حكم الشرع فيمن يساعد اليهود على امتلاك فلسطين ببيع أرضها و غير ذلك

هذه الفتوى للشيح رشيد رضا - رحمه الله - نشرتها مجلة الأزهر لهذا الشهر في قسم " فتاوى لها تاريخ".
الكاتب : محمد رشيد رضا.
__________
حكم الشرع فيمن يساعد اليهود على امتلاك فلسطينببيع أرضها و غير ذلك( س7 ) من حضرة صاحب الإمضاء إلى صاحب المنار ، بعد خطابطويل :لقد وصلت حالة البلاد الفلسطينية إلى درجة من أسوأ الحالات وأصبح هذاالقطر العربي الإسلامي مهددًا بخطر الاضمحلال والزوال بسبب ما تسرب إلىأيدي أعداء البلاد من الأراضي المقدسة التي تعد بحق هي الحصون التي يجب علىكل مسلم أن يدافع عنها إلى آخر نسمة من حياته .ولقد أعلن اليهود مرارًا أنهم يريدون الاستيلاء على هذه البلاد المقدسة استيلاءأبديًّا تامًّا ، وأن يجعلوها يهودية ، كما أن إنكلترا إنكليزية ، وقد بدأت نتائج غزوتهمتظهر جلية واضحة ، فقد أصبح عدد كبير من المسلمين مشردين بلا مأوى ، وهذهمقدمة لتشريد بقية السكان وإجلائهم عن بلادهم ، كما أنهم استولوا على مرافق البلادالاقتصادية ولم يبق للمسلمين غير القليل من أراضيهم التي إن لم يحافظوا عليهاأصبحت فلسطين المقدسة يهودية بالفعل بعد زمن قليل .إن أعداء البلاد يريدون فتحها والاستيلاء عليها بالمال ، ولو أنهم أرادواافتتاحها حربًا وقعد أحد أبنائها عن الجهاد أو قام يساعد الخصوم على امتلاكها لقلنا :إنه خارج على دينه وقومه ، فما رأيكم فيمن يساعدهم على تمليكهم البلاد وهذالا يقل خطورة عمن يقعد عن الجهاد أو يساعد الخصم ؟وهل يجوز لمن يؤمن بالله واليوم والآخر ، وبكتاب الله وشريعته ورسوله أنيبيع أرضه لليهود بعد أن يعلم أنه إن فعل ذلك مكَّنَهم من مقدسات المسلمين وساعدهمعلى القضاء على الإسلام ، وطرد إخوانه من بلادهم ؟ وما حكم أمثال هؤلاء فيالإسلام ، رئيس اللجنة التنفيذية لمؤتمر الشبان العربي بفلسطين . ...  ...  ...  ...  ...  ...  ...  ...  محمد يعقوب الغصين( الجواب )( بسم الله الرحمن الرحيم ) رَبِّ آتني حكمًا وفهمًا وعلمني من لدنك علمًا ،أما بعد فإن حكم الإسلام في عمل الإنكليز واليهود الصهيونيين في فلسطينحكم قوم من أهل الحرب أغاروا على وطن من دار الإسلام فاستولوا عليه بالقوةواستبدوا بأمر الملك فيه ، وشرعوا في انتزاع رقبة أرضه من أهله بتدابير منظمةليسلبوهم المِلْك ( بكسر الميم ) كما سلبوهم المُلْك ( بضمها ) وحكم من يساعدهمعلى عملهم هذا ( امتلاك الأرض ) بأي نوع من أنواع المساعدة وأية صورة منصورها الرسمية ( كالبيع ) وغير الرسمية ( كالترغيب ) حكم الخائن لأمته وملته ،العدو لله ولرسوله وللمؤمنين ، الموالي لأعدائهم وخصومهم في ملكهم وملكهم ، لافرق بينه وبين المجاهد معهم للمسلمين بماله ونفسه ، فالذي يبيع أرضه لليهودالصهيونيين في فلسطين والذي يسعى في شراء أرض غيره لهم من سمسار وغيرهكالذي يساعد أي قوم من الأجانب على قومه فيما يحاولون من فتح بلادهم بالسيفوالنار ، وامتلاك أوطانهم ، بل أقول ولا أخاف في الله لومة لائم ، ولا إيذاء ظالم :إن هذا النوع من فتح الأجنبي لدار الإسلام هو شر من كل ما سبقه من أمثاله منالفتوح الحربية السياسية والدينية على اختلاف أسمائها في هذا العصر ؛ لأنه سلبلحق أهل الوطن في ملك بلادهم وحكمها ، ولحقهم في ملك أرضها لأجل طردهممنها . ومن المعلوم بالبداهة أنه إذا بقي لنا ملك الأرض تيسر لنا إعادة ملك الحكم ،وإلا فقدناهما معًا .