التفكير المركب التجريدي المعقد) إلى تحديد الموقع الذي سيسكِّن نفسَه فيه من (عالم الفكر) والذي منه سيخرج ويعود ذهابًا وإيابًا إلى العالم الخارجي يفحصه ويعود بنتائج فحصه إلى موقعه الذي يسكنه (المُعد بتكنولوجيات متقدمة) ليفرِّغ فيه بياناته ونتائجه ليفهمها ويحللها ويقيمها من داخل (موقع/ سكنه/ معمله الخاص)؛ إذ عالم الفكر ممتلئ بمواقع ومساكن لا نهاية لها، ومهمة أهل الحق المصلحين في كل زمان هي اكتشاف (موقعهم السكن) من ضمن بلايين المواقع (اكتشافُه في زمن مبكر من حياتهم ليقضوا بقيةَ حياتهم في تحديد مواقع الآخرين التي يحددها غيرُهم ويرتضونها لأنفسهم) ثم فهمِها وتحليلها وتقييمها والتحرك باللازم تجاهها بغرض الاصلاح والاستفادة معا.
إذن فليس كل من أظهر فكرًا معقدًا ومركبًا يخرج من دائرة (سفهاء الأحلام) ما لم يكن قد أصاب في تحديد الموقع اللازم في وقت مبكر (وهو الموقع الذي يصيبه مجددوا الإسلام الحقيقيين لا الزائفين في كل زمان ومكان) ويقترب منه غيرُهم ممن لم يهتدوا بهداية الإسلام الموضوعية(يقتربون فقط اقترابًا مجملاً) بحسب سلامة عقولهم ونفوسهم.
هؤلاء المجددون إذا نظروا في مواقع الآخرين وجدوا منهم (الإسلاميين) وإذا نظروا في صياغاتهم اللغوية (كتب ومقالات وأحاديث) استطاعوا أن يعرفوا منها حقيقة صياغاتهم الفكرية و ما يدور في رؤوسهم (المنطقة الغائرة)؛ إذ سفهاءُ الأحلام غالبًا لا يمتلكون صياغة لغوية معقدة، حينها يتبين المجددون سفهَ أحلامهم تبينًا مجملاً فيرون ثغرات داخل الرؤوس لا يدرون بماذا سيملؤها القدر المستقبلي، وربما رأوا مناطق ممتلئة بما لا يُحسِن أو لا يعي أو لا يريد السفيهُ بيانها لغويًا.
لا يستطيع معرفة سفه هؤلاء إلا المجددون ونسبتهم لا تتعدى 1% من مجموع المصلحين في المجتمعات المتخلفة بينما أتباعُهم (المؤدلجين والمرتزقين والطيبين الشرفاء جدا) لا يستطيعون إدراك سفه متبوعيهم إلا في حالة واحدة (لو أدركوا) وهي توالي الأزمات المجتمعية والخراب بما يُتيقن معه استحالة كون مصلحي هذا المجتمع راشدين.
ولا يستطيعون إدراك سفههم بواسطة العبور من صياغاتهم اللغوية إلى صياغاتهم الفكرية.
إذا أراد الله بالمجتمع خيرًا مكن فيه المجددين ليتوسعوا وإذا أراد الله بالمجتمع شرًا مكن فيه سفهاء الأحلام (كما هو حادث الآن) لحكم جليلة يريدها والحمدلله الذي لا يحمد على مكروه سواه.
يتبقى نظرات في فهم سيكولوجية وسوسيولوجيا سفهاء الأحلام، ربنا يعين لو تبينتها بدقة سأكتبها.

تعليقات

المشاركات الشائعة