هذا وإن فقد فلسطين خطر على بلاد أمتنا المجاورة لهذا الوطن منها ، فقدصار من المعلوم بالضرورة لأهل فلسطين والمجاورين لهم ، ولكل العارفين بمايجري فيها من عزم اليهود على تأسيس الوطن القومي الإسرائيلي واستعادة ملكسليمان بقوة المال الذي هم أقطاب دولته الاقتصادية ، وبقوة الدولة البريطانيةالحربية أن هذا الخطر سيسري إلى شرق الأردن وسورية والحجاز والعراق ، بل هوخطر سينتقل من سيناء إلى مصر .وجملة القول أن الصهيونية البريطانية خطر على الأمة العربية في جميعأوطانها الأسيوية وفي دينها ودنياها ، فلا يعقل أن يساعدها عليه عربي غير خائنلقومه ووطنه ، ولا مسلم يؤمن بالله تعالى وبكتابه العزيز وبرسوله محمد خاتمالنبيين ، صلوات الله عليه وعلى آله وأصحابه ، بل يجب على كل مسلم أن يبذلكل ما يستطيع من جهد في مقاومة هذا الفتح ، ووجوبه آكد على الأقرب فالأقرب ،وأهون أسباب المقاومة وطرقها المقاومة السلبية ، وأسهلها الامتناع من بيع أرضالوطن لليهود ، فإنه دون كل ما يجب من الجهاد بالمال والنفس الذي يبذلونه هم فيسلب بلادنا وملكنا منا .ومن المقرر في الشرع أنهم إن أخذوها وجب على المسلمين في جملتهم بذلأموالهم وأنفسهم في سبيل استعادتها ، فهل يعقل أن يبيح لنا هذا الشرع تمهيد السبيللامتلاكهم إياها بأخذ شيء من المال منهم وهو معلوم باليقين ؛ لأجل أن يوجب علينابذل أضعاف هذا المال مع الأنفس لأجل إعادتها لنا وهو مشكوك فيه ؛ لأنه يتوقفعلى وحدة الأمة العربية وتجديد قوتها بالطرق العصرية ، وأنَّى يكون ذلك لها وقلببلادها وشرايين دم الحياة فيها في قبضة غيرها ؟ فالذي يبيع أرضه لليهود فيفلسطين أو في شرق الأردن يعد جانيًا على الأمة العربية كلها . لا على فلسطينوحدها .ولا عذر لأحد بالفقر والحاجة إلى المال للنفقة على العيال ، فإذا كان الشرعيبيح السؤال المحرم عند الحاجة الشديدة ، ويبيح أكل الميتة والدم ولحم الخنزيرللاضطرار ، وقد يبيح الغصب والسرقة للرغيف الذي يسد الرمق ويقي الجائع منالموت بنية التعويض ، فإن هذا الشرع لا يبيح لمسلم بيع بلاده وخيانة وطنه وملتهلأجل النفقة على العيال ، ولو وصل إلى درجة الاضطرار ، إن فرضنا أنالاضطرار إلى القوت الذي يسد الرمق يصل إلى حيث لا يمكن إزالته إلا بالبيعلليهود وسائر أنواع الخيانة ، فالاضطرار الذي يبيح أمثال ما ذكرنا من المحظوراتأمر يعرض للشخص الذي أشرف على الموت من الجوع وهو يزول برغيف واحدمثلا ، وله طرق ووسائل كثيرة .وإنني أعتقد أن الذين باعوا أرضهم لهم لم يكونوا يعلمون أن بيعها خيانة للهولرسوله ولدينه وللأمة كلها ، كخيانة الحرب مع الأعداء لتمليكهم دار الإسلاموإذلال أهلها ، وهذا أشد أنواعها .{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ *وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } ( الأنفال : 27-28 ) .

تعليقات

المشاركات الشائعة